اطّلعت «الأخبار» على وثيقة تتضمّن تفاصيل خطّة توزيع المساعدات في قطاع غزة، والتي طُرحت، الأسبوع الماضي، في الاجتماع الأول لـ«مركز التنسيق المدني – العسكري» (CMCC) الذي تقوده الولايات المتحدة. ورغم فشل تجربة «مؤسسة غزة الإنسانية» - المدعومة أميركيّاً وإسرائيليّاً -، بيد أنّ واشنطن، تحاول فرض نموذج جديد مشابه، قائم على توجيه المساعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها جيش الاحتلال، بالتنسيق مع تل أبيب، ومشاركة المنظّمات غير الحكومية العربية والغربية، ومن دون التشاور مع الفلسطينيين.
وفي أثناء لقاء جمع مسؤولين من «المركز» إلى منسّق إدارة العمليات في «برنامج الأغذية العالمي»، اعترض الأخير على الطرح المشار إليه، مؤكّداً أنه سيضع واشنطن، «على طريق الفشل» ومشيراً إلى أنّ العنف الذي طبع عمليات تسليم المساعدات من جانب «مؤسسة غزة الإنسانية»، سيشكّل سبباً آخر لـ«فشل» الأميركيين. ودفع ذلك، الجنرال الأميركي جون هينسون، إلى التأكيد أنّ الوثيقة المكوّنة من ثلاث صفحات، والقائمة على «نظام المراكز» (hubs) يجب تجاهلها تماماً، موضحاً أنّ الخطّة النهائية لتوزيع المساعدات عبر هذه المراكز ستصدر في وقت لاحق.
بيد أنّ هينسون، شدّد على أنّ المدنيين في غزة «لن يتسلّموا المساعدات بشكل مباشر في تلك المراكز»، في مؤشّر إلى أنّ سائر عناصر الخطة قد تظلّ، على الأغلب، قائمة بموجب أيّ طرح مستقبلي. وتشمل الخطّة إنشاء 12 إلى 15 مركزاً على طول «الخط الأصفر»، يحتوي كلّ منها على مستودعات لوجستية ومواقع توزيع ومراكز صحية ومطابخ جماعية ومنشآت لنزع السلاح، يمكن المقاتلين التوجّه إليها لـ«تسليم أسلحتهم، في مقابل الحصول على عفو".
كما ستكون المواقع مخصّصة لخدمة السكان «على جانبَي الخطّ»، على أن توكل مهام توزيع المساعات فيها، إلى الإمارات و«الهلال الأحمر المغربي»، جنباً إلى جنب منظمة إغاثة مسيحية إنجيلية، هي «محفظة السامري» Samaritan’s) Purse) ، تقترح الخطّة اضطلاعها بمهمّة إدارة المستشفيات الميدانية. أيضاً، تشمل الخطّة إنشاء قواعد أمامية (Forward Operating Bases) تابعة لـ«القوة الأمنية الدولية» على طول «الخطّ الأصفر»، والتي تعمل كنقاط انطلاق لتنفيذ عمليات تهدف إلى تجريد غزة من السلاح.
مراقبة مشدّدة
وبهدف وضع كل ما يدخل إلى غزة تحت «المجهر» الأميركي – "الإسرائيلي"، تقترح الخطّة إنشاء «نظام رقمي» يمكن عبره مراقبة عملية تسليم المساعدات، التي من المفترض أن تحصل وسط «مواكبة مسلّحة»، فيما يُسمح فقط للمنظمات الممثّلة في «مركز التنسيق المدني - العسكري»، بتسليم المساعدات، تحت إشراف وتوجيهات هذا الأخير. ويقترح هينسون، وجود خرائط تُظهر مواقع المراكز، على أن تكشف المتابعات الرقمية، في الوقت الفعلي، ما يدخل إلى غزة من مساعدات، والوضع المتعلّق بالوقود، وعدد الشاحنات الداخلة ومحتوياتها، مطالباً بأن يتمّ عرض تلك البيانات، بشكل يومي، مع الموجز الصباحي، مرفقةً بتوقّعات للأيام المقبلة.
وفي خضمّ الرفض المتزايد لدخول كميات كبيرة من مواد الإغاثة إلى القطاع، أخرج هينسون، في أثناء الاجتماع، قائمة بالممنوعات بذريعة أنّها «مواد مزدوجة الاستخدام» (Dual-Use)، مدّعياً بأنّ 90% من حالات الرفض تعود إلى أنّ الجهة الطالبة، أي المنظمة غير الحكومية، غير معتمدة. ويأتي ذلك رغم أنّ قضية تسجيل موظفي المنظمات غير الحكومية وإجراءات وصولهم، أثيرت أكثر من مرة في أثناء الاجتماع، وفي كل مرّة جاء الردّ واحداً: «سيُعالج هذا الأمر في مرحلة لاحقة»، ما جعل مفهوم المنظمات «المعتمدة» مبهماً، لا سيّما أنّ البيانات التي تقدّمها «وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق» التابعة للاحتلال، هي على الأرجح "مفبركة وغير دقيقة".
ولدى طرح موظفين في الجيش الأميركي، سؤالاً عن سبب رفض بعض شحنات المواد، ردّ «برنامج الأغذية العالمي» بالقول إنّ الجهات الإنسانية تتلّقى ردوداً عامّة فقط، تتلخّص بوجود «أسباب أمنية»، من دون أيّ توضيح إضافي، في وقت يصعب فيه معرفة الجزء المحدّد من الشحنة الذي «يمثّل مشكلة». وبحسب «البرنامج»، يتمّ الرفض عادةً وفق آلية «2720»، على مستويَين: سواء من جانب «وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق»، أو أنّه في حال موافقة «الوحدة»، فقد تتلقّى الجهات الإنسانية رفضاً أمنيّاً من «الشاباك». وفي أثناء اجتماع حول «المواد مزدوجة الاستخدام»، والذي ترأّسته وزارة الخارجية الأميركية، أُعدّت لائحة بأهمّ تلك المواد، ووزّعت على ثلاثة أقسام، على أن تتمّ مراجعتها من قِبَل إسرائيل والولايات المتحدة حصراً، ومن دون إشراك أيّ من المنظمات الإنسانية في مرحلة التقييم.
الحاجات المطلوبة
وعقب الطلب من كل جهة إنسانية تحديد 4 إلى 5 أولويات «قصوى» ضمن مجالها، شدّد «برنامج الأغذية العالمي» على ضرورة إدخال بُنى تخزين إضافية؛ إذ لدى البرنامج عدد كبير من وحدات التخزين المتنقّلة (Mobile Storage Units)، تكفي لمضاعفة القدرة التخزينية داخل غزة. وفيما تمّت الموافقة على بعض تلك الوحدات، في انتظار أن يتمّ نقلها إلى غزة، لا تزال وحدات أخرى قيد البحث، بعضها في الأردن، وأخرى في أشدود. كما أشار «البرنامج» إلى أنّ توسيع عمليات الاستيراد يتطلّب زيادة موازية في القدرات داخل غزة، بما يشمل المزيد من المركبات المدرعة (AVs) لمرافقة القوافل، جنباً إلى جنب الحاجة إلى معدّات الاتصال الطارئة (ETC)، والتي يَمنع «الشاباك» إدخالها.
من جهتها، تحدّثت المؤسّسات الصحية، بما في ذلك «منظمة الصحة العالمية»، عن وجود حاجة ملحّة لآلاف المواد لتشغيل المستشفيات، وحثّت على وضع «قائمة بالأدوية والأدوات الطبّية لتسهيل إدخالها من دون الخضوع لفحص (المواد المزدوجة)»، جنباً إلى جنب إدخال المستشفيات الجاهزة. كما شدّدت المنظمات على ضرورة توفير عدد كبير من الأجهزة والمعدّات، وعلى رأسها أجهزة تثبيت العظام الخارجية ومولّدات الكهرباء ومعدّات طبّية تحتوي إلكترونيات، وكراسٍ متحرّكة، وغيرها. أيضاً، أُدرجت وحدات تحلية المياه، وإنشاء بنية تحتية للصرف الصحي، والمضخّات والمولّدات، بالإضافة إلى المواد الكيميائية اللازمة لمحطات معالجة المياه، ضمن المواد التي يحتاجها القطاع بشكل ملحّ.
وإذ قالت وزارة الخارجية الأميركية، إنّ مواد التدفئة الشتوية من مثل البطانيات والملابس، لا تعُدّ «مزدوجة الاستخدام» ولن تخضع، بالتالي، للقيود، لا تزال هناك صعوبات في إدخال الخيام التي تحتوي على أجزاء معدنية، لا سيّما وأنّ نصب الخيام الكبيرة يتطلّب معدّات معيّنة، من مثل المجارف وعربات اليد والأخشاب وغيرها.
"لا مسار واضحاً"
وطبقاً لتعليقات شخصية أدلى بها موظفون في مؤسّسة «أطباء بلا حدود» عقب الاجتماع، فإنّ القدرة على التفاعل فيه كانت «محدودة»، لا سيّما وأنّ كل جهة أُجبرت على سرد خمس أولويات كحدّ أقصى من دون توفير أيّ مساحة للحوار. كما لم يشمل اللقاء وجود أيّ مجموعة عمل فعلية، أو القيام بأيّ عصف ذهني، أو التوصّل إلى اقتراحات بالتوافق. وخلص الموظفون إلى أنّ القوات الأميركية، لا تزال في وضع «الاستماع»، وجمع المعلومات، فيما خطواتها التالية غير واضحة.
من جهته، شدّد الضابط في الجيش الأميركي، المقدّم مسوندا، مسؤول الملف الطبي في خطّة الولايات المتحدة، المتعلّقة بإدخال المعدّات الطبية والأدوية إلى غزة، والذي يرفع تقاريره مباشرةً إلى هينسون، على ضرورة فهم تحفّظات "إسرائيل"، والبدء في إدخال المواد الطبية «التي لا تثير الجدل» والمتوفّرة أصلًا في "إسرائيل" أو مصر، بهدف «بناء الثقة تدريجياً»، قبل طلب إدخال المواد الأكثر حساسية، مثل المولّدات الكبيرة.
وتابع، على هامش اللقاء، أنّ الأولوية يجب أن تكون للمرضى ذوي الحالات الحرجة، مستشهداً بخبرته السابقة في العمل في أفغانستان. كما اقترح تتبّع المعدّات الطبية الحيوية ومراقبة المواد الحسّاسة، لإقناع الجانب "الإسرائيلي"، بأنّ استخدامها يتمّ لأغراض طبية. من جهتها، حذّرت منظمة «أطباء بلا حدود»، من «المبالغة في مراقبة كل مادة (مزدوجة الاستخدام)، نظراً إلى أنّ ذلك سيخلق نظاماً بيروقراطياً معقّداً وغير فعّال».