منذ تأسيس "إسرائيل"، كان هناك افتراض واحد يوجّه قادتها: أن أمريكا ستبقى دائمًا الضامن الأخير لأمنها. من اعتراف ترومان [بالكيان] في العام 1948 إلى صفقات الأسلحة في عهد كينيدي وتنسيق الاستخبارات في عهد ريغان، أصبح هذا الاعتقاد شبه مقدس.
حتى لحظات التوتر - مثل توبيخ أيزنهاور بعد أزمة السويس أو اتفاق أوباما النووي مع إيران - كانت تُعتبر عواصف عابرة ضمن تحالف دائم.
بحلول العام 2025، تحطّمت هذه الأوهام. لقد تغيّر العالم: يتأرجح تركيز واشنطن بين آسيا والسياسة الداخلية، بينما يزداد أعداء إسرائيل جرأة ويصبح أصدقاؤها أكثر حذرًا. لم يشهد صيف العام 2025 ارتباكًا دبلوماسيًا فحسب؛ بل كان اللحظة التي أدركت فيها إسرائيل أنّه حتى الأصدقاء يتصرفون وفقًا لمصالحهم الخاصة أولاً.
كانت "دبلوماسية عقد الصفقات" التي اتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبدو في البداية منعشة - مباشرة، عملية، وجريئة. لكن "وقف إطلاق النار السريع" الذي فرضه صدم الإسرائيليين. تحدثت واشنطن عن الصداقة؛ ورأت تل أبيب تجاهلاً، خاصة بعد أن فشلت حماس في إلقاء سلاحها ولم تُفرج عن جميع الرهائن القتلى.
حين أعلن ترامب أن إسرائيل وافقت على وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا - وهو ما نفته إسرائيل وحماس فورًا - لم يكن الأمر مجرد سوء تفاهم، بل كان إهانة. بالنسبة لليمين الإسرائيلي، أصبح ذلك دليلاً على أنه لا ينبغي لأحد، ولا حتى إدارة أمريكية صديقة، أن يملي عليها خطوطها الحمراء.
عبّر قادة، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، عما يشعر به الكثيرون: لا يمكن لأمن "إسرائيل" أن يعتمد على تقلبات المزاج السياسي في واشنطن. حتى نبرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المهذبة لم تستطع إخفاء الغضب المتزايد داخل ائتلافه.
بحلول منتصف الصيف، بدأت عبارة "العزلة الاستراتيجية" تظهر في الأوساط المحافظة ومراكز التفكير. كان المفهوم بسيطًا ولكنه عميق: يجب على "إسرائيل" العمل مع الحلفاء، ولكن لا تعتمد على أي منهم. وقد بلورت مقالات افتتاحية في صحيفة إسرائيل اليوم هذا التفكير:
1 أغسطس/آب: "الدعم الأجنبي غير موثوق به. يجب على إسرائيل أن ترسم مسارها الخاص".
24 أغسطس/آب: "لا يمكننا العيش وفقًا لجدول واشنطن الزمني".
30 أغسطس/آب: "الشراكة مع أمريكا؟ نعم. بأي ثمن؟ أبدًا".
4 سبتمبر/أيلول: "واصلنا القتال رغم الضغط الأمريكي - الدرس المستفاد: الاستقلال مهم".
انتشرت الفكرة كالنار في الهشيم. في غضون أسابيع، توقفت عن كونها مجرد شعار وأصبحت عقلية - الاستقلال ليس عزلة، بل كرامة.
شهد شهر سبتمبر/أيلول سلسلة من اللحظات الحاسمة. أثارت تأكيدات ترامب الخاصة للقادة العرب بأنه سيمنع أي ضم "إسرائيلي" للضفة الغربية (يهودا والسامرة) غضب المحافظين "الإسرائيليين". وحذر وزراء مثل سموتريتش من أن "القيادة التي تتخلى عن مهمتها" خطيرة، بينما وصف بن غفير خطة ترامب بأنها "وثيقة مليئة بالثغرات تهدد أمن إسرائيل".
في غضون ذلك، رأى كتّاب، مثل ديفيد وينبرغ ومحللون مثل إيريز لين، بأن على إسرائيل أن تتبنّى الواقعية: يجب ألا تكون الدبلوماسية أبدًا على حساب السيادة. لم يكن هذا التحوّل مناهضًا لأمريكا؛ بل كان ما بعد أمريكا.
في جميع أعمدة الرأي والبرامج التلفزيونية، تردّدت العبارة نفسها: "صداقة إسرائيل مع الولايات المتحدة باقية، لكن عصر التبعية قد انتهى".
أكد استطلاع معهد دور موريا، الذي أجري في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، ما اشتبه به الكثيرون. كان "الإسرائيليون" يتجاهلون "لعبة القوى العظمى":
* 41% سمعوا عن قمة ترامب وبوتين في ألاسكا لكنهم لم يهتموا.
* 29% لم يعرفوا حتى أنها حدثت.
* 6% فقط شعروا أن توقعاتهم قد تحققت.
بين الإسرائيليين ذوي الدخل المنخفض، فات 37% منهم الحدث تمامًا؛ بينما فات 18% فقط من المواطنين الأثرياء. أظهر التعليم انقسامًا مماثلًا: 61% نسبة الوعي بين خريجي المدارس الثانوية، و78% بين خريجي الجامعات.
وبينما كان الخبراء قلقين بشأن إيران وروسيا، ركّز "الإسرائيليون" العاديون على شؤون الحياة اليومية - الأمن والأسعار والاستقرار الأسري. كانت الرسالة واضحة: أصبحت السياسة الخارجية حوارًا نخبوياً. لقد اختار الشعب الحياة الطبيعية.
إن تحوّل "إسرائيل" لا يحدث بمعزل عن التطوّرات الإقليمية والدولية. فقد أعادت تداعيات الحرب في أوكرانيا، والتنافس بين الصين والولايات المتحدة، وعودة روسيا إلى الساحة الدولية، تشكيل المشهد في الشرق الأوسط. وباتت التحالفات التقليدية أشبه باتفاقيات هشة - مؤقتة وتكتيكية وسهلة الانتهاك.
لقد دفع "تحوّل أمريكا نحو آسيا" حلفاءها في الشرق الأوسط إلى التنافس على جذب انتباهها. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تبنيان علاقات مع بكين وموسكو؛ وإيران تعمّق التنسيق مع روسيا. في خضم هذه التحديات، تواجه "إسرائيل" السؤال ذاته الذي يجب على كل دولة صغيرة الإجابة عليه: هل تعتمد على الآخرين أم على نفسها؟
بحلول نهاية العام 2025، لم يعد "الوقوف بمفردنا" مجرد شعار؛ بل أصبح هويّة. إسرائيل لا تنعزل عن العالم، بل تتعلم كيف تقف شامخةً فيه.
إن الشجاعة على الوقوف بمفردنا تعني إدراك أن الصداقة قيمة، ولكنها ليست مطلقة. إنها النضج الذي يسمح بالتعاون دون خضوع، وقبول المساعدة دون التخلي عن حرية الاختيار.
في عالم تتغيّر فيه موازين القوى وتتلاشى فيه اليقينيات، تُعدّ عقيدة إسرائيل الجديدة عملية وفلسفية في آن واحد. تبقى أمريكا صديقة، ولكنها لم تعد ركيزة أساسية. روسيا شريك في الحوار، وليست حامية. ودول مثل أذربيجان تُظهر أن السيادة، إذا ما حُوفظ عليها بحكمة، لا تزال أسمى أشكال الأمن.
قد يكون النظام العالمي الليبرالي في طريقه إلى الزوال، لكن استقلال إسرائيل بدأ للتوّ يسطع - ليس كتحدٍ، بل كمصير.
--------------------
العنوان الأصلي: The courage to stand alone: Why Israel no longer trusts America
الكاتب: Rachel Avraham*
المصدر: Jewish Syndicate News
التاريخ: 27 تشرين الأول / أكتوبر 2025
*راشيل أفراهام محررة أخبار ومحللة سياسية تعمل في موقع JerusalemOnline، الموقع الإلكتروني الناطق باللغة الإنجليزية التابع لقناة 2 الإخبارية.