وكالة القدس للأنباء - متابعة
بكلماتٍ موجزةٍ جدًا يُمكِن القول والفصل أيضًا أنّ غزّة بقيادة حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس) توصلّت لهدنةٍ أوْ حتى فرضتها على العالم برّمته، ولولا صمودها في المعركة لما كنّا وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، إذْ أنّ القضيّة الفلسطينيّة باتت تتصدّر الأجندة العالميّة، والاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، على علّاتها، سببها صمود المقاومة في غزّة.
الى ذلك، قدّر محللون "إسرائيليون" أن نتائج الحرب على غزة، رغم ما حققته من إنجازات ميدانية كبيرة لجيش الاحتلال، تمثّل هزيمة سياسية واضحة لإسرائيل، في وقت تعتبر فيه حركة حماس ما جرى انتصارًا إستراتيجيًا على المستويين السياسيّ والدوليّ.
يسخاروف: زيادة كراهية "الإسرائيليين"
وقال المُستشرق، آفي يسسخاروف، وهو محرر الشؤون العربية في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، في مقالٍ إنّ الحرب التي استمرت أكثر من عامين “منحت دولة الاحتلال إنجازات عسكرية مهمة على الأرض”، من بينها موافقة حماس على بقاء قوات الاحتلال مؤقتًا داخل قطاع غزة، لكنّه أضاف في الوقت عينه أنّ هذه المكاسب العسكرية “لم تتحول إلى إنجازٍ سياسيٍّ، بل تحولت إلى فشلٍ سياسيٍ فادحٍ".
علاوةً على ذلك، أوضح يسسخاروف، المعروف بارتباطاته مع الأجهزة الاستخباراتيّة الإسرائيليّة، أوضح في تحليله أنّ حماس تنظر إلى الحرب باعتبارها انتصارًا حقيقيًا، ليس فقط في المعارك الميدانية داخل غزة، بل على الصعيديْن السياسيّ والدوليّ، إذ حققت أهدافها السياسية تدريجيًا، بينما حولت إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو استمرار الحرب إلى هدفٍ حزبيٍّ داخليٍّ على حساب المصالح السياسية للدولة، طبقًا لأقواله.
وبيّن الكاتب أنّ الدمار الواسع الذي خلّفه الاحتلال في غزة، والذي تعتبره إسرائيل إنجازًا عسكريًا، تراه حماس “تضحيات ضرورية في حربها المستمرة”، مشيرًا إلى أنّ هذه المآسي “لن تؤدي إلّا إلى زيادة الكراهية تجاه الإسرائيليين، ليس في غزة والضفة فقط، بل في جميع أنحاء العالم".
وسرد يسسخاروف أمثلة على ما وصفه بـ”الانتصار السياسيّ لحماس”، موضحًا أنّ “كلّ زيارةٍ لمدينة أوروبيّةٍ تُظهر حجم الهزيمة السياسيّة الإسرائيليّة، حيث تنتشر اللافتات المؤيدة لفلسطين في الشوارع، ويرتدي الشباب الكوفية الفلسطينيّة، وتنظم مظاهرات وإضرابات ضد ما يُوصف بالإبادة الجماعية في غزة، بل ووقعت هجمات على أهدافٍ يهوديّةٍ”، على حدّ تعبيره.
وأضاف أنّ بعض المتظاهرين الأوروبيين يقومون بالتعبير عن غضبهم لأسبابٍ متعددةٍ، “لكن حماس نجحت في كسب تعاطف واسع بين الجماهير الأوروبيّة، في وقت فشلت فيه الحكومة الإسرائيلية في ذلك”، مشيرًا في ذات الوقت إلى أنّ “الأخطر هو الفشل الذريع لإسرائيل في التأثير على الرأي العام الأمريكيّ، بما في ذلك داخل الحزب الجمهوريّ، الذي بدأ يتخذ مواقف أقل انحيازًا لدولة الاحتلال".
ولفت إلى أنّ هذه الإخفاقات السياسيّة الإسرائيليّة تُقابلها إنجازات دبلوماسيّة لحماس، خصوصًا سلسلة الاعترافات الغربية المتزايدة بدولة فلسطين، التي وصفها بأنّها “نتيجة مباشرة لغياب السياسة الإسرائيليّة”، معتبرًا أنّ وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وإعادة إعمار القطاع، “سيساهم في تعزيز دعم الحركة“.
وأوضح يسسخاروف أنّ المفاوضات الأخيرة والجارية حاليًا تمثل “دليلاً واضحًا على الوضع السياسيّ الجديد لحماس”، إذ بات مسؤولون أمريكيون، إلى جانب قطر وتركيا ومصر، يتحدثون معها بشكلٍ مباشرٍ، وأكبر مثالٍ على ذلك، اجتماع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنير مع رئيس وفد (حماس)، القياديّ خليل الحيّة.
ويعكس هذا التقدير النغمة السائدة في الإعلام الصهيونيّ منذ الإعلان عن اتفاق وقف الحرب على غزة، مشيرًا إلى أنّ ما يمكن وصفه بـ”الإنجاز العسكريّ الكبير” لم يُترجم إلى أيّ مكسبٍ سياسيٍّ، وأنّه ما لم تقُم إسرائيل بتغيير أدائها السياسيّ، فستواصل حماس تحقيق مكاسب إضافية، داخليًا وخارجيًا على حدٍّ سواء، طبقًا له.
فايتس: سيحملون تابوت "إسرائيل"
على صلةٍ بما سلف، بيّن الكاتب والمُحلِّل الاستقصائيّ في صحيفة (هآرتس) العبريّة، غيدي فايتس، أنه حتّى إصرار بنيامين نتنياهو على تخليد النزاع مع الفلسطينيين، قام بتسويقه بلغة القوّة، بينما في الواقع، ضعفه في قراءته للواقع، إلى جانب غياب جرأته، أديا إلى أنّ النزاع بات على حافة تدويله، وبالوتيرة الحالية قد يُفرض حل الدولتين على إسرائيل، طبقًا لأقواله.
وشدّدّ المُحلِّل على أنَّ الميزان المرحليّ يكشف أنّ نتنياهو قوي جدًا في مجال واحد: البقاء الشخصيّ والسياسيّ، وقدرته غير العادية على الصمود على الحبل الرفيع حتّى أمام تسونامي (قتل رابين) وإعصار (7 تشرين الاول/أكتوبر)، أمّا باقي إنجازاته، فهي ضعف وإضعاف.
ولفت في الختام “الآن، يجب عليه أنْ يرحل وهو يحمل على كتفيه حقيبةً مليئةً بالأخطاء. لا يمكنه ولا يستحق أنْ يكون الشخص الذي سيدفع خطة ترامب، مثلما شهد غيابه عن قمة شرم الشيخ. لكن أيضًا أولئك الذين يبالغون في التطلع إلى خلافته يجب أنْ يفهموا، أنّهم إذا استمروا في عدم تقديم سبيلٍ لمحاولة حلّ النزاع الوطنيّ، هم أيضًا سيحملون تابوت إسرائيل بأيديهم”، على حدّ وصفه.
