/مقالات/ عرض الخبر

رغما عن أنف السجان والكيان ومن يدعمه.. المقاومة ستحرر الأسرى

2025/10/17 الساعة 10:48 ص

راغدة عسيران

حرّرت المقاومة الفلسطينية ما يقارب 3985 أسيرا في عملية "طوفان الأحرار"، منهم 486 أسيرا محكوما بالمؤبد، بينهم أسرى قدامى تم اعتقالهم قبل انتفاضة الأقصى، في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي (في آخر دفعة، الأسير المحرر سمير أبو نعمة – 1986، الأسير المحرر محمد داود – 1987، الأسير المحرر محمود عيسى – 1993، الأسير المحرر محمود العارضة – 1996).

لم تكن عملية "طوفان الأحرار" العملية الأولى التي تنفذها المقاومة الفلسطينية لتحرير الأسرى، فقد سبقتها عدة عمليات خطف وأسر جنود صهاينة، كما سبقتها العشرات من المحاولات بهدف استبدالهم مع الأسرى الفلسطينيين، لأن الثابت خلال عقود من الزمن، هو أن المقاومة هي الجهة الوحيدة التي تمكّنت من تحرير الأسرى، وخاصة المحكومين بالمؤبدات والأحكام العالية، دون تقديم أي تنازل عن المبادئ الوطنية للعدو وأعوانه.

فهذا ما أكدّه الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، القائد المجاهد زياد النخالة قائلا "إن ما تمّ تحقيقه اليوم، من تحرير عدد كبير من أسرى المقاومة والشعب الفلسطيني، لم يكن ليتمّ لولا رجال المقاومة وبسالة المقاتلين في الميدان، ولولا وحدة الشعب الفلسطيني خلف مقاومته".

اعترف غالبية الأسرى المحرّرين في "طوفان الأحرار" أن ثمن حريتهم كان باهظا، وتمنى أكثر من أسير محرّر ومبعد الى خارج فلسطين أن يبقى في غزة لمداواة جراح أهلها، والمساهمة في إعمارها والتخفيف عن آلامها، وصرّحوا أن غزة وأهلها ستبقى في أعناقهم الى الأبد.

رغم هذا العدد الكبير من الأسرى المحرّرين خلال المراحل الثلاثة لـ"طوفان الأحرار"، لا يزال الآلاف من الأسرى في سجون العدو، منهم محكومون بالمؤبدات، أو بالأحكام العالية، ومنهم معتقلون إداريون وبعضهم منذ سنوات حيث يتم تمديد اعتقالهم باستمرار، ومنهم موقوفون لم يتم محاكمتهم، رغم عدم شرعية المحاكم الصهيونية، كونها محاكم كيان محتل لأرض الغير.

ولا يزال أسرى قطاع غزة، في سجون الموت والإذلال، كما وصفها العديد من الأسرى المحرّرين، وغالبيتهم من المدنيين، من بينهم الأطباء (حسام أبو صفية) والأساتذة والعلماء والمحامين والصحافيين، الذين اختطفوا من منازلهم ومن المستشفيات حيث احتموا من القصف، وعلى الطرقات وفي المراكز الأميركية (مصائد الموت) لتوزيع المساعدات.

الآلاف من الأسرى ينتظرون تحرّرهم اليوم، وهم يعيشون في أقسى الظروف التي عرفتها السجون، في الكيان الصهيوني، وفي العالم، بسبب التعاون الغربي الاستعماري مع حرب الإبادة التي انتقلت أيضا الى السجون الصهيونية، وتواطؤ دول مختلفة مع حرب الإبادة. لم تتمكّن المقاومة من تحريرهم في هذه العملية الجبارة، كما صرّح القائد النخالة "كنا نأمل أن تكون النتائج أفضل، ولكن شعبنا ليس بعيداً عن إدراك موازين القوى والعوامل الكثيرة التي أحاطت بشعبنا في غزة على وجه الخصوص."

لكن الوعد بالحرية ما زال حيّا لدى الأسرى ولدى الشعب الفلسطيني ومقاومته، وتعهّدت المقاومة بالعمل على تحريرهم، كما جاء في تصريح كتائب القسام الموجّه الى الأسرى: "أسرانا الأحرار: لقد قدمت غزة ومقاومتها أغلى ما تملك وسعت بأقصى استطاعتها من أجل كسر قيدكم، وعهداً أن تبقى قضيتكم على رأس أولوياتنا الوطنية حتى تنالوا حريتكم جميعاً". وهذا ما اكّده أيضا الأمين العام القائد زياد النخالة: "لن يسقط  هدف تحرير باقي أسرانا البواسل من أولويات المقاومة إن شاء الله" لأن المقاومة ما زالت في الميدان ولم تستسلم الى دعاة الاستسلام، ظنا منهم أنها انتهت وتبخرّت القضية الفلسطينية.

وقالها من قبل، الناطق باسم سرايا القدس، الشهيد أبو حمزة "نؤكد لأبطالنا البواسل في المعتقلات أنهم على سلم أولويات المقاومة ونعدهم أن تحريرهم آتٍ لا محالة رغم أنف العدو وغطرسته إن شاء الله" لأننا "قوم لا نترك أسرانا في أيدي الغاصبين" ويرددها اليوم الأسرى المحرّرون الذين وعدوا أن يكملوا مسيرة النضال والجهاد من أجل القدس وإخوانهم الأسرى (الأسير المحرر والمبعد أحمد الشرباتي). ما يؤكد للجميع أن المقاومة لن تقف مكتوفة اليدين أمام الفظائع التي ترتكب في فلسطين وفي السجون الصهيونية، وستواصل جهودها من أجل تحرير الاسرى، إذ لا تسعى أي جهة أو دولة أو مؤسسة للقيام بهذه المهمة.

لن تحرر الاسرى الدول التي شاركت في خطة الرئيس ترامب الاستسلامية، هذه الدول التي تُعتبر وسيطة الى جانب العدو الأميركي، بين المقاومة الفلسطينية وكيان التوحّش، والتي ضغطت على المقاومة للتنازل عن شروطها كالمطالبة بتحرير جميع أسرى المؤبدات، وخاصة القادة من مختلف الفصائل، والتي ما زالت تتعامل مع هذه الخطة الاستسلامية للقضاء على المقاومة الفلسطينية وروح المقاومة في المنطقة.

لن تحرر الأسرى سائر الدول العربية، إن كانت مطبّعة أو غير مطبّعة، خاصة التي اتخذت من شعار "(دولتها) أولا" مسلكها السياسي والديبلوماسي. فلسطين تبقى قضية غائبة عنها إلا في المؤتمرات حيث تصدر بيانات يحدّها سقفها السياسي قرارات "المجتمع الدولي"، أي لا شيء بل الانتظار.

لن تحرر الأسرى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي التي تسعى للتخلص من مسألة الأسرى المحرّرين، بالانتقاص من مكانتهم السياسية والشعبية، من خلال التنازل أمام الصهاينة والولايات المتحدة، والتي تواصل حتى اليوم، اعتقال المناضلين وحماة المقاومة، كالسيدة أميرة عرعراوي من مخيم جنين التي تحاكم منذ فترة على خلفية احتضانها لأبناء المقاومة في المخيم. تخشى سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية تحرير الأسرى، وخاصة القادة، بسبب دورهم المرتقب والمرجو شعبيا في توحيد جهود الشعب الفلسطيني لكنس الاحتلال ونيل الحرية.

لن تحمي الدول الغربية الاستعمارية الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو الصهيوني من التعذيب والبطش والتجويع، فألمانيا وريثة النازية التي اتخذها كيان العدو مثلا لمعاملة الأسرى، لن تتحرك من أجل من صنفتهم "إرهابيين"، وفرنسا مهتمة اليوم بجني ثمار خطة الاستسلام لتصفية المقاومة، وهي التي رفضت الإفراج عن جورج إبراهيم عبد الله من سجونها رغم انتهاء محكوميته غير العادلة، وسمعة بريطانيا معروفة لدى العالم فيما يخص هندسة السجون الإيرلندية لتعذيب الأسرى الإيرلنديين سابقا. هذه الدول الشريكة في حرب الإبادة لا يمكن أن تنظر الى المظلومين وتدافع عنهم، فهي أصلا تنكر وجودهم.

لن تحرّك هيئة الأمم المتحدة ولا مؤسساتها ومنظمة الصليب الأحمر الدولي ساكنا من أجل الأسرى الفلسطينيين لحمايتهم ضد التحوحّش، فإعلانها عن "الحياد" يعني الرضوخ للاقوى عسكريا.

فالمقاومة وحدها قادرة على تحرير الأسرى، ولكن على الشعوب العربية (بما فيها الشعب الفلسطيني) والإسلامية وشعوب العالم الحرة، التي انتفضت وتنتفض من أجل قطاع غزة لإنهاء الإبادة الجماعية التي يقترفها العدو الصهيو-أميركي (مجازر، تدمير، تجويع، نزوح، حصار..) ان تسهّل مهمة المقاومة التي ستحرّر الأسرى بالتحرّك الشعبي والإعلامي لجعل مسألة الأسرى مسألة عالمية يجب التوقف عندها، والتأكيد على أن الاسرى الفلسطينيين هم أولا ضحية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وضحية العالم الغربي المتواطئ مع الصهاينة، وثانيا أن الأسرى، وخاصة المحكومين بالمؤبدات، مقاومون ضحوا من أحل حرية شعبهم المظلوم. فالأسرى الذين تحرّروا في عملية "طوفان الأحرار" تم اعتقال غالبيتهم خلال انتفاضة الأقصى (2002-2005).

رغم حالة التوحّش في السجون الصهيونية اليوم، فالتركيز على أن الأسرى مقاومون يحاربون الإرهاب الصهيو-أميركي يعيد قضية الأسرى الى موقعها الأصلي السياسي، لأنها ليست قضية إنسانية فقط تتوقف على التوحّش الصهيوني وسوء المعاملة والتعذيب والتجويع. يستحق الأسرى أن نفتخر ببطولاتهم قبل وخلال الأسر، لتخرج صورتهم المشرقة الى العالم، ليس فقط كمظلومين جائعين معذّبين، بل مقاومين حاملين همّ شعبهم ووطنهم.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/220379

اقرأ أيضا