وسط أنقاض البيوت والمباني ووجوه الأطفال في غزة، تختبئ آلاف الحكايات والقصص المأساوية، وكل من عاش الخوف والجوع والنزوح وقلة الحيلة، ليس مجرد موثق للحظة، بل هو شاهد على معاناة شعبه، وناقل لصورة الحياة وسط الدمار، والأمل وسط الألم... وكانت بطلة إحدى هذه القصص، السيدة ريهان شراب (31 عاماً) التي عاشت حجم الكارثة الإنسانية، وهي أم لطفلين، ولد وبنت.
كانت تعمل قبل اندلاع الحرب، في مجال المشغولات اليدوية، وتصنع العديد من المنتجات التي تتراوح بين صنع الشمع، الكروشية، بالإضافة إلى تصميم فساتين الأطفال الصوف، وكانت مهتمة بإعادة تدوير المواد التي يتم التخلص منها، وتبتكر منها أشياء جديدة، مثل الفوانيس الرمضانية، الدومي، والخرفان لعيد الأضحى، كان شغفها تحويل المواد البسيطة إلى منتجات فنية تعكس التقاليد والمناسبات، لكن جاءت الحرب وسرقت منها كل شيء، بعد أن كانت هذه المشغولات بمثابة مصدر رزق لها ولعائلتها، وكانت تمثل أيضًا شغفها وإبداعها في خلق أشياء جديدة من مواد قد تكون مهملة، مما كان يعزز علاقتها بالمجتمع، خاصة في المناسبات الدينية كرمضان وعيدي الفطر والأضحى.
تغيرت حياتي بعد الحرب
وتحدثت ريهان لـ"وكالة القدس للأنباء" قائلة: "مع بداية الحرب، تغيرت حياتي بشكل جذري. كما هو الحال مع معظم أهالي غزة، تعرضت أسرتي للعديد من الصعوبات المعيشية، وباتت الأوضاع أكثر تحديًا، ومع تدمير العديد من المصانع والمحلات، تأثرت قدرتنا على الحصول على المواد الأولية اللازمة للعمل، كما أصبح من الصعب على كثير من الناس شراء المشغولات اليدوية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة"، مؤكدة أنها "بدلاً من الاستسلام لتلك الظروف، قررت أن أستخدم مهاراتي في المشغولات اليدوية لخدمة المجتمع أكثر في الأوقات الصعبة، بدأ هدفي يتغير ليشمل المساعدة الإنسانية والدعم الاجتماعي للأسر المتضررة".
هكذا أساهم في مساعدة أهالي غزة
وأوضحت ريهان شراب "اليوم، بجانب عملي اليدوي، أصبح لدي دور أكبر في تقديم الدعم لعائلات غزة من خلال مبادرات تطوعية متنوعة، بدأت في تنظيم حملات لتوزيع الملابس الشتوية والأغطية للأطفال والعائلات التي فقدت منازلها، بالإضافة إلى دورات تدريبية للنساء في المجتمع المحلي لتعليمهن مهارات المشغولات اليدوية المختلفة، مما يساعدهن على خلق مصدر دخل بديل لهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، كما شاركت في جمع التبرعات التي تُخصص لتوزيع سلال غذائية وأدوية أساسية للعائلات المحتاجة، أصبح دوري الآن أكثر توجيهًا نحو الدعم الاجتماعي والنفسي، حيث أشارك في أنشطة تهدف إلى تخفيف الضغط النفسي الذي يعاني منه سكان غزة، وخاصة الأطفال الذين تعرضوا لأزمات نفسية بسبب الحرب".
التحديات والآمال المستقبلية
وبينت شراب أنها "على الرغم من التحديات الكبيرة التي نواجهها، مثل نقص الموارد وتدهور الوضع الأمني، إلا أنني أؤمن بأن العمل الجماعي والتضامن المجتمعي يمكن أن يساعدنا في تخطي هذه الأزمة. أهدف إلى استمرار تقديم المساعدة للأهالي، وتعزيز التعليم المجتمعي، وتوفير فرص عمل للنساء عبر المشغولات اليدوية كوسيلة لدعم استقلالهم".
تصل التبرعات من مختلف أنحاء العالم
وعن التبرعات قالت: "ما كنت أتمكن من جمعه من تبرعات وكنت أوزعها تصل من مختلف أنحاء العالم، خاصة من العراق، حيث هناك العديد من الأشخاص الذين ساهموا في دعم أهالي غزة في الأوقات الصعبة. التبرعات غالبًا ما تكون مبادرات فردية، حيث يقوم الأفراد أو العائلات أو حتى مؤسسات صغيرة بتقديم الدعم بشكل مباشر". مضيفة: "أنا شخصيًا أسعى لتوجيه هذه التبرعات نحو المحتاجين، وأعمل على تنظيمها بطريقة تضمن وصولها إلى الأشخاص الأكثر تضررًا في المناطق الأكثر حاجة، كما أشارك في تنظيم حملات توعية لجمع المزيد من التبرعات، وتوسيع دائرة الدعم عبر منصات التواصل الاجتماعي، والمجموعات الخاصة".
أنواع المساعدات..
وأشارت إلى أن "المساعدات التي أوزعها تشمل مجموعة متنوعة من المواد التي تساهم في تخفيف معاناة الأهالي في غزة. من بين الأشياء التي أعمل على توزيعها: تكيات (بطاطين) لتوفير الدفء للعائلات في فصل الشتاء، طعام مثل سلال غذائية تحتوي على المواد الأساسية مثل الأرز، الزيت، السكر، وغيرها من المواد التي تحتاجها الأسر، ومنظفات لتلبية احتياجات النظافة الشخصية والعامة، وطولات عجين ومواد غذائية أخرى لعائلات تحتاج إلى طعام جاهز أو مستلزمات الطهي، بالإضافة إلى حليب للأطفال و بامبرز (حفاضات) لتلبية احتياجات الأطفال في الأسر المتضررة، وسقيا ماء: توصيل مياه الشرب النقية إلى العائلات التي لا تتمكن من الحصول عليها بسهولة".
طريقة توزيع المساعدات
وأوضحت ريهان أن "المبادرات التي أنفذها تختلف حسب المتبرع واحتياجات الأسر المتضررة، على سبيل المثال، إذا طلب المتبرع مواد غذائية، أركز على توزيع الطعام والشراب، وإذا طلب ملابس أو بطاطين، أخصص التوزيع لذلك. كما أن كل مبادرة أعمل عليها تختلف عن الأخرى، حسب نوع الدعم الذي يتم توفيره، وقد تكون المبادرة موجهة إلى مخيمات اللاجئين أو المناطق الأكثر تضررًا، وقد تشمل توزيع الحليب والحفاضات للأطفال في مناطق تفتقر إلى الرعاية الأساسية".
وأضافت أنا "أقوم بتوزيع المساعدات على مخيمات مختلفة، حيث أختار كل مرة مخيمًا جديدًا لتوزيع المساعدات فيه، هذا يساعد في توزيع الدعم بشكل عادل بين الأسر المتضررة في مختلف الأماكن، مؤكدة أن "التنقل بين المخيمات يتيح لي معرفة احتياجات كل منطقة بشكل أكثر دقة، وبذلك أتمكن من توفير الدعم للمحتاجين في كل مكان".
وضعنا بشكل عام في غزة
وبالنسبة للوضع في غزة، قالت ريهان شراب لوكالة القدس للأنباء، إنه صعب للغاية في الوقت الحالي، كثير من العائلات تعيش في ظروف قاسية، وصعوبة الحصول على المواد الأساسية، والعديد من المنازل تعرضت للتدمير، والبنية التحتية لا تعمل بشكل جيد، مما يزيد من معاناة الناس...
لكن رغم هذه الظروف الصعبة، فإن روح التعاون والتكافل الاجتماعي بين سكان غزة تجعل الحياة أكثر تحملاً، هناك دعم كبير من المتطوعين والمنظمات الخيرية التي تعمل جاهدة لتوفير المساعدة، ورغم التحديات، فإن أهل غزة يثبتون يومًا بعد يوم قدرتهم على الصمود والإصرار على الحياة".
فقدت زوجي وبيتي..
وفي نهاية حديثها لوكالة القدس للأنباء، بينت شراب أنها "في الشهر الثالث في الحرب، فقدت بيتي بشكل كامل، مما اضطرني للانتقال إلى مواصي خان يونس، حيث قضيت هناك حوالي 6 شهور في ظروف صعبة للغاية، مع مرور الوقت، بدأت المنطقة تستقر قليلاً في بيت أهلي فانتقلت للعيش في بيت أهلي بعدما أصبحت المنطقة أكثر أمانًا، لكن بعد فترة قصيرة، تعرضنا للنزوح مجبرين
فاضطررت للعودة إلى مواصي خان يونس مرة أخرى، واليوم، أعيش مع أطفالي فقط في مواصي خان يونس، بعد أن فقدت زوجي بسبب الظروف الصعبة التي مررنا بها، حيث لم يعد معي بسبب الأوضاع القاسية التي نواجهها جميعًا في غزة".