هبة دهيني
تحلّ ذكرى انطلاقة حركة الجهاد الإسلاميّ هذا العام في ظلّ واقع فلسطيني استثنائي، بعد مرور عامَين على عمليّة طوفان الأقصى، والتي أعادت الصّراع مع الاحتلال إلى مربّعه الأوّل. إذ بينما يواصل العدوّ بناء خططه لإخضاع شعوب المنطقة، تثبت المقاومة التي شكّلت حركة الجهاد إحدى ركائزها الأولى، أنّها ما زالت حاضرة وقادرة على قلب المعادلات.
تأتي الذّكرى في وقتٍ يصعد دونالد ترَمب منبره ليتغنّى بقضمِ قطاع غزّة، وبفَرضِ استسلامٍ تعسّفيٍّ على أهلها، تحت مسمّى "خطّة لإيقاف الحرب"، هذه الخطّة نفسها الّتي يرعاها مجرم الحرب نتنياهو، والقوى الاستعماريّة الأخرى كافّة.
وأثناء إعلان ترمب لخطّته، يشطّ الاحتلال في عنجهيّته، عبر تصعيد المجازر في القطاع، واستخدام كلّ الأدوات الإحلاليّة لإبادة شعبٍ كاملٍ في غزّة، كما لا تقف وحشيّته عند هذا الحدّ، فتمتدّ نحو الضفة الغربيّة، ثمّ عموم المنطقة العربية، وتحديدًا غرب آسيا.
يعتدي الاحتلال كذلك على أسطول الصّمود، ليعلن مجدّدًا، وللعالم أجمع، أنّ خطّته التّوسّعيّة لا تقتصر على مساحة غزّة، ولا حتّى على مساحة فلسطين، بل على قضمِ كلّ المنطقة، ليسيطر بقوّته الاستعماريّة الإحلاليّة على أراضينا وبلادنا، ومع كلّ هذا الوضوح، وكلّ هذه الوقاحة، ما زالت الحكومات العربيّة تفتح يدَيها للكيان، فتهديه ما لذّ وطابَ من اتفاقيات سلام، ويهديها بالمقابل اعتداءاتٍ ومذابح!
تأتي ذكرى انطلاقة حركة الجهاد بالتوازي مع مرور عامَين على طوفان الأقصى، العمليّة التي أعادت فلسطين إلى الواجهة مجدّدًا، بعدما كان العالم قد نسيَ أنّ احتلالًا عنجهيًّا موجودًا في منطقة غرب آسيا هذه، يأخذ ما شاء من أراضٍ، ويقتل كلّ من تنفّس في هذه البقعة الصغيرة من العالم.
تأتي الذّكرى أمام كلّ هذه المشاهد الصعبة، ومع ذلك، وبين كلّ خبرٍ وآخرٍ عن مجزرة، نبصر خبرًا عن كمين، أو عبوّة ناسفة، أو اشتباك، أو عمليّةٍ فدائيّة، أو ابتسامةٍ من طفلٍ خرج للتّوّ من تحت الرّكام وهو يصرخ بقوّة الله باسمِ المقاومة. نبصر كلّ هذا لا لأننا شعبٌ لا يشعر بالألم، ولا لأننا شعوبٌ تحيي الذكرى لمجرّد إحيائها، بل لأنّنا شعوبٌ تحيي ذكرى انطلاقة مقاومتها عبر تنفيذ مبادئها والاستمرار بنهجها.
كلّما انطلقت عمليّةٌ من فلسطين تأكّدنا أنّ نهج الجهاد مستمرّ، رغم أنف نتنياهو وترمب وكلّ من وضع يده بأيديهم، ورغم أنف الاحتلال وجنوده الذين يقمعون اليوم أصوات الناشطين على أسطول الصمود العالميّ، والذين يخافون من البحر وما يحمله من مساعدات.. ومع ذلك، فهذا البحر أكبرُ من أن يُحاصَر!
نهجُ الجهاد مستمرٌّ لأننا شعوبٌ تشبّعَت بالمقاومة منذ ولادتها، إذ وُلِدَت تحت الاحتلال الّذي سرق أرضها وبيوتها وعائلاتها، ولأنّنا شعوبٌ لا ترضى بالذّلّ ولا الخنوع، ولا ترضى بكلّ معاهدات السّلام (الاستسلام) الذّليلة، ولا تضع يدها بيدِ قاتلها أبدًا.
لذا، اليوم، وبعد 38 عامًا من انطلاقة حركة الجهاد، طالما هناك احتلال، هناك مقاومة، وطالما هناك خططٌ صهيونيّةٌ يتغنّى المحتلّ بها في بلادنا وكأنّها "مُلكه"، فهناك رجالٌ تربَّوا على الكرامة والحرّيّة، وأن لا نحلم بحياةٍ طبيعية ما دامت "إسرائيل" موجودة، وطالما هناك نهجٌ ثابتٌ لا يتغيّر، فإنّ السّلام مع الكيان أمرٌ مستحيل.
