راغدة عسيران
حدّدت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين يوم انطلاقتها بمعركة الشجاعية، التي وصفها القيادي وأحد مؤسسي الحركة، الشيخ نافذ عزام، بأنها تمثل "نقطة مضيئة في تاريخ الشعب والجهاد الإسلامي"، وهي المعركة التي خاضها المجاهدون: محمد الجمل، وسامي الشيخ خليل، وزهدي قريقع، وأحمد حلس على دوار الشجاعية في مدينة غزة يوم 6/10/1987، حيث اشتبكوا لساعات عدة مع القوات الصهيونية بعد شهور من الملاحقة والمطاردة.
تكمن أهمية هذه المعركة بأنها "أول اشتباك مسلح مباشر مع قوات العدو الصهيوني استمرّ ساعات عدة بعد حرب 1982، وأول اشتباك عسكري مباشر وجها لوجه بين مجموعة من مجاهدي الحركة وجنود الاحتلال الصهيوني"، كما وصفها الكاتب تيسير الغوطي، الذي يكمل قوله بأن المعركة أكّدت "على إصرار مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي على الجهاد والاستشهاد في الصراع والصدام مع الكيان الصهيوني"، بعد أن تمكّن الشهيدان محمد الجمل وسامي الشيخ خليل من الهروب من سجن غزة المركزي، مع مجاهدين آخرين، بقيادة الشهيد مصباح الصوري، يوم 17/5/1987، لينتقلوا الى تجهيز أنفسهم للمواجهة مع الاحتلال.
جسّدت معركة الشجاعية المبادئ التي انطلقت منها الحركة، منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وهي وجوب قتال العدو (واجب شرعي)، الجهاد منطلق الوعي، والوعي يقود الى الثورة (مثال سيرة الشهيد الشيخ عز الدين القسام)، والاستعداد للشهادة يلازم الجهاد، والشهادة هي الحياة كما يؤكد الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي. ومن خلال ربط المعركة بعملية الهروب الكبير من سجن غزة المركزي (اعتبار الشهيد مصباح الصوري أحد شهداء معركة الشجاعية)، أضافت الحركة الى هذه المعركة أهمية نضال الأسرى في سجون العدو وشرعية محاولات الهروب.
لقد تجسدت مبادئ الجهاد والشهادة في معركة طوفان الأقصى الحالية في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث يقاتل المجاهدون منذ سنتين (2023-2025) الهمجية الصهيو-أميركية المتمثلة بحرب إبادة جماعية لترسيخ المستعمرة الاستيطانية الصهيو-غربية في فلسطين.
وأثبت صمود الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، أن مبدأ الشهادة في سبيل الله، من أجل الحق والوطن والحرية، مترسخ في وجدان الشعب، ما أضاف اليه معاني كثيرة تتجاوز الأرض الفلسطينية لتدخل الى وجدان شعوب الأمة وتحرّك وعيها، لأن الشهادة في فلسطين ومن أجل فلسطين (شهداء على طريق القدس) تعني الدفاع عن الأمة، كما قال الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي: "هذه الأمة على موعد مع الدم، دم يلوّن الأرض ودمّ يلوّن الأفق، ودمّ يلوّن الدمّ، دفاعا عن هذه الأمة، دفاعا عن كرامة الأمة".
بفضل الجهاد (القتال) والمرابطة (الصمود) في فلسطين، والشهادة (أكثر من 70 ألف شهيد خلال هذه المذبحة المستمرة)، أصبحت القضية الفلسطينية القضية المركزية التي وضّحت من هم أعداء الأمة، والتي جذبت اليها أحرار العالم أجمع الذين التفوا حولها، وفضحت "المرجفين"، كما جاء في كلمة الشهيد الشقاقي "فلا حياة ولا تاريخ لنا بدون الشهداء، لا ماضي ولا مجد ولا عبرة، هم الذين يصنعون لنا المستقبل وليس المرجفون أو المعاهدون على الصمت والنكوص".
يؤكد من جهته الشهيد الدكتور رمضان شلّح، الأمين العام السابق للحركة، على مبدأ الجهاد المرتبط ب"الدم" وأهميته، حيث أن الجهاد "خيار استراتيجي" له وظيفة "أخلاقية وسوسيولوجية تتعلق بالحفاظ على روحية الإنسان الفلسطيني والعربي وتفوّقه المعنوي في مواجهة إحباطات وانهيارات الحقبة "الإسرائيلية"، التي أسقطت قيمة الدم الذي أعطى لشعبنا عنوانا وحافظ على كينونته وأمله الدائم في الخلاص".
ولأن "أبناءنا الشجعان ... يعيدون بدمهم رسم فلسطين المقدسة من جديد"، يشدّد القائد زياد النخالة، الأمين العام للحركة، على أن "من حق إخواننا الشهداء علينا أن نحفظ بطولاتهم وأعمالهم، ونحفظ ذكراهم لتبقى قدوة لنا في مسيرتنا نحو القدس... أن الشهداء أحياء في حياتنا وقلوبنا ومسيرتنا، وأننا سنكمل طريقهم، مهما كانت التضحيات، وسيبقون بشرى انتصارنا إن شاء الله." (مهرجان الشهداء بشائر الانتصار في 6/10/2023).
إضافة الى الشهداء القادة المؤسسين للحركة، وردت أقوال كثيرة عن الجهاد والشهادة من قبل شهداء حركة الجهاد الإسلامي خلال هذه المسيرة الطويلة التي امتدت لأكثر من أربعة عقود من الزمن. فيكتب مثلا القيادي الشهيد ناجي أبو سيف (أبو حمزة) الناطق باسم سرايا القدس، الجناح العسكري للحركة في 1/6/24 "لا بأس إن وقعنا على الموت او وقع الموت علينا، فالله ناصرنا ولو بعد حين"، رابطا الشهادة بالنصر على الأعداء بسبب "الإرادة الثورية لدى المقاوم الفلسطيني الذي يدافع عن أهله وشعبه في خيام النزوح والذي أبدى استعداده كاملا لمواجهة العدو مهما طالت الحرب". وقد استشهد القيادي أبو سيف في عملية اغتيال يوم 18/3/2025 استهدفت عائلته وعائلة أخيه.
في جلسة تثقيفية في قطاع غزة، يوضّح الشهيد تيسير محمود الجعبري (أبو محمود) لأخوانه المجاهدين أهمية الجهاد على أرض فلسطين قائلا : "الجهاد في فلسطين فرض عين على كل مسلم.. نريد أن نكون رأس حربة المقاومة في فلسطين.. اذا انتهت المقاومة في غزة انتهت المقاومة في العالم الإسلامي كله، لا يفكّ هذا الحصار ولا يحرّر هذه الأرض إلا الشباب أصحاب النيات الصالحة والشباب المجاهد الفلسطيني الصابر على كل هذه الأزمات التي نعيشها". يستطرد لتوضيح معنى هذه الدنيا أمام الشهادة، بالقول "صعوبة الحياة ستراها عند ربنا لا شيء، غمسة في الجنة تنسى كل هذا التعب والإرهاق... هذه الدنيا "ولا حاجة" (لا شيء)، كل ما تعملوه للآخرة، والجهاد أفضل العمل". استشهد القائد تيسير الجعبري، عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الشمالية بقطاع غزة، في يوم
في الضفة الغربية، حيث يقاتل المجاهدون جيش العدو ومستوطنيه، ترك القائد في سرايا القدس لؤي السعدي وصيته وكتب فيها: "هل يعقل أن أترك هذا التكريم الإلهي (للشهداء) وعلو المنزلة في الآخرة مقابل دنيا فانية كلها متاعب وحتى نعيمها ناقص.. لا والله.. امضوا على هذا الطريق الذي لا طريق سواها.."، قبل أن يواصل كلامه بذكر السجن إذا لم يستشهد المجاهد: "فالسجن بنعمة الله يبدل الى استراحة وللتزويد وللشحن للاستمرار على هذه الطريقة المباركة". ارتقى الشهيد القائد لؤي السعدي في 24/10/2005، بعد توليه قيادة سرايا القدس في شمال الضفة الغربية، وهو من بلدة عتيل، قرب مدينة طولكرم.
بالنسبة للشهيد القائد الشيخ خضر عدنان، رمز الإضراب عن الطعام (معركة الأمعاء الخاوية) في سجون العدو، الشهادة عنوان وحدة الشعب الفلسطيني حيث ردّد هذه الفكرة مرارا "دماء الشهداء تجمعنا على أرض فلسطين.. هي حياة واحدة أما أن نحياها كراما، أحرارا، فوق الأرض، وإلا باطنها الطاهر أولى بنا"، "يوحدنا دم الشهيد.. توحدنا آهات الأسير.. توحدنا قبضة المقاومة"، "دماء الشهداء ستنبت نصرا والنصر ينبت حيث يرويه الدم" حول العلاقة بين الجهاد والشهادة والنصر. استشهد الشيخ عدنان في سجون العدو، يوم 2/5/2023، خلال إضرابه عن الطعام طالبا حريته. فصرّح حينها القائد زياد النخالة : "نحن اخترنا طريق الشهادة بإرادتنا والشيخ خضر خير من مثل هذا الخيار".
قافلة الشهداء طويلة، وكلامهم وكتاباتهم عن الجهاد والشهادة باقية في أدبيات وذكريات أخوانهم وفي قلوب أقربائهم وحاضنتهم الشعبية، وتشكّل إرثا غنيا يستمد منه الشعب الفلسطيني قوته وصبره وايمانه العميق بحتمية النصر، لأنه مستمر في الدفاع عن حقه ودينه وأرضه وكرامته.
