أحمد العبد*
باتت المبادرة التي بلورها وزير الاقتصاد الإسرائيلي، رئيس بلدية القدس سابقاً نير بركات، حول إمكانية فصل محافظة الخليل عن بقية الضفة الغربية، وتعيين قيادة جديدة لها من العشائر، لتحلّ محلّ "السلطة الفلسطينية"، جاهزة أمام رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، لمناقشتها. وعلى مدى الأشهر الماضية، صاغ بركات بنود مبادرته، بعدما تواصل مع عدد قليل من شيوخ العشائر، أبرزهم وديع الجعبري.
وفيما تُبرّر الأوساط العبرية طرح المبادرة بأنه يأتي ردّاً على الاعترافات الأوروبية المرتقبة بدولة فلسطينية، تكشف المعطيات أن الخطة ليست جديدة، بل تنطلق ممّا وضعه الباحث في الثقافة العربية في جامعة «بار إيلان»، مردخاي كيدار، الذي يروّج، منذ 20 عاماً، لفكرة "الإمارات الفلسطينية".
وقبل 11 عاماً، التقى كيدار بوالد وديع الجعبري، وتباحثا في الفكرة، التي تلقّفها بركات واستكملها مع وديع نفسه؛ وهي تقوم على أن المدن الفلسطينية السبع في الضفة، كانت تدار تاريخيّاً من قِبَل العشائر الرئيسية فيها، وهو ما يمكن إعادة تطبيقه، على أن يجري تعميم الخطّة على بقية مدن الضفة، في حال نجاحها في الخليل.
ويُطرح اسم وديع الجعبري من بين الأسماء الخمسة المتورّطة في المشروع، والتي تعهّد أصحابها في رسالة بعثوا بها إلى نتنياهو، عن طريق بركات، بأن تعترف «إمارة الخليل» بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وأن تنضمّ إلى «اتفاقات أبراهام»، في مقابل التعاون المدني والاقتصادي والأمني معها، والذي يُفترض أن يشمل إنشاء منطقة صناعية مشتركة تمتدّ على مساحة تزيد على ألف دونم بالقرب من السياج الأمني، وتوظّف عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين. وممّا قاله بركات، إن «هناك مَن يعمل مع الحكومة على ذلك»، في إشارة إلى إقامة «إمارة الخليل»، وإن ثمة ضرورة لتفكيك السلطة وفرض السيادة على الضفة.
ولاقى المشروع المذكور معارضة شديدة من جانب الجهات الرسمية الفلسطينية، وكذلك من العشائر، التي أصدرت بيانات تبرّأت فيها من القائمين على المشروع، في حين أصدر محافظ الخليل، خالد دودين، بياناً قال فيه إن «مَن يراهن على العشائر لتكريس الاحتلال، واهم؛ لأن الخليل بأهلها وعشائرها وفصائلها ركن أصيل في المشروع الوطني ولا يمكن فصلها عنه». ودعا المحافظ، العائلات والمجالس، إلى التصدّي لمحاولات الزجّ بأسمائهم في هذه المؤامرة.
وعن فحوى المشروع، رأى القيادي في حركة «فتح» في الخليل، ورئيس بلديتها تيسير أبو اسنينة، أن «الاستهداف للخليل ينبع من مكانتها وحجمها وامتدادها الديموغرافي والجغرافي والسياسي، إذ تُعدّ بوابة القدس. وبالتالي، فإن كسر الخليل يعني كسر القدس، وما يُطبَّق على الخليل، تجربة ومقدّمة لما سيُطبّق على القدس». ولفت أبو اسنينة، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «الخليل كانت دوماً في مركز الاستهداف الإسرائيلي، وتجري محاولة ربطها بالمعتقدات التلمودية والتوراتية، من دون أن تثبت إسرائيل مرّة أيّ علاقة لها بهذه المدينة".
وعن إمكانية نجاح مشروع «إمارة الخليل»، قال أبو اسنينة: «ليكن معلوماً لكلّ أهل الأرض أنه لا يمكن أن يمرّ أيّ شيء إلّا بإرادة الفلسطينيين، وسبق أن كانت هناك سيناريوات ومؤامرات حاولت خلق قيادة بديلة للفلسطينيين، كلّها باءت بالفشل». وأشار إلى أن «البلديات المُنتخبة من قِبَل المواطنين، هي الأقدر على إفشال أيّ خطوة في هذا الاتجاه، والخليل وفلسطين قادرتان على فرز قياداتهما، ونحن في هذا الإطار يجب أن نذهب إلى إيجاد القيادة البديلة المُنتخبة على كل المستويات والأصعدة حتى يكون هناك ردّ فعل عملي على هذا المشروع".
وشدّد أبو اسنينة على ضرورة إعادة بناء «منظمة التحرير» الوطنية على أسس وطنية وديمقراطية، كونها «تشكّل الهوية الموحّدة للشعب الفلسطيني، والبيت الموحّد لمواجهة كل مخطّطات إسرائيل»، مضيفاً: «لا يمكن أن يمرّ وينجح أيّ مخطّط بهذا المستوى ما دامت هناك إرادة فلسطينية برفضه".
أمّا على مستوى العشائر، فأكّد أبو اسنينة أنه «لن تجد من العشائر أي شخصية معتبَرة تمثّل عشيرة، وما يُطرح من أسماء عبارة عن تلميع وجوه غير موجودة»، مضيفاً أن «القفز عن حقوق شعبنا لن يشارك فيه أحد، وأنا أعتقد بأن هذا كلّه لن يجدي نفعاً، يجب أن يكون هناك إصرار على حقوقنا وهذا يتوفّر مع الإرادة الصلبة، ولكن مطلوب منّا كفلسطينيين أن نقوم بما علينا من واجبات، وأهمّها إنهاء كل الانقسامات من خلال الوحدة وإيجاد قيادة موحّدة من خلال صندوق الاقتراع".
على أي حال، يبدو أن إسرائيل، وفي ظلّ المعطيات الجديدة، ونيّتها ضمّ الضفة الغربية وإعلان السيادة عليها، باتت أقرب من أيّ وقت مضى إلى العودة إلى ما جرّبته سابقاً، وتحديداً مشروع روابط القرى، الذي انطلقت به أيضاً من الخليل، وعمّمته لاحقاً على كل الضفة الغربية، واستطاعت عبره إيجاد كيانات عميلة، وفّرت لها الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، ولكن تمّت مواجهتها وإسقاطها.
وهي مواجهة يمكن أن تتكرّر اليوم أيضاً بصور مختلفة، شعبية وسياسية وعسكرية، وتؤدي إلى إفشال مشروع لا تبدو حظوظه في النجاح عالية أصلاً. ويظلّ هذا السيناريو حاضراً على الرغم من إيغال حكومة اليمين في تطرفها، وإصرارها على المضيّ في خططها في الضفة، وتطنيشها حتى معارضة جهاز «الشاباك» لها، واعتباره السلطة الفلسطينية شريكاً رئيسياً في مواجهة «الإرهاب»، يجب المحافظة على وجوده.
*(المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية)