رغم ما تتعرّض له مختلف مناطق الضفّة الغربية المحتلة من اقتحامات ومداهمات، على مدار الساعة، فإنّ العملية العسكرية التي بدأها جيش الاحتلال وسط مدينة رام الله، في وضح نهار أمس، تحمل رسائل في أكثر من اتجاه. وليست رام الله - العاصمة السياسية والإدارية لسلطة رام الله - بمعزل عمّا يجري في غيرها من مناطق الضفّة، لكنّ اقتحامها نهاراً، ينمّ - في ما يبدو - عن رغبة إسرائيلية في استعراض القوّة من جهة، والتأكيد أنّ تل أبيب صاحبة السلطة والسيادة، التي تجعل جيشها يصل إلى أيّ مكان في أيّ وقت يريده.
وبدت العملية العسكرية أشبه بمهمّة حربية ينفّذها جيش الاحتلال؛ إذ تسلّلت قوات خاصة إسرائيلية إلى سوق الحسبة في وسط رام الله، حيث داهمت محلّ العجولي للصرافة، الذي كان تعرّض سابقاً لاعتداءات تسبّبت إحداها في إحراقه بالكامل. وأعقب التسلّل، اقتحام آليات الجيش المدينة من عدّة محاور، ومن ثمّ اقتحام منشآت رئيسة في الوسط، من بينها مستشفى الرعاية التخصصيّ، الذي انتشر عدد من القنّاصة فوق سطحه، وكذلك مبنى "البنك العربي".
على أنّ مواجهات محدودة اندلعت في المدينة، بعدما واجه الفتيان والشبّان جنود العدو بالحجارة والزجاجات الفارغة، ليردّ الأخيرون عليهم بإطلاق الرصاص الحيّ وقنابل الغاز المسيّل للدموع، ما أسفر عن إصابة عشرات الفلسطينيّين، 7 منهم بالرصاص الحيّ.
ويبدو أن هدف العملية العسكرية، كان محلّ الصرافة، بعدما كثّفت إسرائيل، في الأشهر الأخيرة، من مداهماتها محال الصرافة في أنحاء الضفّة كافة، ومصادرة عشرات ملايين الشواكل منها، وصولاً إلى إغلاق بعضها. ووفق ما أعلنته شرطة الاحتلال، أمس، فإنّ قوات الأمن صادرت نحو 1,5 مليون شيكل (447 ألف دولار) في أثناء مداهمة نفّذتها في رام الله، واستهدفت محلّ صرافة قالت إنه يقوم بتحويل أموال إلى حركة «حماس»، فيما اعتقلت عدداً من موظّفيه، وصادرت محتوياته النقدية والورقية كافة.
في المقابل، ندّدت محافظة رام الله والبيرة بالاقتحام الإسرائيلي، واعتبرته محاولة لترهيب الشعب الفلسطيني، واصفة إياه بأنه «يمثّل إرهاب دولة منظّماً». وقالت: "رغم الإبادة الجارية في غزة والاقتحامات اليومية في الضفّة الغربية وعدوان المستوطنين، فإنّ الشعب الفلسطيني سيبقى ثابتاً لا تهزّه آلة القمع ولا سياسات التهجير والقتل".
كذلك، ندّدت حركة «حماس» بالاقتحام، الذي قالت إنه «يعكس نهجاً تدميريّاً واستئصاليّاً من قِبَل الاحتلال لفرض سيطرته على الضفّة»، معتبرةً أنّ «استهداف المرافق المدنية، واقتحام المؤسسات التجارية والبنكية يمثّل جريمة مكتملة الأركان، وامتداداً لحرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال منذ نحو عامين في قطاع غزة".
فيما اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أن "هذه الموجة الإجرامية (تتزامن) مع استمرار الاحتلال في جهوده لترسيخ ضمّ الضفة وتهجير أهلها، وسط عجز السلطة المتفاقم وفشل سياسات التنسيق الأمني حتى في حفظ ماء وجهها، مع غضّ بصر دولي وعجز عربي فاقع، رغم كل تصريحات الزعماء والقادة المتباكين على الحق الفلسطيني".
وبعد أقلّ من 24 ساعة على عملية رام الله، شنّت قوات الاحتلال، اعتباراً من فجر أمس، عملية عسكرية واسعة في مدينة نابلس شمال الضفّة، وتحديداً في البلدة القديمة، حيث أجبرت العديد من العائلات على إخلاء منازلها، التي حوّلتها إلى ثكنات عسكرية، فيما نشرت قنّاصتها على أسطح المنازل وشبابيكها، ونكّلت بأصحاب البيوت واعتدت عليهم. وفي غضون ذلك، شهدت أحياء ومحاور عدّة في مدينة نابلس، مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال، أسفرت عن إصابة شبان بالرصاص المطاطي، وآخرين بالاختناق جرّاء استنشاق الغاز السام.
ووفقاً لما نقلته «القناة السابعة» العبرية عن قائد كتيبة رام الله في جيش الاحتلال، فإنّ حرّية الحركة للجيش في الضفّة الغربية لم تكن بهذا المستوى منذ سنوات، وإنّ العملية العسكرية في رام الله استهدفت إحباط تحويل مئات آلاف الشواكل إلى حركة «حماس» لغايات «الإرهاب». وأضاف العقيد الذي قاد عملية اقتحام المدينة أنه «يوجد شعور فعلي بالتغيير في الضفّة الغربية في كل جوانب القضايا الأمنية. أعتقد أنّ حرّية الحركة للجيش الإسرائيلي في تزايد، قياساً إلى ما أعرفه من الماضي. نحن موجودون في مكان مختلف، يمكننا تنفيذ عملية في كل مكان، وفي أيّ زمان، وسنستمرّ".
وفي هذا الوقت، تواصل حكومة بنيامين نتنياهو منح الضوء الأخضر للمزيد من هجمات المستوطنين، وهو توّج بمشاركته، أمس، في حفل أقامه مجلس مستوطنات بنيامين في الضفّة، للاحتفال بالموافقة على الاعتراف بـ17 مستوطنة جديدة. وقال نتنياهو، في أثناء الحفل: «قلت إنّنا سنمنع قيام دولة فلسطينية، وها نحن نفعل ذلك»، مشجّعاً المستوطنين على مواصلة اعتداءاتهم بحقّ الفلسطينيين، وملمّحاً إلى اقتراب فرض «السيادة» الإسرائيلية على الضفّة وضمّها.
من جانبه، طالب وزير الاقتصاد ورئيس بلدية القدس السابق، نير بركات، بحلّ السلطة الفلسطينية، وفرض «السيادة» الإسرائيلية على الضفّة. وقال: «مشائخ من الخليل يقولون لنا، لا نريد السلطة الفلسطينية، نحن نعترف بإسرائيل. حان الوقت للذهاب إلى حلّ على شكل الإمارات، الخليل أولاً، موضوع أنا ويسرائيل جنتس (رئيس مجلس مستوطنات بنيامين) نعمل عليه بقوّة، مع الحكومة، وبعون الله سنتمكّن من حلّ السلطة الفلسطينية، ونذهب إلى موديل الإمارات الفلسطينية».