أعلنت حركة «حماس»، مساء أمس، موافقتها على المقترح الأخير لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك في بيان مقتضب، أكّدت فيه أنها، إلى جانب باقي الفصائل الفلسطينية، "أبلغت ردّها الإيجابي إلى الوسيطين المصري والقطري". وجاء هذا الإعلان الرسمي بعد تداول معلومات عن موافقة أوّلية من جانب الحركة على مقترح قدّمه الوسطاء، يتضمّن وقفاً مؤقّتاً لإطلاق النار وصفقة تبادل أسرى، إلى جانب ترتيبات إنسانية وسياسية.
كما أتت الموافقة الفلسطينية في أعقاب اجتماع موسّع عُقد قبل يومين في القاهرة، وجمع قادة عدد من فصائل المقاومة، من بينها «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وشارك فيه «تيار دحلان» أيضاً، ومن الجانب المصري رئيس جهاز «المخابرات العامة»، حسن رشاد. وانضمّ، أمس، إلى تلك الاجتماعات، كل من رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن - الذي وصل إلى القاهرة في وقت سابق - والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ما رفع مستوى الضغوط للدّفع بعجلة المفاوضات.
كذلك، انضمّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى «حفلة» الضغط المتجدّد على المقاومة، بمهاجمته «حماس» ودعوته إلى«تدميرها» سريعاً، كشرط لعودة الأسرى. وذكّر ترامب بدوره السابق في إبرام صفقات مشابهة، محيلاً بكلامه هذا إلى التكتيك الذي اتّبعه في فتح باب الاتفاق أمام الحركة، في الوقت نفسه الذي يهدّدها فيه.
وعلى مدى اليومين الماضيين، كثّف الوسطاء ضغوطهم على قيادة «حماس» وبقية الفصائل؛ ووفق مصادر قريبة من الوفود الموجودة في القاهرة، فقد تمّ إبلاغ الحركة بشكل مباشر بأنّ «التردّد لم يعد مقبولاً»، وأنّ المطلوب «ردّ سريع وواضح»، وهو ما أظهرت الحركة إيجابية حياله، مسلّمةً ردّها خلال ساعات.
وتوضح مصادر مطّلعة على مسار المفاوضات ومسوّدة المقترح الجديد، أنّ العرض الذي وافقت عليه «حماس»، يشمل وقفاً لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، وانسحاباً إسرائيلياً من أجزاء من غزة على مرحلتين (انسحاب حتى 1000 متر من الشمال والشرق)، وإطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين أحياء، و18 جثة، مقابل الإفراج عن 140 أسيراً فلسطينياً محكومين بالمؤبّد، و60 آخرين بأحكام تتجاوز 15 عاماً، إضافة إلى الإفراج عن جميع النساء والقاصرين من الأسرى الفلسطينيين، ودخول مساعدات إنسانية واسعة عبر «الأمم المتحدة» و"الهلال الأحمر".
كما تضمّن المقترح بدء مفاوضات لإنهاء الحرب فور دخول الهدنة حيّز التنفيذ، وبحث إمكانية تشكيل «إدارة مؤقّتة» في غزة، في وقت طرحت فيه أطراف عربية ودولية إمكانية نشر «قوات دولية أو عربية»، وهي فكرة تواجه رفضاً قاطعاً من القاهرة.
وفي هذا السياق، كشف مصدر مصري مطّلع، لـ«الأخبار»، أنّ «القاهرة لا ترى في طروحات إرسال قوات أجنبية أو عربية إلى غزة سوى محاولة لفرض أمر واقع يمسّ نفوذها في الملف الفلسطيني»، مشيراً إلى أنّ «مصر، مدعومة من قطر، تضغط في اتجاه تشكيل لجنة «إسناد مجتمعي» بإشراف السلطة الفلسطينية، لتولّي إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب». وبحسب المصدر، فإنّ «رئيس وزراء السلطة، محمد مصطفى، سيعمل على إعلان تشكيل اللجنة المطلوبة خلال الأيام المقبلة، في استجابة للضغوط المصرية".
وعلى المقلب الإسرائيلي، نقلت «القناة 12» عن مصدر دبلوماسي قوله إنّ ردّ «حماس يتطابق بنسبة 98% مع مقترح ويتكوف، الذي وافقت عليه إسرائيل في وقت سابق». وأشارت مصادر سياسية وأمنيّة إسرائيلية، بدورها، إلى أنّه «لا توجد فجوات كبيرة بين المقترح الحالي وردّ حماس»، في حين ألمحت «القناة 13» إلى أنّ مصر طلبت من وفد الحركة البقاء في القاهرة "في انتظار ردّ الحكومة الإسرائيلية".
كذلك، أوردت «القناة 12» أنّ وزير الشؤون الإستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية، رون ديرمر، أجرى مشاورات مع المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، والوسطاء القطريين، في شأن ردّ «حماس»، في حين أكّدت «هيئة البث الإسرائيلية» أنّ تل أبيب أُبلغت بأنّ «حماس لا تنوي فرض شروط إضافية من شأنها تعطيل المسار التفاوضي".
إلا أنه ليس واضحاً بعد ما سيكون عليه موقف رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو؛ إذ نقلت «القناة 12» عن مصدر سياسي إسرائيلي إشارته إلى أنّ «حماس أبدت مرونة، وإن كان نتنياهو معنيّاً بصفقة جزئية فيمكن المضي فيها»، فيما شدّد مصدر أمني على "ضرورة استنفاد مسار المفاوضات بعد أن أبدت حماس مرونة".
وكشفت «القناة 13»، بدورها، أنّ نتنياهو «سيناقش ردّ حماس رغم تصريحاته السابقة بأنه لن يناقش صفقة جزئية»، في حين نقلت «هيئة البث الإسرائيلية» عن مصدر مطّلع تأكيده أنّ «محادثات الأيام الأخيرة في شأن التوصّل إلى صفقة جزئية جرت بموافقة نتنياهو»، ونقلت عن مقرّبين من الأخير قولهم «إنه لا يستبعد صفقة جزئية لكن بشروط".
لكن في المقابل، استنفرت على الفور جوقة «اليمين المتطرّف» في تل أبيب، وتقدّمها الوزيران بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير. وأعلن هذان رفضهما «صفقة جزئية»، وطالبا بـ«استمرار القتال حتى الحسم»، وعدم منح «حماس» فرصة إعادة ترتيب صفوفها.
ووصف سموتريتش الصفقة المعروضة بأنها «تنازل عن نصف الأسرى»، وهدّد بإسقاط الحكومة إن مضى نتنياهو فيها. أمّا بن غفير، فاعتبر أي وقف للحرب «كارثة لأجيال»، وفرصة ضائعة لـ«فرض الاستسلام على حماس». أمّا «هيئة عائلات الأسرى» فطالبت نتنياهو بـ«بدء مفاوضات فورية ومتّصلة للإفراج عن جميع الأسرى»، محذّرة من تبديد فرصة جديدة قد تفضي إلى صفقة حقيقية.