قائمة الموقع

إسرائيل تُواصل الغرق في الحرب: الاحتلال كأداة ابتزاز جديدة

2025-08-09T08:39:00+03:00
غزة - وكالات

في جلسة ماراثونية استمرّت نحو 10 ساعات، أقرّ المجلس الوزراي المصغر في تل أبيب، خطّة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، للسيطرة العسكرية الكاملة على قطاع غزة، والتي جرى تخفيفها حتى يتاح تمريرها من دون معارضة داخل «الكابينت»، أو انتقادات من خارجه، في حين تأكد مجدداً أن الصوت الحاسم الذي يُسمع جيّداً على طاولة اتّخاذ القرارات، هو الصوت الأميركي، الذي لم يبدِ أيّ معارضة للفكرة.

ووفقاً للتسريبات (صحيفة «يسرائيل هيوم»)، جرت بلورة خطة الاحتلال، مسبقاً، بالتنسيق والتشاور المشترك بين الجانبين، مع تحفّظات ومحدّدات تريد الإدارة الأميركية أن تلتزم بها إسرائيل خلال تنفيذ العملية؛ فـ«الولايات المتحدة تُقدّم دعماً سياسيّاً وعسكريّاً كاملاً، ولكنها تريد أن تكون العملية مقيّدة زمنيّاً، ومشروطة بالتعامل الإنساني مع المدنيين». مع ذلك، يؤكد مسؤولون أميركيون أن الدعم مستمرّ، وأن هناك ضوءاً أخضر للتوسّع العسكري، رغم وجود شكوك في قدرة إسرائيل على نقل مليون مدني بأمان، وتأهيل مساحات كافية لاستيعابهم، ومنْع الكارثة الإنسانية المرتقبة.

وفي بيان صدر عن رئاسة الحكومة في أعقاب جلسة «الكابينت»، ورد أن المجلس المصغّر أقرّ خطّة نتنياهو لـ«تحطيم حماس»، مع تجنّب استخدام مصطلح «احتلال» واستبداله بـ«سيطرة»، وذلك لأسباب قانونية ودولية، تتعلّق بالمسؤولية تجاه السكان المدنيين؛ علماً أن مسؤولاً إسرائيليّاً رفيعاً كشف، في حديث إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن «هذا مجرّد تغيير في المصطلح. وفي الواقع، نحن نتحدّث عن احتلال كامل لغزة».

والخطّة، كما أُقرّت، ستُنفّذ بشكل تدريجي على النحو الآتي:

- دعوة المدنيين الفلسطينيين إلى الانتقال جنوباً، نحو مخيّمات الوسط ومناطق جنوبية؛

- حصار كامل لمدينة غزة؛

- عمليات تمشيط واسعة داخل الأحياء؛

- إخلاء كامل للمدينة بحلول السابع من أكتوبر 2025، وهو «الموعد الرمزي» لمرور عامين على «طوفان الأقصى»؛

- فرض حصار على مقاتلي «حماس» العالقين في المدينة، مع تمركز القوات الإسرائيلية داخلها وفرض سيطرة أمنية كاملة، وهو ما سيستغرق حوالى خمسة أشهر، ويتطلب مشاركة خمسة إلى ستة ألوية من الجيش الإسرائيلي.

وكان رئيس الأركان، إيال زامير، قد أعرب، خلال جلسة «الكابينت»، عن معارضته القاطعة لخطّة احتلال غزة، وطالب، في المقابل، بأن يتواصل الحصار على القطاع، داعياً إلى «إزالة عودة الرهائن من أهداف الحرب»، في تعبير واضح عن إرادة إشراك الأسرى الإسرائيليين والتهديد المحدق بحياتهم ضمن حملة التأثير في القرار. وحذّر زامير، الوزراء، قبل اتّخاذ القرار، من الإرهاق الشديد في صفوف وحدات الاحتياط في الجيش، وضرورة تحييد الوسائل القتالية حالياً لأغراض الصيانة بعد استخدامها المفرط، ومن غياب حلول إنسانية لمليون شخص سيتم نقلهم، مع التشديد على فقدان الشرعية الدولية.

وبالنتيجة، أقرّ «الكابينت» مبادئ خمسة من أصل ستة - هي عمليّاً أهداف الحرب التي تنتهي مع تحقّقها كاملةً -، بعدما رفض الوزراء بند إدخال مساعدات إنسانية واسعة إلى القطاع. والمبادئ الخمسة هي التالية:

- نزع سلاح «حماس» بالكامل؛

- إعادة جميع الأسرى أحياء وأمواتاً؛

- تفكيك البنية التحتية للحركة؛

- فرض سيطرة أمنية إسرائيلية على قطاع غزة؛

- إقامة حكم مدني بديل ليس فيه «حماس» ولا السلطة الفلسطينية.

من شأن احتلال قطاع غزة أن يؤثّر سلباً في مسار التطبيع مع الدول العربية

لكن، متى تنفّذ الخطّة؟ وبأيّ وتيرة؟ وهل تستطيع إسرائيل تطبيقها من دون تعميق معاناة الفلسطينيين؟ وماذا عن المتغيّرات التي قد تطرأ خلال التنفيذ، ميدانيّاً وسياسيّاً ودوليّاً؟ وماذا عن اليوم الذي يلي العملية؟ الأكيد أن هناك دلالات وتداعيات ممتدّة وإستراتيجية لما جرى على مجمل مسار الحرب، تصل إلى حدّ التأثير إستراتيجيّاً في تصميم المشهد الإقليمي برمّته.

ولعلّ أبرز تلك الدلالات، ما يلي:

- أولاً، لا يجري الحديث عن مجرّد مشروع بقاء سياسي لنتنياهو؛ إذ إن الواقع تجاوز هذا الاعتبار، وباتت ثمة خطّة عسكرية لاحتلال قطاع غزة، وإعادة تصميمه من جديد، مع التطلّع إلى أن يكون خالياً من الفلسطينيين. لكن كيف السبيل إلى تحقيق ذلك؟ لسان حال إسرائيل أن كل هدف يتقرّر في حينه، بناءً على ما يتحقّق قبله، وهو ما جرى حتى الآن في سياق الحرب وأشهرها الطويلة.

- يشير القرار إلى تحوّل من سياسة «الحروب العابرة» أو العمليات المحدودة الردّية، أو العمليات في سياق الضغط على الآخر لتحصيل تنازلات، إلى نيّة معلنة لفرض سيطرة عسكرية مباشرة على مركز مدينيّ رئيسي في قطاع غزة، ما يعكس رغبة في إعادة تشكيل المشهد، أمنيّاً وسياسيّاً، بشكل جذري.

أمّا حديث نتنياهو، في مقابلاته الأخيرة مع الإعلام الخارجي، عن «المساحة العازلة» بين إسرائيل وغزة، فيشير إلى أن الهدف ليس عسكريّاً فقط، بل جغرافي واستيطاني مُحتمل، قد يفتح الباب أمام إعادة ترتيب ديموغرافي أو تهجير سكاني، وإنْ كانت هذه الأهداف تتحقَّق واحداً تلو الآخر، وفقاً لظروف اليوم الذي تُتّخذ فيه.

- ثمة انقسام داخلي واضح بين المؤسستَين السياسية والأمنية في إسرائيل؛ فالتوتّر المعلن بين نتنياهو وزامير، مع تلميح قادة عسكريين إلى إمكان استقالتهم، يُظهران تصدّعاً خطيراً بين المؤسستَين اللتين كانتا، حتى الأمس القريب، متجانستَين ضمن قواعد لعبة وحوكمة تغلب فيها تقديرات الجيش ورؤيته للفرص والتهديدات، على طاولة اتخاذ القرارات.

إلا أن هذه القواعد تتداعى، مع فقدان المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية دورها الريادي، بوصفها أجهزة ومؤسسات «مهنية»، لمصلحة قيادة سياسية تغلب عليها الأيديولوجيا المسيحانية المتطرّفة التي تستسهل المخاطرة لغرض تحقيق أهدافها، ومنها الغيبية، في حين أن رأس الهرم السياسي يتحرّك وفق أجندة شخصية خاصة به، حتى وإنْ كانت قراراته تضرّ بأمن إسرائيل ومصالحها. ومن شأن هذا الشرخ أن يقوّض التماسك المؤسساتي، ويزيد من مخاطر اتّخاذ قرارات «غير مهنية».

- من شأن احتلال غزة أن يهشّم أيّ إمكانية لاستئناف عملية سياسية مع الفلسطينيين، ويُرسّخ سياسة الأمر الواقع، ما يبعد فكرة حل الدولتَين إلى الأبد.

- من المحتمل أن تواجه إسرائيل انتقادات دولية، غير أميركية، من مثل إدانة واسعة في الأمم المتحدة، ومن جانب الاتحاد الأوروبي، ودول عربية محرَجة، وهو ما قد يؤدي إلى مبادرات جديدة في «المحكمة الجنائية الدولية» أو مجلس الأمن، لن تكون بأيّ حال كافية لحثّ إسرائيل على تغيير خطط أقرّتها بمعيّة الأميركيين، الذين سيعملون على مساندتها ودعمها في وجه الضغوط. أما الدول الأوروبية، فيمكن أن تصدر بيانات، أو تقدم على إجراءات تزعج إسرائيل، من دون أن تؤثّر في قراراتها. وكما حدث في أكثر من محطّة في سياق الحرب، وما سبقها، يُتوقّع أن تتحوّل تلك المواقف الشاجبة، إلى روتين يومي لا يغني ولا يسمن.

- من شأن احتلال قطاع غزة أن يؤثّر سلباً في مسار التطبيع مع الدول العربية، ولكنه لن «يخدش»، وفقاً للترجيحات الأكثر احتمالاً، التطبيع الحاصل حالياً، وإنْ كان سيحرج دولاً أخرى مرشّحة للانضمام إلى هذا المسار. لكن التطبيع مع السعودية وغيرها لم يَعُد، من جهة إسرائيل، هدفاً «سامياً» من شأنه أن يؤثّر في مسارات أخرى، في حين تكوّن لدى تل أبيب بأن مَن يضع شرط إقامة الدولة الفلسطينية ثمناً للتطبيع، ثم يتنازل إلى شرطَي افتتاح مسار تفاوضي ما في اتّجاه تلك الدولة، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، يمكنه أن يتنازل أيضاً إلى مجرد تحسين وضع اللاجئين في القطاع، بعد احتلاله.

اخبار ذات صلة