قائمة الموقع

عن شعبٍ أتقنَ فنّ المقاومة

2025-08-06T10:59:00+03:00
هبة دهيني

منذ أكثر من 670 يومًا، لم يغِب مشهد الدّماء عن قطاع غزّة أبدًا، ولم يغِب معه مشهد الصّمود الّذي لم يفهمه العالم بعد، كيف ترتفع شارة النّصرِ رغم كلّ هذا الموت؟

الأمر لا يتعلّق بـ "الرّغبة في الشّعور بالألم"، أو "ملاحقة الموت" أو "الاستمتاع بانتظار الطّعام في الطّوابير"، كما يروّج البعض من مدّعي الإنسانيّة والدّفاع عن حقوق الإنسان -ما عدا ذاك المتواجد في غزّة-، ولا يتعلّق بـ "الاعتياد" على المذابح الّتي يفرضها الاحتلال طقسًا يوميًّا في سماء القطاع.

إنّ الأمر -كلّ الأمر- يتعلّق بشعبٍ كاملٍ فُرِضَت عليه الإبادة منذ عامَين، ولا خيار أمامه سوى المقاومة، وبشَعبٍ قُتِل بأفظع أنواع القتل وأكثرها وحشيّة على مرّ التّاريخ، وظلّ يقاوِم، وبشَعبٍ رأى ما لم ترهُ الحكومات "العربيّة" طِوال فترة حكمها، لا لأنّها استطاعت أن تنجو بالدّفاع عن نفسها، بل لأنّها وضَعَت يدَها بيدِ الكيان مفتوحةً مبسوطةً نحوَه، ومغلقةً مقبوضةً نحوَ غزّة.

هذه المقاومة ليست حبًّا بالألم الّذي تعرّفَ على سكّان القطاع كافّة، بل تمرّدًا عليه، وتحدّيًا. ليس "عشقًا" للموت، بل هُيامًا لكلّ الطّرق المؤدّية إلى تحرير البلاد، ولو رآه العالم المتخاذل بأكمله بعيدًا اليوم.

وكما أنّه ليس غريبًا على المتخاذلين من العربِ التّنظيرُ على أهل غزّة بـ "حبّ الموت" وبـ "الذّلّ والمهانة"، وبوصف شعبهم المقاوم والشّريف بـ "شعبٍ جائع" بدلًا من "مجوَّع من قِبَل الاحتلال"، فإنّه ليس غريبًا على هذا الشّعب أن يقاوم، وليس غريبًا عليه أن يرفع شارات النّصر ولو كانت تلكَ آخر لحظاته قبل الشّهادة.

إنّ قي غزّة شعبًا بطوليًّا، يقاتل بأقلّ ممارساته اليوميّة، ويرفع شارات النّصر علمًا أنّه يعرف أنّها لا تُسقط صاروخًا، ولا تدمّر آليّة، ولكنّه يفعل، يفعلُ ذلك لأنّه يعرف أنّ النّصر مرتبطٌ بفنّ المحاولة، والتّمسّك بالكرامة والعزّة رغم الذّلّ الّذي يزرعه الاحتلال في كلّ زاويةٍ في القطاع.

كمائن وبطولاتٌ فرديّة، وتخطيطٌ يصِلً فيه المقاومونَ الليلَ بالنّهارِ  رغم الجوع والقهر والحصار والإبادة، ويبصرون فيه النّتائج الواضحةَ أمامهم والّتي تعرقل بحدّ ذاتها تحرّكات المحتلّ رغم "قوّته العسكريّة" وعنجهيّته.

الصّمود في غزّة ليس "أسطورةً خياليّة"، بل واقعًا تثبته المقاومة كلّ يومٍ رغم ثقلِ أعداد الشّهداء والمصابين، ورغم شلّال الدّم الّذي لا يتوقّف.

لا تسألوا: كيف يظلّ أهالي غزّة صامدين رغم الموت؟ بل اسألوا: أين الحكومات "العربيّة" من كلّ هذا الموت؟

اخبار ذات صلة