/مقالات/ عرض الخبر

الوجه الآخر للحرب: كيف يغتال الاحتلال قيم غزة؟

2025/08/03 الساعة 03:53 م

إسلام شحدة العالول

 الحرب في غزة تتجاوز الدمار المادي وقتل الأرواح لتصل إلى اغتيال ممنهج للقيم الإنسانية. وفي أتون هذه المحرقة، تولد شريعة جديدة مقلوبة: فيها يجوع الشرفاء، ويغص الخائن بالغنيمة حتى التخمة.

ما يحدث ليس مجرد فوضى حرب، بل هو نظامٌ دقيق من سياسات الاحتلال الخبيثة، تهدف إلى تشويه وجه غزة الحقيقي أمام العالم.

هنا، على تراب غزة، إن أشد ما يؤلم ليس الجوع في حد ذاته، بل هوية من يتضورون جوعا. إنهم أهل العلم والثقافة، وأصحاب الكرامة والعزة. هؤلاء النبلاء يعانون الجوع بصمت، يشاهدونه في عيون أطفالهم، وتمنعهم عزة النفس من التنافس على فتات المساعدات المسروقة.

على النقيض تماما، نجد قطاع الطرق الذين نبذهم المجتمع في زمن السلم، واحتضنتهم فوضى الحرب. هؤلاء يتأبطون السلاح وينهبون شاحنات المساعدات تحت حماية الاحتلال. ويبيعونها بأسعار فلكية، غير آبهين بآلام شعب يذبح مرتين: مرة بنار العدو، وأخرى بجشعهم وخيانتهم.

فهذه الحرب هي الكاشفة للوجوه القبيحة، والفاضحة للعملاء الذين يرتكبون جريمة تجويع الناس عمدا كأداة في يد الاحتلال.

في شوارع غزة المدمرة، تسير فئةٌ نظيفة اليد، عزيزة النفس، لم تحولها جريمة الإبادة الجماعية إلى وحوش كاسرة. فقدوا الأهل والبيت والعمل، وسكنوا الخيام، لكنهم لم يفقدوا شرفهم.

يبحثون عن كسرة خبز لأطفالهم، فيصطدمون بواقع مرير: "بضاعة المساعدات" التي هي حقهم، تعرض عليهم للبيع بأغلى الأثمان. يعودون إلى خيامهم مكسوري الخاطر، تتآكلهم الأسئلة الحارقة: هل هؤلاء من هذا المجتمع؟ كيف نزعت منهم الرحمة؟

إنها كما يبدو "هندسة الفوضى" التي أرادها العدو، والتي تضمن ألا تصل المساعدات إلى مستحقيها ولو دخلت "ألفا شاحنة" في اليوم! فكل محاولة لتنظيم التوزيع وتأمينه تقابل بالنار. فأولئك الشبان وغيرهم الكثير الذين هبوا لحماية شاحنات المساعدات، قصفهم طيران الاحتلال في مجزرة بشعة؛ لأن وجود النظام والأمان لا يخدم إلا المجوّعين، وهذا ما لا يريده مهندسو الفوضى.

فهذا المحتل يعلن أمام العالم أنه يدخل المساعدات الإنسانية، وفي الواقع هو يرسل من ينهبها، ويشترط عليه بيعها بأسعار فلكية ليستمر في حمايته أثناء السطو.

وبالتالي، لم تكن الفوضى صدفة، بل هي سلاحٌ استخدمه المحتل عن عمد. لقد أطلق سياساته الخبيثة ليحول أرضنا إلى ساحة للنهب؛ والهدف الحقيقي هو اغتيال صورتنا أمام العالم.

يريدون محو "صورة البطل" الذي يدافع عن أرضه، واستبدالها بوجه مشوه لهمجي لا يمكن السيطرة عليه ولا يستحق المعاملة الإنسانية.

بهذه الكذبة، يبررون جرائمهم. ويصوروننا كوحوش لا بد من لجمها، ويطرحون الحل النهائي: التهجير القسري والشتات بين الدول.

    نرفع أكفنا ونتشبث بحبل الله، ولسان حالنا يردد بيقين يملأ القلب:

    حسبنا الله ونعم الوكيل

إنها دعوتهم الصريحة لترحيلنا وتطهير غزة عرقيا. فإذا نجح هذا المخطط (لا قدر الله)، سيرفعون راية انتصارهم فوق أرضنا، والتي طالما حلموا بها خالية من كل نفَس إلا أنفاسهم.

لكن في قلب هذا الظلام الدامس، هناك يقينٌ يتردد على كل لسان موجوع: إن لحظة "وقف الحرب" قريبة بإذن الله. وفي أولى دقائقها، سيلقى أمثال هؤلاء مصيرهم المحتوم.

إلى ذلك الحين، لا يبقى لنا إلا السماء. نرفع أكفنا ونتشبث بحبل الله، ولسان حالنا يردد بيقين يملأ القلب: "حسبنا الله ونعم الوكيل". لعلها تملأ الميزان، فيعجّل الله بنصره، ويعيد للقيم وزنها، وللحق هيبته، وللشريف كرامته. فما على الله ببعيد.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/218268

اقرأ أيضا