في أعلى صفحة السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور على فيسبوك، ثبتت -في 26 مايو/أيار الماضي- الآية الثلاثين من سورة الأنفال بنصها القائل {وَإِذۡ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوۡ يَقْتُلُوكَ أَوۡ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ واللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ}.
وفي سلسلة منشورات لاحقة على إشهار دبور لمظلوميته اعتمادا على نص قرآني، عرضت صفحته بدءا من 15 يوليو/تموز الجاري (الماضي) سيلا من أخبار استقبالاته بمقر السفارة في بيروت، لوفود من إقليم فتح وأخرى تمثل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بلبنان، وثالثة للجان وشخصيات حزبية وبرلمانية لبنانية، ورابعة لروابط واتحادات نقابية، ولسفراء عرب وغربيين، إلى جانب لقائه مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في 24 يوليو/تموز في منزل الأخير، ورئيس الجمهورية جوزيف عون في قصر بعبدا اليوم التالي.
جرت هذه اللقاءات المتتالية جميعها تحت عنوان "زيارة وداعية" دون أن تتضح ملابسات وأسباب مغادرة دبور الفجائية للمنصب الحساس الذي يشغله منذ اعتماده من قبل الرئيس اللبناني الأسبق ميشال سليمان بصفة "سفير فوق العادة" في مايو/أيار 2012.
علما بأن إشهار المظلومية، والزيارات الوداعية اللافتة بكثافتها لدبور، وقعت في أعقاب إلغاء رئيس سلطة رام الله وحركة فتح محمود عباس تعيينه نائب مشرف عام للساحة اللبنانية في حركة فتح التي يحمل دبور أيضا لقب عضو مجلسها الثوري، وذلك بقرار أصدره في 5 يوليو/تموز 2025، في أعقاب تعثر خطة مثيرة للجدل لنزع سلاح المخيمات وفق جدول زمني أقرته لجنة فلسطينية لبنانية مشتركة. علما بأن اللجنة تشكلت في ختام زيارة الأخير للبنان في 21 مايو/أيار، على أن يبدأ التنفيذ من مخيمات بيروت في 16 يونيو/حزيران الماضي، وهو ما لم يحدث.
ماذا فعل دبور كي يستبعد؟ وما وجهته التالية؟ وهل هنالك تمرد في حركة فتح بلبنان على الخطة المعدة في رام الله؟ وما الإجراءات المرتقبة من قيادة رام الله لحل أزمة التعثر في جمع الأسلحة، وتصورها لحلول الأزمة؟
وفي توضيحه لملابسات استبعاد دبور، يربط مصدر قيادي بإقليم لبنان في حركة فتح بين تنحية دبور من منصبيه، وموقف الأخير من خطة نزع سلاح المخيمات. ويقول للجزيرة نت إنه "عند التحضير للبيان الرئاسي الذي صدر في ختام لقاء عباس عون كان السفير دبور هو المعني بالتحضير، وأنه ذهب مرتين إلى عمان لهذا الغرض. وكان النص المعتمد هو الإشارة إلى تنظيم السلاح". غير أن قياديا فلسطينيا في رام الله مطلعا على التحضيرات نفى أن يكون للسفير دبور أي دور في صياغة البيان وأنه ذهب إلى عمان فعلا، لكنه قدم معلومات مضللة للرئيس عباس عن الموقف الرسمي اللبناني من سحب السلاح.
مفاجأة
ويضيف المصدر من فتح أن دبور فوجئ خلال استقباله للوفد الفلسطيني أن "النص يتحدث عن نزع سلاح المخيمات" كما أنه -أي دبور- لم يدع "للمشاركة في اللجنة اللبنانية الفلسطينية" التي وضعت الجدول الزمني للخطة.
وكان مصدر في هيئة العمل الفلسطيني المشترك -التي تضم فصائل منظمة التحرير وأخرى إسلامية في مخيمات لبنان- قد قال بدوره في وقت سابق للجزيرة نت إن دبور أبدى اعتراضه على تعديلات أجريت على المسودة الأولى التي صاغها الطرف الفلسطيني في اجتماع سابق عقد في عمّان، والتي أُعلنت من بعبدا باسم الرئيسين. وأضاف المصدر أن جدالا وقع بين عباس ودبور بشأن كيفية التعامل مع ملف سحب الأسلحة والتفرد في التصرف فيه دون الالتفات إلى الأطراف والفصائل الفلسطينية الأخرى، مشيرا إلى أن السفير قال لعباس "لستم وحدكم في الساحة".
ويرى المصدر في حركة فتح أن ظلما "أوقع بحق أشرف دبور، وهو كان من مرافقي المرحوم ياسر عرفات" مضيفا أن "أشرف اختار الدولة التي سيذهب إليها، وهو ملتزم بقرار الرئيس" عباس.
وامتنع دبور عن تحديد الدولة التي سينقل إليها عندما سئل من قبل مودعيه، لكن مصدرا قياديا في رام الله أشار بهذا الصدد إلى أن دبور سينقل إلى سفارة فلسطين في سلطنة عمان، وأن محمد الأسعد سفير فلسطين في موريتانيا سيحل محله، إلا أن الإعلان مؤجل إلى حين استكمال إجراءات الاعتماد للسفيرين من قبل السلطات المختصة في كلا البلدين.
وفي حين اتخذت إجراءات استبدال دبور طابعا هادئا، لم تتخذ تنحية الضابط المسؤول عن أمنه ذات الإيقاع. ففي العاشر من يوليو/تموز الجاري أصدرت هيئة التنظيم وشؤون الضباط في منظمة التحرير قرارا إداريا بناء على تعليمات عباس ينص على إنهاء خدمات الملازم شرف شادي محمد الفار "بسبب مناهضته للشرعية وخروجه عن مقتضيات الواجب الوطني". وبعد 5 أيام أي في 12 يوليو/تموز أصدر عباس قرارا يقضي بإلحاق وحدة الأمن والحماية التابعة لسفارة فلسطين في لبنان "بأفرادها وعتادها كافة إلى قوات الأمن الوطني في الساحة الفلسطينية في لبنان".
وفي اليوم التالي داهمت قوة من الأمن الوطني الفلسطيني مكتب الفار في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين بضواحي بيروت بسبب رفضه التسليم. وكذلك فعلت مع مسؤول في مخيم الرشيدية قرب صور يدعى توفيق عبد الله.
أبو العردات
ويقول المصدر في فتح بهذا الصدد إنه "تمت الإساءة إلى مفوض إقليم حركة فتح فتحي أبو العردات 4 مرات. وكان هنالك غضب شديد ونقد ليس للرئيس (عباس) بل لما أسماها الحاشية المحيطة به".
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر فلسطينية قولها بهذا الشأن إن قيادة منظمة التحرير فوجئت، وهي تستعد للبدء بجمع السلاح في المخيمات المحسوبة عليها، بأن "البيت الفتحاوي" ليس مؤهلاً لاستيعاب ما تعهّد به الرئيس عباس، وباتت بحاجة لتوحيد الموقف بداخل حركة "فتح" كبرى الفصائل الفلسطينية في لبنان التي تشكو من تعدد الرؤوس القيادية بغياب المرجعية القادرة على أن تأخذ على عاتقها تنفيذ تعهّد عباس أمام رئيس الجمهورية اللبنانية بجمع السلاح.
وكشف المصدر ذاته للصحيفة أن "ترهّل الجسم الفتحاوي وتصاعد المشكلة بين أهل بيته بغياب المحاسبة، كان وراء ترحيل جمع السلاح ريثما تنضج الظروف لتنفيذه، واستعاض عنه عباس بإرساله وفداً موسعاً إلى بيروت قادماً من رام الله، وعهد إليه بترتيب البيت الفتحاوي لتوحيد المرجعية بداخل فتح بإلغاء تعدد الرؤوس الذي كان وراء ترهلها واستضعافها من قبل معارضيها من قوى التحالف الفلسطيني صاحبة النفوذ في عين الحلوة".
لا فصائل
غير أن قراءة فلسطينية أخرى للإجراءات الموجهة لجسم حركة فتح في لبنان تربطها بمحاولة أوسع لتطويع الوضع في مخيمات لبنان ليناسب تقديرات السلطة في رام الله. ويقول مصدر بهيئة العمل الفلسطيني المشترك للجزيرة نت "هنالك هواجس كبيرة أن أبو مازن يعالج وضع المخيمات على قاعدة: الأمن للأمن الوطني بالتنسيق مع الدولة اللبنانية، ومعالجة الوضع الاجتماعي عند (أحمد) أبو هولي (رئيس دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية الذي) كلفه (عباس) رسميا بالاتصال حتى مع رئيس الجمهورية اللبنانية، يعني لا وجود لنا كفصائل".
وبالمقابل يلخص قيادي فلسطيني مواكب للملف أسباب تعثر مشروع نزع سلاح مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالتالي "أولا الوضع اللبناني ليس ناضجا والسبب في ذلك أن الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) لا يريد الذهاب إلى موضوع نزع سلاح المخيمات، حتى لا يفتح على نفسه سحب السلاح اللبناني. لذلك. فالثنائي الشيعي بعلاقته مع أجهزة الدولة، عطل البرنامج الذي كان متفقا عليه. وهم بالمناسبة كانوا أصحاب البرنامج" .
السبب الثاني -حسب المتحدث ذاته- هو ما أسماه "محور إيران الفلسطيني" الحليف للثنائي والذي هو امتداد للمحور، ليس له مصلحة في موضوع سحب السلاح. وحدد المصدر أطراف هذا المحور بحركتي حماس والجهاد والجبهة الشعبية، مشيرا إلى وجود "قنوات اتصال بين حماس والجهاد والسلطات اللبنانية وحماس متجاوبة جدا مع الأجهزة الأمنية اللبنانية".
"مسؤول كل شيء"
ويمضي المصدر قائلا إن "الأزمة أيضا عند فتح وهنالك جزء له علاقة بالثنائي (السفير دبور) لسبب أن موضوع السلاح يفكك الإمبراطورية التي صنعها". ويوضح المصدر قائلا "فهو لأنه سفير أولا ومسؤول التنظيم ومسؤول الأمن ومسؤول القوات والمالية والإعلام واللجان الشعبية ومسؤول كل شيء، هو فوق ذلك حل الهلال الأحمر الفلسطيني، وشكل جمعية خدمات طبية".
أما عن تصور القيادة الفلسطينية لحل مشكلة تعذر سحب سلاح المخيمات، فيلخصه المصدر بالقول إن "السلاح في كل المنطقة عم ينضب (يجمع) إذا حزب العمال الكردستاني راح يسلم سلاحه. وبدك تقيس على كل الوضع في المنطقة. هلق (الآن) فاتحين موضوع الحشد الشعبي في العراق، والوضع في سوريا. بكرة بلبنان، قلنا هذه الخطوة نأخذ ثمنها بالحقوق المدنية الاقتصادية الاجتماعية، حق التملك، تسجيل الأطفال من لديهم مشاكل بموضوع الإقامة بنحلها. فعندنا حوالي 18 قضية تحتاج حلا، كلها مدنية واقتصادية واجتماعية. قلنا نضعها كلها على الطاولة، هذه مقابل هذه". (المصدر: الجزيرة نت)