قائمة الموقع

إبـــادة بالتّجــويع!

2025-07-24T11:01:00+03:00
هبة دهيني

في الوقت الّذي تقرأ فيه هذه الكلمات، وأنتَ جالسٌ على سريرك وقد تناولتَ وجبتك المفضّلة، هناك شعبٌ كامل -حرفيًّا- يباد في قطاع غزّة. والإبادة هنا لا تقتصر على القصف والتّهجير، بل على التّجويع باعتباره أكثر الطّرق وحشيّة وأفظعها إجرامًا.

كما لا يقتصر الأمر على الأطفال، بل يطال كلّ ما يتحرّك في القطاع، ليسجل المحتلّ أكبر جرائم العصر الحديث، بقتل الغزّيّين عبر تجويعهم، وليبقى للغزّيّ خياران اثنانِ لا ثالث لهما: إمّا الموت قصفًا أو جوعًا.

تستمرّ الإبادة فلا يوقفها أحد، وتتصاعد "الإدانات" الدوليّة النّظريّة من دون أيّ تحرّكاتٍ تُذكَر، ويتتفاعل العالم على منصات التواصل الاجتماعيّ "حزنًا" على ما يجري في القطاع، بينما الحكومات تسلّم جسدها كاملًا للكيان "الإسرائيليّ".

لقد بات العالم غارقًا في مادّيّته ومظاهره، يتفاعل المرء مع صورةٍ لشهيدٍ يبحث عن كيس طحين، ثمّ يكمل يومه بشكلٍ اعتياديّ وكأنّ شيئًا لم يحصل، وكأنّ محكمة العدل الدولية والمجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية، قد أدّوا جميعًا ما عليهم وأوقفوا الإبادة!

الإبادة في القطاع مستمرّة، ليست "ترندًا" ولا حدثًا عابرًا، بل إنّها طقسٌ يوميٌّ يعيشه الغزّيّون قبل إعلان موتهم بساعات، حين يرى الطّفل أباه وقد عاد شهيدًا بعدما ذهب باحثًا عن كيس طحين، أو حين يفقد الزّوج زوجته وهي حاملٌ بطفلهما الأوّل.

حكاياتٌ لا تنتهي في غزّة، وآلامٌ لا يمكن عدّها، ولا تفسيرها باللغة والشّرح والمصطلحات الثّقيلة، إنّها إبادةٌ حرفيّة، وكلّ ما نفعله إن لم يساهم في وقفها فهو إطالةٌ لأمدها، وتطبيعٌ مع وجودها، في الوقت الّذي يتخاذل فيه العالم عن نصرة المستضعفين، إلا ما ندر من مجاهدي محور المقاومة.

إنّها إبادة بالتّجويع، حتّى صار رغيف الخبز في غزّة ترفًا، وصار كيس الطّحين أغلى من الذّهب، وأندر منه، وصارت الحياة بأكملها حلُمًا يُصعَب الوصول إليه.

أقلّ ما يمكن أن نفعله، هو أن لا ننسى، أن لا نرى المشهد "طبيعيًّا"، أن لا نتعايش مع صور الدّم والموت، وأن لا نربط اسم غزّة بالحزن والجوع والقهر، أن نحكي باسم القطاع وأن لا نملّ من شعورنا بالتّقصير، إذ نحن جميعًا مقصّرون، وهذا اعترافٌ واجب.

اخبار ذات صلة