وكالة القدس للأنباء - متابعة
نأمل انتهاء المرحلة الأولى من المفاوضات اليوم بالإعلان عن وقف إطلاق النار يؤدي إلى تحرير طويل وصعب للمخطوفين العشرة الأحياء وعدد من الجثث. الستون يوماً طويلة وكأنها إلى الأبد، ولا يقين بأنها ستقلص، والحرب الجارية الآن بدون أهداف حقيقية سيتم استئنافها.
النقاشات التي جرت حتى الآن، بما في ذلك الخطة المتجددة، التي كان يمكن التوصل إلى مثلها وتطبيقها قبل بضعة أشهر، ليست سوى مرحلة واحدة في المفاوضات. الأصح القول بأنها مفاوضات من أجل المفاوضات. في المرحلة الثانية التي ستواصل فيها حماس احتجاز 10 مخطوفين أحياء وجثث قتلى، ستطمح حماس إلى جني ثمار سياسية تراها أهم: إنهاء الحرب بشكل مطلق، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من معظم مناطق القطاع، والبدء في إعادة الإعمار.
على فرض أن المرحلة الأولى ستمر بنجاح، وهي فرضية يشوبها تفاؤل بسبب تدخل ترامب في العملية، وأن يصل الطرفان إلى مفاوضات رئيسية حيث يفصل بينهما محيط، فإن إسرائيل تطمح للقضاء على حماس، عسكرياً وسياسياً، في القطاع، ونفي قادتها ونزع سلاحها، وجعل المليوني مواطن غزي يهاجرون من القطاع، وربما في النهاية استئناف الاستيطان وتطهير “خطأ الانفصال”.
ترى حماس نصب عينيها وضعاً يتولى فيه “جسم فلسطيني” وربما عربي، إدارة القطاع. حسب الخطة التي طرحتها مصر قبل نصف سنة، فإن تواجد إسرائيل سيختفي، أو سيعاد الانتشار في مناطق ضيقة متفق عليها، أما رجال حماس بالتعاون مع الإدارة الجديدة التي ستشكل في غزة فيمكنهم التأثير على إعادة إعمار القطاع حتى لو لم يكونوا في مناصب رسمية. قيادة حماس ستعرض هذا الاتفاق على أنه انتصار، وربما تعرضه على الإقليم على أنه إنجاز استراتيجي مهم.
حماس تعتبر المفاوضات حول وقف إطلاق النار وصفقة المخطوفين عملية تضمن بقاءها المادي في غزة، بل وتعتبره جزءاً نضالياً من أجل مستقبل المناطق كلها. حسب رأيها، عليها الاستعداد للفترة التي سيختفي فيها محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس م.ت.ف، من الساحة. ربما تتوقع حماس أنه في الصراع على الوراثة، الذي لن يكون شخصياً بل سيكون فكرياً وتنظيمياً، ربما تعتمد حماس على خصوم رئيس السلطة، الذين لم يتوقفوا خلال فترة الحرب عن طرح الأفكار من أجل تغيير بنية م.ت.ف، بشكل يضم حماس فيها.
مصدر فلسطيني رفيع، محسوب على خصوم محمود عباس، قال للصحيفة بأن م.ت.ف تخشى من أن تؤدي المفاوضات إلى أن تعتيم مكانة السلطة الفلسطينية وم.ت.ف كممثلة للشعب الفلسطيني، من قبل حماس. “حماس وضعت القضية الفلسطينية على جدول الأعمال، في حيث لم ينجح محمود عباس في ذلك، وقال المصدر. “هجومها الإجرامي على إسرائيل، الذي أدى إلى تدمير غزة، وتسبب بعشرات آلاف القتلى ومئات آلاف المصابين والمعاقين، بينهم أطفال وشيوخ ونساء، قزم القضية الوطنية إلى قضية غزة ومكانة حماس”.
مع ذلك، أوضح المصدر نفسه، بأنه “لن ينفي نجاح هذه العملية في وقف عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وجعلت السعودية تؤيد حل الدولتين”. قال. “حتى الحرب وأثناءها، لم ينجح محمود عباس في إقناع السعودية أو دول عربية أخرى بالوقوف وراء هذا الحل كما تفعل الآن”.
حسب أقوال المصدر نفسه، إجراء حماس، للمرة الأولى في تاريخها، مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة واستخدامها قطر ومصر وتركيا، يضعها في مركز الأحداث السياسية الدولية. تأمل حماس باستغلال هذا الإنجاز عندما يبدأ النقاش الداخلي الفلسطيني حول مستقبل التمثيل الوطني. “نحن في م.ت.ف، وبشكل خاص في “فتح”، فشلنا لأننا لم ننجح في طرح أي بديل مقنع على الأمريكيين يمكنه تجنيد الدعم وإعادة غزة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية حتى في فترة ولاية الرئيس بايدن”، قال. “لست واثقاً من قدرة بايدن الضغط على نتنياهو، الذي اعتبر السلطة منظمة إرهابية تشبه حماس، ولكن على الأقل كان يمكن وضعه أمام معضلة”.
المصدر الرفيع يؤمن بأنه كان يجب على السلطة إجراء سلسلة إصلاحات عميقة، وتعيين شخصيات مناسبة في المناصب الرفيعة، وطرح مبادرة مفصلة لإدارة القطاع، والمطالبة بأن تكون جزءاً من المفاوضات. ولكن محمود عباس -حسب المصدر- لم يرتفع إلى مستوى الحديث. اقتراح مصر (الذي اقترح لجنة خبراء غير مرتبطة بالسلطة الفلسطينية لإدارة القطاع) رفضه رئيس السلطة الفلسطينية، فقد اعتبره مساً بصلاحياته وفصلاً بين القطاع والضفة. “عن أي صلاحيات يتحدث؟”، تساءل المصدر. لأنه -حسب رأيه- فقدها في 2007 عندما سيطرت حماس على القطاع.
“لست واثقاً اليوم أن الحديث عن إدخال السلطة إلى القطاع بديلاً لحماس، ما زال ذا صلة”، وقال المصدر: “تحالف نتنياهو مع ترامب ضد إشراك السلطة مثل سور حصين، ونرى أن دولاً عربية رائدة مثل السعودية ومصر، لا تنجح في اختراقه”.
لا ترى إسرائيل أمام ناظريها إلا الهدف التكتيكي الفوري الذي يتمثل بتصفية حماس، وهي تتعامل معها كهدف مستقل ومنفصل عما يحدث في “المناطق” [الضفة الغربية]. ولكن هذا التردد والاختلافات داخل صفوف م.ت.ف سيكون لها تداعيات على شبكة العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على فرض أن إسرائيل ستواصل حاجتها إلى السلطة كجسم يدير نسيج الحياة المدنية ويعفي إسرائيل من عبء الإدارة المباشرة للضفة الغربية.
في محادثات مع جهات إسرائيلية مسؤولة عن العلاقات مع السلطة، لم يسمع عن أي خطة عملية للموعد الذي يخرج فيه محمود عباس من الساحة، ويبدأ الصراع على الوراثة. “السياسة الآن تقول: سنصل إلى الجسر، وبعد ذلك سنجتازه”، قال للصحيفة مصدر إسرائيلي يعمل في مجال التعاون الاقتصادي مع السلطة. “حتى ذلك الحين، نتصرف كالعادة، وكأن عباس سيعيش إلى الأبد. ولكننا لا نعرف ما إذا كانت البنية التحتية المتفق عليها التي تنظم التعاون الاقتصادي ستستمر أم لا”.
المصدر نفسه تقلقه الطريقة التي تنوي فيها إسرائيل إدارة القطاع، سواء في فترة وقف إطلاق النار أم بعده بالأساس. “الاختلاف على طريقة توزيع المساعدات الإنسانية تحول إلى موضوع استراتيجي مفهوم. الطموح تحييد حماس وإبعادها عن شريان التوزيع الذي يجلب لها مكاسب مالية وسيطرة على شبكة الحياة. ولكن القضية أكبر من ذلك. كم من الوقت تستطيع إبقاء مليوني مواطن على رزم المساعدات؟ في مرحلة ما، ستضطر بسرعة إلى ترميم البنى التحتية الصحية والمياه والوقود والكهرباء والتعليم والأمن الشخصي ومنظومة القضاء”.
حسب أقوال المصدر نفسه، فإن “التفكير بإمكانية استنساخ نموذج الحكم العسكري والمدني في الضفة إلى غزة، ليس سوى وهم. ففي الضفة بنية تحتية اقتصادية وتعليمية وإدارية، تستند إلى قوى محلية تشغلها. وثمة بلديات ومحاكم ومدارس وجامعات. هذه بنى تحتية هي في الحقيقة بعيدة عن العمل بشكل كامل، لكنها في غزة غير موجودة. كل شيء يجب إقامته من الصفر، وتمويله بأموال دافع الضرائب الإسرائيلي. هذا هو حقل الألغام أمام إسرائيل. ولاجتيازه، على الحكومة أن تقرر: هل تسير نحو احتلال كامل للقطاع، الذي يشمل إقامة حكم عسكري ومدني، أم الموافقة على نقل الإدارة المدنية إلى جسم فلسطيني حسب النموذج الذي اقترحته مصر. إذا اختارت إسرائيل الاحتمال الأول، فستبقى وحدها بدون مساعدات ومساهمة دول أجنبية، عربية أو غربية.
نقل الإدارة قد يجند مساعدات عسكرية من دول عربية، لكنه يلزم إسرائيل بالتنازل عن معظم سيطرتها العسكرية في قطاع غزة.
-----------------
الكاتب: تسفي برئيل
المصدر: هآرتس
التاريخ: 7/7/2025