تتصدّع السردية الإسرائيلية حول المواجهة مع إيران، خصوصاً لجهة حجم «الانتصار» الذي يسعى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومعه رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لتسويقه، عبر القول إنّ حربهما دمّرت البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وأضرّت كثيراً بالمشروع الصاروخي، مع التقليل من الخسائر وتأثير الضربات التي تلقّتها "إسرائيل" بفعل الصواريخ الإيرانية.
ويوماً بعد يوم، تساور الشكوكُ المجتمع "الإسرائيلي" ونُخبه السياسية والعسكرية، إزاء سردية الانتصار تلك، فيما تتزايد الأدلّة على زيف الادّعاءات "الإسرائيلية". وفي هذا الإطار، برز حديث رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهود باراك، الذي قال إنّ «إسرائيل لم تدمّر البرنامج النووي الإيراني، ولم تقضِ على تهديد الصواريخ الإيرانية»، ولكن «أرجأنا تقدُّم البرنامج النووي لأشهر معدودة، على ما يبدو، وذلك بفضل التدخّل الأميركي أيضاً".
وممّا قاله باراك، في مقالة له في صحيفة «هآرتس» العبرية، نُشرت أمس، فإنه «في حوزة إيران كمية تزيد على 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب، تكفي لتسليح عشر رؤوس حربية (نووية). وهناك أجهزة طرد مركزي لم تتضرّر، وخبرة، وعدد كافٍ من العلماء، وكذلك مواقع لا نعلم بوجودها.
نحن أقوياء جدّاً، لكننا لسنا قادرين على كل شيء. ويجدر أنّ نتحلّى بالتواضع والاستعداد للفصول (الحروب) القادمة». واعتبر باراك أنّ «إيران قد تحصل على منصات إطلاق صواريخ من كوريا الشمالية أو باكستان. هذا تحدٍّ ليس بسيطاً لصواريخنا الاعتراضية. وكعبرة من هذه الأيام، إيران قد تسرّع تطوير برنامجها النووي أيضاً، وربما تحت غطاء مفاوضات بطيئة".
ويأتي ذلك فيما تتكشّف المزيد من المعطيات حول حجم الخسائر التي تكبّدتها "إسرائيل" أثناء الحرب؛ فقد كشفت «القناة الـ13» العبرية، نقلاً عن مصادر رسمية، وجود تكتُّم ومحاولة لإخفاء الأهداف التي طالتها الصواريخ الإيرانية، لا سيّما القواعد العسكرية الإستراتيجية في تل أبيب. ووفقاً للصحافي رافيف دراكر، من القناة، فإنّ «هناك إصابات كثيرة في قواعد الجيش ومنشآت إستراتيجية إسرائيلية بسبب الصواريخ الإيرانية لم يتمّ الحديث عنها لغاية اليوم»، وإنّ "الإسرائيليين لم يفهموا مدى دقّة الإيرانيين في استهدافاتهم، وإلى أي مدى تسبّبوا بأضرار في أماكن كثيرة".
ولعلّ هذه المعطيات المسرّبة إلى الإعلام والرأي العام، والتي يعتبرها مراقبون نبذة مختصرة عن حقيقة المواجهة التي استمرّت 12 يوماً، تجعل من هذه الأخيرة مجرد محطّة، يُقدّر أن تتبعها جولات قد لا تتأخّر.
وفي هذا السياق تحديداً، قال وزير الحرب "الإسرائيلي"، يسرائيل كاتس، إنه أوعز إلى الجيش بتحضير خطّة تنفيذية ضدّ إيران، تشمل «الحفاظ على التفوّق الجوي الإسرائيلي، ومنع تقدّم البرنامج النووي وإنتاج الصواريخ، والردّ على دعم طهران للعمليات ضدّ دولة إسرائيل»، مضيفاً أنّ «إسرائيل ستعمل بشكل دائم على إحباط هذه التهديدات الإيرانية»، ومهدّداً طهران بأن عملية «الأسد الصاعد» كانت مجرّد بداية لسياسة إسرائيلية جديدة، لأنّ «الحصانة بعد السابع من أكتوبر انتهت".
ورغم ارتفاع سقف التهديدات، تصطدم "إسرائيل"، اليوم، بالتكلفة العالية للحرب على غزة والمواجهة مع إيران، وهو ما دفع وزارة المالية إلى رفض طلب الجيش زيادة موازنته بـ60 مليار شيكل، من أجل تمويل الحرب على الجمهورية الإسلامية، بزعم أنّ هذا الإنفاق لم يكن مشمولاً في موازنة العام الجاري.
ومن شأن عدم إضافة ذلك المبلغ إلى موازنة الجيش، أن يعرقل شراء صواريخ منظومة «حيتس» لاعتراض الصواريخ الباليستية، والمئات من مركبات «هامر» العسكرية لاستخدامها في الحرب المستمرّة على غزة، وفق ما ذكرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس. ولذا، تسعى المؤسسة العسكرية إلى ممارسة ضغوط على وزارة المالية، عبر وسائل إعلام؛ إذ نقلت الصحيفة عن مسؤولين أمنيّين، قولهم إنّ الوزارة تعارض بشدّة دفع المبلغ الذي يطالب به الجيش، كما أنها أوقفت موازنات جرى الاتفاق حولها، أخيراً.
ووصف المسؤولون الأمنيّون، الخلافات بين الجيش ووزارة المالية بأنها «أشدّ من أزمات سابقة، وتؤثّر في ميدان القتال بشكل مباشر». وأشارت الصحيفة إلى أنّ الجيش الإسرائيلي طلب من مندوبيه في الولايات المتحدة شراء أكثر من 600 عربة «هامر» جديدة، بالنظر إلى أنّ تلك الموجودة في حوزة الجنود أصبحت «خردة»، بسبب استخدامها المكثّف في قطاع غزة، وكذلك بسبب استهداف قسم منها بقذائف مضادة للدروع في القطاع.
ويدّعي جيش الاحتلال أنّ صفقات لشراء ذخيرة للطائرات الحربية وصواريخ لمنظومة «حيتس»، متوقّفة حالياً، بعد الإعلان في الولايات المتحدة عن أنّ صواريخ «حيتس» في إسرائيل توشك على الانتهاء، من جرّاء استخدامها بكثافة في عمليات اعتراض الصواريخ الباليستية الإيرانية. ويحذّر الحيش من أنّ تأخير المصادقة على الموازنة لتمويل شراء صواريخ «حيتس»، سيؤدّي إلى «تقليص استعداداته إلى جولة قتالية قادمة ضدّ إيران، وقد تكون أقرب من المتوقّع»؛ علماً أنّ ثمن صاروخ «حيتس» واحد، يبلغ نحو 15 مليون شيكل.
وفي سياق مشابه، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر في أجهزة الاحتلال الأمنيّة، قولها إنّ «خسائر الطائرات المسيّرة التي أُسقطت داخل إيران، تُقدّر بمئات ملايين الدولارات»، وإنّ «الصواريخ الاعتراضية لمنظومة حيتس تنتظر تمويلاً إضافيّاً، رغم أنّ مستويات الاستهلاك بلغت حدّاً خطيراً أثناء العمليات الأخيرة أمام الصواريخ الإيرانية".
وأضافت: «تعترف قيادة الجيش الإسرائيلي بأنها خسرت عدداً كبيراً من الطائرات من دون طيار في الأجواء الإيرانية»، وأنّ «إيران، بصناعتها المتقدّمة، بدأت بالفعل، أثناء الحرب، بالعمل على مرحلة ما بعد الحرب، عبر إنتاج صواريخ أكثر تطوّراً لاختراق منظومة الدفاع الجوي»؛ كما «بدأت الاستعداد إلى الحرب القادمة ضدّنا، يجب أن نكون مستعدّين أيضاً.
في الأيام الأخيرة، تواصل مسؤولون كبار في المؤسسة الدفاعية مع رؤساء شركات "إسرائيلية"، مثل إلبيت ورافائيل وصناعات الفضاء الإسرائيلية، طالبين إعطاء الأولوية للإنتاج السريع للأسلحة التي استهلكها سلاح الجو بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة".
وبعد مرور أيام على وقف الحرب، قيّم الخبير العسكري لصحيفة «يديعوت»، رون بن يشاي، تداعياتها، مؤكّداً أنّ «على إسرائيل أن تتحرّك بشكل فعّال في عدّة مجالات رئيسة، عبر ضمان عدم محاولة إيران تحقيق اختراق سريع لحيازة سلاح نووي بسيط - على سبيل المثال، قنبلة قذرة، باستخدام اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% المتبقّي لديها، ومئات أجهزة الطرد المركزي المتقدّمة المخبّأة في مكان ما -؛ وزيادة الجهود في جمع المعلومات الاستخبارية بكل الوسائل، للتحقّق من مدى تحقيق أهداف الحرب المعلنة، وإلى أيّ مدى لحق الضرر بمشروع الأسلحة النووية، خاصة مرافق التخصيب، وكم بقي لدى الإيرانيين من يورانيوم عالي التخصيب تمكّنوا من إخفائه، وقد يستخدمونه لصنع قنبلة في وقت قصير".
وأشار إلى أنّ «هناك مسألة أخرى تستحقّ الدراسة، وهي مدى تقلّص القدرات الصاروخية، وما تبقّى لدى طهران في مجال الصواريخ الباليستية، والطائرات من دون طيار، والصواريخ المُجنّحة، التي نادراً ما استخدمتها في الحرب، ومن المحتمل أنه لا تزال لدى إيران قدرات متبقّية كبيرة منها، تشكّل خطراً على إسرائيل».