قائمة الموقع

من أجل فك الحصار الدولي عن قطاع غزة

2025-06-11T12:56:00+03:00
راغدة عسيران

بعد إبحار سفينة "مادلين" قبل أسبوعين من مرفأ إيطالي لفك الحصار عن قطاع غزة، وتهديد الصهاينة بمنعها من الوصول الى غزة، محملة بالمواد التموينية الضرورية لاستمرار حياة المحاصرين، لم تتجرأ الدول الأوروبية على مساعدة المناضلين، أو بالأحرى، لم تعبّر عن نيّتها دعم السفينة وحماية ركابها من العدوان الصهيوني. فاستولى جيش العدو على السفينة واعتقل المناضلين في المياه الدولية، وبثّ روايته الخاصة لتبرير عدوانه، فقام بتفتيش السفينة وكأنه يقوم بمهمة شديدة الخطورة، أي عندما يهدد ويقتحم ويعتقل ويستجوب عسكريا، تبثّ روايته المضللة أنه يحمي نفسه وكيانه من معاداة السامية و"حماس" والمؤامرة الدولية عليه، وهو الذي يشن اليوم حربا استئصالية للبشر والشجر والحجر على الشعب الفلسطيني، في كل فلسطين.

كيف تصرّفت الأنظمة الغربية، التي تعتبر أنها تمثّل المجتمع الدولي، قبل وبعد العدوان الصهيوني على السفينة وركابها؟

قبل الإبحار وأثناء الرحلة، كان صوتها يعلو مطالبة بإدخال المساعدات الى أهل غزة، وليس بفك الحصار، ما يعني أن الفضيحة العالمية في تجويع الفلسطينيين في القطاع، هي التي حرّكت هذه الأنظمة ومنظماتها غير الإنسانية، فاضطرت الى "تبييض" وجوهها السوداء. من العواصم الغربية (لندن، باريس برلين)، صدرت أصوات "تهدّد" الكيان بالاعتراف بدولة فلسطين، على الورق وليس على الأرض، بعد استسلام المقاومة، أي أن الشرط الغربي والعربي والدولي لفك الحصار ومنع استشهاد الأطفال من الجوع والمرض، هو أولا وأخيرا استسلام المقاومة للعدو الصهيوني. التجويع بات سلاحا شرعنه العدو وشرعنته الدول الغربية والعربية المساندة له. فالتصريحات المندّدة بمنع إدخال المساعدات والجوع وقتل للمجوّعين حين يتدفقون لاستلام الطعام من شركة أمنية صهيو-أميركية، جزء من مسرحية سوداء، تلعب الدول والمنظمات فيها يوما بعد يوم، لصرف نظر الشعوب عن الفاجعة والكارثة الإنسانية ولمنعها من المبادرة، بعيدا عن "المجتمع الدولي".

بعد عملية القرصنة الدولية التي نفذها جيش العدو ضد سفينة يمكن اعتبارها أوروبية، بسبب جنسية أغلبية المناضلين فيها، صدر عن هذه الدول تصريحات خجولة ومضحكة في الآن نفسه : فرنسا تطالب بالإفراج عن "الفرنسيين" فقط، وتطالب بتواجد القنصل الفرنسي خلال التحقيق العسكري مع المناضلين "الفرنسيين"، وطالبت الدول الأخرى الإفراج "الفوري" عن المناضلين. لا إدانة لعملية قرصنة دولية نفذها كيان استيطاني مجرم، ولا حماية مسبقة من قبل هذه الدول للسفينة المحمّلة بالمساعدات، رغم التصريحات الجوفاء التي صدرت عنها خلال الأسابيع الماضية.

تخشى هذه الدول وغيرها، التي لها صوت في مجلس الأمن الدولي، مع حق الفيتو أم  بدونه، والدول العربية التي تطالب بفك الحصار عن قطاع غزة وكل هذه الأنظمة المرتبطة بالهيمنة الغربية على العالم، كلهم يخشون من أن يتم فعلا فك الحصار الذي فرضته على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، دون استسلام المقاومة، وأن يتم فك الحصار من خلال إرادة الشعوب وليس من خلالها، لأن ذلك يعني فعليا إنهاء دورها الوهمي في حماية الشعوب وإنهاء عملية تضليلهم، وكشف مساهمتها بتجويع وقتل الشعب الفلسطيني، كما يمنح للشعوب الحرة، المنتفضة في العالم، دورا أساسيا وفاعلا لتغيير هذا العالم الذي يتحكم فيه السلاح والمال.

في المقابل، تسعى الشعوب محاصرة الكيان المجرم من أجل دعم الشعب الفلسطيني الذي يقاوم من أجل حريته. فبادرت اليمن، شعبها وقيادتها وقواتها المسلحة، بفرض حصار بحري على موانئه بداية، ثم جوي على مطاراته، لفك الحصار الدولي عن قطاع غزة ووقف المحرقة.

لم يتجرأ أحد، دولة أو منظمة، قبل اليمن الحر والعزيز والمستقل، العمل من أجل فك الحصار منذ سنوات. تجرأ لمواجهة الغرب الاستعماري ومنظماته، ممثلا لإرادة الشعوب الحرة، وتقبّل بروح معونية عالية كل التضحيات التي رافقت عمليات مساندة أهل غزة (القصف الصهيوني لمنشآت مدنية وارتقاء الشهداء). يقلّل الإعلام العربي والدولي المتورط بدعم كيان العدو، من أهمية الحصار اليمني على المجرمين الصهاينة، كي لا تتجرأ الشعوب على العمل ضد الهيمنة الاستعمارية الغربية، كما يفعل اليمن، ولتبرير موقف الأنظمة العربية والإسلامية المتواطئة أو المتخاذلة مع العدوان الصهيو-أميركي على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الحرة

تعد مقاطعة المؤسسات الصهيونية إحدى أشكال محاصرة العدو والمتعاونين معه، وتمثل حركة المقاطعة الأكاديمية إحدى الجوانب المهمة لهذه المقاطعة، والتي بدأت تثير المخاوف لدى المسؤولين الصهاينة. في الولايات المتحدة وخاصة في الدول الأوروبية، قررت بعض الجامعات، من جراء الضغط الشعبي، إنهاء الاتفاقيات التي كانت قد وقّعت عليها مع جامعات الكيان، والتي تشمل استقبال الطلاب الصهاينة، وتوفير لهم منح دراسية من ناحية، ومن ناحية أخرى، وهذه هي الأهم، المشاركة الصهيونية في البرامج البحثية العلمية والطبية والعسكرية.

فأعلنت جامعة جنيف إنهاء تعاونها البحثي مع الجامعة العبرية في القدس المحتلة، وجامعة تل أبيب. كما أعلنت جامعة إراسموس روتردام تجميدا فوريًّا للتعاون مع جامعة "بار إيلان"، والجامعة العبرية في القدس، وجامعة حيفا، وستُعلَّق برامج التبادل الطلابي القائمة مع هذه الجامعات. وأعلنت جامعة "ترينيتي كولدج" الإيرلندية، أنّها ستقطع العلاقات مع كيان العدو، وأبلغ مجلس إدارة الجامعة الإيرلندية الطلّاب بهذا القرار تطبيقا لاحتجاجهم الواسع ضد هذه الشراكة. وفقا للمعطيات الحديثة، أكثر من 20 جامعة في العالم بدأت بمقاطعة الكيان المجرم.

أثارت موجة مقاطعة الجامعات والمؤسسات الصهيونية قلقا كبيرا لدى الصهاينة، وعبّر أعضاء لجنة العلوم والتكنولوجيا في الكنيست الصهيوني عن خشيتهم من تضرر المكانة الأكاديمية والدولية لكيانهم قائلين : "نحن في خطر حقيقي" وقال أحد المشاركين في جلسة الكنيست الصهيوني : "هذا ليس تهديداً أكاديمياً. إنه تهديد للدولة بأسرها. إنه تهديد للبحث العلمي، للاقتصاد، وللأمن."

تمثل الشراكة الأوروبية – الصهيونية في مجال البحث العلمي دعما أساسيا للمشورع الصهيوني في فلسطين، بدءا من الاستيلاء على فلسطين وتهجير أهلها، الى قتلهم واعتقالهم وملاحقتهم وتدمير منازلهم وكل مرافق حياتهم، ذلك لأن البحث العلمي والتكنولوجي في أيدي المجرمين لا يمكن إلا أن يكون أداة لإجرامهم. يورد بيان مؤسسة "الأكاديمية الإسرائيلية للعلوم"، وهي مؤسسة شبه رسمية في الكيان الاستيطاني، معلومات حول أهمية المشاركة الأوروبية-الصهيونية في تطوير القوة التدميرية للكيان بالقول أنه "حصل باحثون وشركات إسرائيلية في السنوات الأخيرة على منح تفوق مليار يورو من برنامج هورايزون للبحث والابتكار".

الحصار الصهيو-أميركي على قطاع غزة يهدف الى قتل إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني. يخترع الصهاينة الآلاف من القصص لتبرير توحّشهم وإجرامهم، لكن لم تعد الشعوب ترى أي مبرر لوجودهم، فانقشعت طبيعتهم الحقيقية، أداة قتل لتمكين السيطرة الاستعمارية الغربية على المنطقة.  وبعد أن اتضح أخيرا، مع عملية القرصنة الإجرامية لسفينة "مادلين"، أن الحصار والتجويع هما آلة حربية صهيو- أميركية غربية دولية، تقع مسؤولية كسر الحصار على الشعوب الحرة وعليها الآن تكثيف السفن والإبحار لكسر كلمة الاستكبار العالمي.

 

اخبار ذات صلة