هبة دهيني
في خِضَمّ حرب الإبادة المستمرّة على الشعب الفلسطيني الصّامد من قِبل الاحتلال "الإسرائيلي"، تخرج بين الفينة والأخرى أصوات تدعو إلى "نزع سلاح المقاومة"، وتتزيّا بلبوس "الوطنية" والحرص على "حلّ الدّولتين"، كما أنّ توقيتها ومضمونها يثيران تساؤلات جوهرية حول انسجامها مع الرؤية الأميركية-"الإسرائيلية" التي لطالما اعتبرت المقاومة المسلحة تهديدًا يجب اجتثاثه.
أوّلًا، إنّ سلاح المقاومة في فلسطين ليس مجرد أداة للقتال، بل هو التعبير الأوضح عن حقّ الشعوب في الدفاع عن نفسها، وهو الذي مثّل، على امتداد العقود، صمّام الأمان في وجه مشاريع التصفية والاستسلام، منذ "أوسلو" وحتى "صفقة القرن"، ظلّ السلاح المقاوم شوكة في حلق الاحتلال، وعقبة أمام تمرير المشاريع الاستسلامية.
من هنا، كيف ترى "إسرائيل"، ومن ورائها "أمريكا" هذا السلاح؟ إنّه ومنذ بداية الانتفاضة الثانية، ووصول المقاومة إلى مستوى متقدم من التنظيم والقدرة، وضعت "إسرائيل" ومعها الولايات المتحدة هدفًا استراتيجيًا يتمثّل في نزع السّلاح، وقد كرّرت الإدارات الأميركية على اختلافها، أنّ "نزع سلاح الفصائل" هو شرطٌ لأي تسوية، على حدّ تعبيرها، وهذا ما يتكرّر على ألسنة قادة الاحتلال عقب كل حرب أو تهدئة.
لذا، فالسؤال المحوري الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لمواقف تدّعي الحرص على المصلحة الوطنية أن تلتقي موضوعيًّا مع مواقف الاحتلال والإدارة الأميركية؟ وهل يدرك من يطالب بنزع سلاح المقاومة أنه يصب الماء في طاحونة العدو؟ والجواب يتبلور في المسلَّمَةِ الأولى، وهي أنّ سحب السلاح في ظل الاحتلال يعني ببساطة تكريس هيمنة العدوّ، ويتماهى مع مفهوم الاستسلام المقنَّع.
كما أنّ الكيان "الإسرائيليّ" يهاجم حتى النشطاء السلميين، ويقمع كل أشكال التعبير، ويقتل الأجنّة في بطون أمّهاتهم، ويبيد الأطفال وهم يلعبون في الحارات المدمّرة، فكيف يصمت شعبٌ أمام إبادة واستعمارٍ واضحَين؟ كما أنّ وحدة الساحة الفلسطينية لا تتحقق بنزع السلاح، بل بتوجيهه نحو الاحتلال، وبتصويب بوصلته نحو من يبيد الشعب الفلسطيني بأكمله اليوم.
وهنا مربط الفرس، فإذا أراد دعاة "السّلام" أن ينزعوا السّلاح الّذي يدافع عن كراماتهم، فإنّهم بكلّ بساطة، يقدّمون مكافأةً للاحتلال، لأنّ طرحَ هذا الشعار في لحظة عدوان ومجازر متواصلة في غزة والضفة، هو تبنٍّ لخطاب العدوّ، وما يجب الحديث عنه يبدأ من إنهاء الاحتلال، لا من مطالبة الضحية بالتجرد من أدواتها في مقاومته!
المقاومة ليست خيارًا تكتيكيًا، بل ضرورة استراتيجية في ظل احتلال لم يعترف حتى بوجود الشعب الفلسطيني، لذا فإنّ المواقف التي تدعو لسحب سلاح المقاومة، حتى وإن لبست لبوس "الوطنية"، لا يمكن فهمها إلا في إطار واحد: التماهي مع الرؤية الأميركية-"الإسرائيلية" التي ترى في المقاومة -أيًّا كانت صيغتها وأيَّا كان شكلها- عائقًا أمام تصفية القضية الفلسطينية.
ففي هذه اللحظات التاريخية التي تتكالب فيها القوى الدولية لتصفية آخر معاقل الصمود الفلسطيني، لا يمكن للموقف الوطني أن يكون محايدًا، ولا يمكن أن يقف في منتصف الطريق، فإما أن تكون مع شعبك ومقاومته، أو أن تقف في صفّ العدوّ الذي يعلن منذ أشهر طوال، إبادةً حيّةً واضحةً علنيّةً على شعبٍ كاملٍ بأطفاله ونسائه.