وكالة القدس للأنباء – ترجمة
تكشف دراسة لم تُنشر من قبل عن تكتيكات "إسرائيلية" في إفشال الدبلوماسية وتشويه سمعة منتقديها.
ما الذي يجمع بين نشطاء حقوق الإنسان في القدس، وعمال الإغاثة الإنسانية في غزة، وطلاب الجامعات في نيويورك، وفقًا "لإسرائيل" وشبكة نفوذها؟ الزعم أن لهم جميعًا صلات بالإرهاب. ورغم أن هذه الاتهامات غالبًا ما تكون بلا أساس، إلا أنها تُستخدم في كثير من الأحيان لتشويه سمعة من يرفضون الانصياع لأوامر "إسرائيل" وتقويض مكانتهم.
مع أن هذا التكتيك شائع جدًا اليوم، إلا أنني صادفته لأول مرة أثناء خدمتي مع منسق الأمن الأمريكي (USSC) في الضفة الغربية، حين هدد نمط مماثل من الاتهامات والشكاوى من "إسرائيل"، كما هو موثق في تقرير لم يُكشف عنه سابقًا، بتدمير ما كان آنذاك في العام 2008 عملية سلام هشة في الضفة الغربية.
غالبًا ما يعمل منسق الأمن الأمريكي كوسيط غير رسمي بين قطاعي الأمن "الإسرائيلي" والفلسطيني. ورغم التقدم الكبير المحرز في توفير الأمن على الجانب الفلسطيني، كانت "إسرائيل" تماطل، مدعية انعدام الثقة في قوات الأمن الفلسطينية.
كانت الحجة الأساسية "للإسرائيليين" هي أن السلطة الفلسطينية لم تتخذ إجراءات كافية ضد الأفراد الذين اتهمتهم "إسرائيل" بالإرهاب، وبالتالي لم تكن "إسرائيل" واثقة من الوفاء بالتزاماتها في المفاوضات - أي تقليص نقاط التفتيش ووجود جيش الدفاع "الإسرائيلي" في الضفة الغربية. وبذكائها المعهود في العلاقات العامة، جادلت "إسرائيل"، سرًا وفي الصحافة، بأن نظام الأمن التابع للسلطة الفلسطينية ليس سوى "باب دوار"؛ إذ تعتقل السلطة الفلسطينية من تزعم "إسرائيل" أنهم إرهابيون أو تربطهم صلات بالإرهابيين، ثم تُفرج عنهم بسرعة.
كانت إدارة بوش آنذاك ملتزمة بعملية المفاوضات بموجب خارطة الطريق للسلام؛ لكن ومع تهديد "إسرائيل" بوقف أي تقدم بناءً على مخاوفها، قررت الولايات المتحدة التدخل ومعالجة هذه المخاوف.
بصفتي مسؤولاً عن حوكمة قطاع الأمن الفلسطيني في مكتب المنسق الأمريكي، كُلِّفتُ بقيادة دراسة حول مشكلة "الباب الدوار" المزعومة، وقمتُ مع زملائي، بمن فيهم ضابط شرطة بريطاني رفيع المستوى وضابط عسكري كندي، بإجراء مراجعة شاملة لهذه الادعاءات، وإعداد تقرير رسمي، عُرض على المسؤولين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، ومجلس الأمن القومي الأمريكي.
لم تُحقق تلك الدراسة، التي عُنونت رسميًا بـ"تقرير الباب الدوار في جنين"، نجاحًا يُذكر لأيٍّ من الأطراف المعنية. ورغم أن بعض السياق الذي تناولته الدراسة قد أصبح قديمًا بعض الشيء، إلا أن بعض نتائجها الرئيسية لا تزال ذات أهمية بالغة اليوم، بالنظر إلى الادعاءات التي أدت إلى إعداد التقرير، والنمط الموازي الذي نراه اليوم، حيث تُوجِّه "إسرائيل" اتهامات بالإرهاب ضد أفراد ومنظمات تعتبرها خصومًا، وتجأر بالشكوى حين لا تُتخذ إجراءات بشأن هذه الاتهامات بما تراه "إسرائيل" كافيًا، ثم تُوظِّف ادعاءاتها وشكاويها كجزء من استراتيجية علاقات عامة.
خلص التقرير إلى وجود تحديات كثيرة ينبغي على جميع الأطراف معالجتها. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالجانب الفلسطيني، خلص التقرير إلى أن "القانون الفلسطيني في بعض القضايا الحرجة غالبًا ما يكون غامضًا، ومتناقضًا أحيانًا. نظام العدالة الجنائية الفلسطيني مُثقل بالأعباء ويعاني من نقص الموارد".
ومع ذلك، فإن ما هو أكثر صلة بالنمط الأوسع، والذي نراه اليوم، من اتهامات الحكومة "الإسرائيلية" المبنية على مصادر ضعيفة، وما تلاها من شكاوى من التقاعس، هو نتائج التقرير المتعلقة بنهج "إسرائيل"، وتحديدًا ما يلي:
"العنصر الأخير الذي يجب مراعاته هنا هو الطريقة التي تنقل بها "إسرائيل" طلبات الاعتقال أو الاحتجاز أو غيرها من الإجراءات الأمنية إلى السلطة الفلسطينية. الآلية الشائعة لذلك هي قيام المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" بتزويد عناصر من المؤسسة الأمنية الفلسطينية بـ"قوائم" بالأهداف (التي قد تكون أشخاصًا أو مؤسسات) و"الإجراءات المطلوبة"، مثل الاعتقالات أو الإغلاق.
هذه القوائم، التي لم تُعرض في هذا التقرير لحساسيتها، والتي اطّلع فريق إعداد التقرير على أمثلة منها، تفتقر عادةً إلى أي دليل يُثبت صحة الأهداف. في الواقع، أظهرت المراجعات الفلسطينية للقوائم أن العديد منها غير دقيق أو قديم، ويطلب، على سبيل المثال، احتجاز أشخاص متوفين. تُمثل هذه القوائم، إذًا، تلبيةً لمتطلبات المؤسسة العسكرية والاستخباراتية "الإسرائيلية" المحدودة مع متطلبات نظام العدالة الجنائية الفلسطيني الأكثر أهمية. لا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تعتقل الأشخاص وتحتجزهم إداريًا لمجرد أن "إسرائيل" تريد ذلك؛ فلديها إجراءات يجب عليها اتباعها، وهذه الإجراءات تتوافق، في معظمها، مع حقوق الإنسان الدولية وأفضل الممارسات القانونية.
إنّ تقديم قائمة أسماء لا يُشكل بحد ذاته دليلاً قاطعًا على أي شيء؛ وبناءً على تجربة منسق الأمن الأمريكي وقت خدمتي فيه، غالبًا ما كانت قوائم "إسرائيل" معيبة وغير دقيقة، كما يصف تقرير "الباب الدوار". لاحقاً رفضت "إسرائيل" تقديم أي معلومات داعمة لاتهاماتها، مدّعيةً أنها مستمدة من مصادر استخباراتية حساسة. ولكن حتى في هذه الحالة، فإن المعلومات الاستخبارية، كما سيخبرك أي مسؤول في الأمن القومي، ليست دليلاً، وغالبًا ما تكون خاطئة.
قد تكون التقارير الاستخبارية الخام هي المعيار الذي تُجري عليه "إسرائيل" عمليات الاعتقال - أو حتى الضربات القاتلة - لكنها لا تكفي لأي استخدام من قِبل طرف ثالث، إلا إذا كان هذا الطرف الثالث على استعداد لقبولها على محمل الجد. من واقع خبرتي، حتى الولايات المتحدة، التي تميل إلى أخذ الادعاءات والمزاعم "الإسرائيلية" على محمل الجد، قد طوّرت أيضًا بمرور الوقت فهمًا مؤسسيًا بأن هذه الادعاءات "الإسرائيلية" غالبًا ما تكون أقل مما يبدو عليه الأمر، كما هو الحال حين تعلق الأمر بتبريرات "إسرائيل" لهجوم على غزة في العام 2021 والذي دمر مبنى شاهقًا استخدمته وكالات أنباء متعددة كمكاتب لها، أو كما حدث حين اتهمت "إسرائيل" في العام 2022 ست منظمات حقوق إنسان فلسطينية بعلاقات مع الإرهاب.
بالإضافة إلى التوصية باتخاذ خطوات لسد الفجوة بين أدلة الاستخبارات "الإسرائيلية" والحقائق المؤكدة التي قد تلبي معايير الأدلة، أوصى تقرير "الباب الدوار" بأن "على "إسرائيل" مراجعة ممارساتها الحالية للاعتقال والاحتجاز بدقة ... من أجل مواءمتها مع القانون الدولي"، وهي توصية، كما قررت حكومة المملكة المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، لا تلبيها حتى يومنا هذا. أشار التقرير أيضًا إلى مفارقة في تحديد "إسرائيل" للأهداف وشكاوى تقاعس أطراف ثالثة، نظرًا لاستغلال نظام الاعتقال كأداة استخباراتية لخدمة المصالح "الإسرائيلية":
"لا تُحاكم إسرائيل كل فلسطيني تعتقله، ولا تحتجز لفترات طويلة كل فلسطيني تعتقله، رغم عدم توفر إحصائيات في الوقت الحالي. بل تُشكل الاعتقالات والاحتجازات جزءًا منتظمًا من أنشطة جمع المعلومات الاستخبارية للحكومة "الإسرائيلية"، وغالبًا ما يُعتقد أنها إجراءات استباقية أو رادعة أكثر منها رد فعل على تهديدات محددة. ولأن "إسرائيل" تُركز على التهديدات الموجهة لدولتها ومواطنيها، فمن المرجح أنها تُعطي هذه التهديدات الأولوية على تلك الموجهة ضد السلطة الفلسطينية. لذلك، من منظور فلسطيني، غالبًا ما يُنظر إلى "إسرائيل"، بغض النظر عن قانونية أفعالها في اعتقال واحتجاز الفلسطينيين، على أنها تُحافظ على سياسة الباب الدوار...".
اليوم، نرى ادعاءات مماثلة تُستخدم ليس لعرقلة عملية السلام، بل لتقويض مصداقية أولئك الذين يُعربون عن قلقهم إزاء عنف "إسرائيل" ضد الفلسطينيين أو يحتجّون عليه.
مثال على ذلك إغلاق "إسرائيل" ست منظمات حقوق إنسان فلسطينية في العام 2022 وسط مزاعم بأنها تعمل كواجهة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. داهمت الحكومة "الإسرائيلية" مكاتب إحدى هذه المنظمات، وهي الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين، بعد يوم واحد من إبلاغ الولايات المتحدة "إسرائيل" بأنها وجدت تقرير للحركة عن اغتصاب طفل في مركز احتجاز "إسرائيلي" موثوقًا. ردّت العديد من الحكومات الغربية بقطع جميع علاقاتها مع هذه المنظمات، ثم أعادت تلك العلاقات بهدوء بعد أشهر عدة بعدما فشلت "إسرائيل" في تقديم أي دليل دامغ على اتهاماتها.
في الآونة الأخيرة، وفي سياق جهودها الأوسع لتقويض وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، عادت "إسرائيل"، وسط ضجة إعلامية كبيرة، لتتهم 108 من موظفي الأونروا في غزة بالانتماء إلى كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. وحتى الآن، لم تتمكن الأونروا من إثبات هذه الاتهامات، ورغم طلبات الأونروا الصادقة أثناء إجراء تحقيق، لم تقدم "إسرائيل" أي أدلة إضافية تدعم مزاعمها.
والآن، واستمرارًا لهذا النمط المثير للقلق والعبثي، وصلت اتهامات مماثلة إلى النظام القانوني الأمريكي. ففي دعوى قضائية قُدمت في أواخر مارس/آذار، اتهم ممثلو "إسرائيل" الأمريكيون فرع جامعة كولومبيا لمنظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" بمعرفة مسبقة بهجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. هذا الاتهام - الذي يبدو أنه مبني على شهادة واحدة لرهينة "إسرائيلي" حول ادعاء خاطفيه - غريب، بالنظر إلى أن حماس لم تُصدر حتى تحذيرًا تكتيكيًا لإيران، راعيتها. فلماذا يُنبّه قادة حماس بعض طلاب الجامعات في نيويورك؟ بغض النظر عن وجاهة الاتهام، فإن الضرر الذي لحق بسمعة منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين قد وقع بالفعل.
كما يُظهر العمل الذي أُجري في تقرير "الباب الدوار" فيما يتعلق بالادعاءات "الإسرائيلية" بالإرهاب، غالبًا ما يكون هناك أقل مما يبدو. في المستقبل، ينبغي على المنظمات والأفراد الذين يواجهون ادعاءات "إسرائيلية" ضعيفة المصدر بصلاتهم بالإرهاب أن يطالبوا بأدلة دامغة. إن لم تتمكن "إسرائيل" من تقديم مثل هذه الأدلة أو لم ترغب في تقديمها، فيجب تجاهلها.
------------------
العنوان الأصلي: How Israel weaponizes allegations of terrorism
الكاتب: Josh Paul*
المصدر: Responsible Statecraft
التاريخ: 12 أيار / مايو 2025
*جوش بول هو أحد مؤسسي مبادرة "سياسة جديدة". استقال من وزارة الخارجية الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بسبب معارضته لسياسات إدارة بايدن بشأن غزة، بعد أن أمضى أكثر من 11 عامًا مديرًا لمكتب الشؤون السياسية والعسكرية. عمل سابقًا على إصلاح قطاع الأمن في كل من العراق والضفة الغربية، بالإضافة إلى مناصب أخرى في مكتب وزير الدفاع، وهيئة أركان الجيش الأمريكي، وعضوًا في الكونغرس.