ندى أحمد*
تمكنت الطواقم القانونية من الحصول على موافقة سلطات الإحتلال لزيارة هي الأولى لجهات رسمية لقسم "ريكيفيت" الواقع تحت سجن نيتسان- الرملة؛ أحد السجون والمعسكرات التي إستحدثتها سلطات الإحتلال منذ حرب الإبادة أو أعادت فتحها خصيصاً لأسرى قطاع غزة الذين أطلق الإحتلال عليهم لقب "النخبة"، علماً أن جزءاً ممن تمت زيارتهم يصنفهم الإحتلال "بالمقاتلين غير الشرعيين". من أبرز هذه السجون والمعتقلات المستحدثة نذكر سديه تيمان، عناتوت، عوفر، ريكيفيت، ومنشة (لمعتقلي الضفة). باتت هذه الأماكن عناوين بارزة لجرائم التعذيب والتنكيل الجسدي والنفسي بشكل خاص للغزيين المجهولي المصير بمعظمهم.
إستعرضت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني شهادات جديدة أضيفت الى سجل الشهادات الصادمة والمروعة عن تفاصيل عاشها معتقلو غزة خلال عمليات إعتقالهم من القطاع، خلال التحقيق معهم، وعند نقلهم من سجن الى سجن ومعسكر الى آخر على مدى شهور الإعتقال الطويلة التي واجهوا فيها جرائم ممنهجة، على شكل تعذيب وتنكيل وقتل، تضاف الى سجل سلطات الإحتلال بحق الفلسطينيين عموماً والغزيين على وجه الخصوص.
تمت زيارة الطواقم القانونية وسط إجراءات مشددة ومستوى عالٍ من الرقابة ومرافقو السجانين، بدءاً بإدخال الطواقم القانونية الى مدخل بناية قديمة تشبه المخزن، حيث كان الباب عبارة عن مدخل يؤدي لدرج تحت الأرض مليء بالحشرات والحفر في الأرض والجدران، بحسب ما وصف المحامون. ووجهت التعليمات القطعية للمحامين بعدم إعطاء المعتقلين أي معلومات عن عائلاتهم أو عما يحصل في العالم الخارجي. كانت الصعوبة تكمن في "فتح حديث أو موضوع" مع أي معتقل بسبب الرقابة وخوف المعتقلين، إذ أن معظمهم لم ير بشراً منذ إعتقاله في أكتوبر 2023. إلا أن المحامين تمكنوا من طمأنة المعتقلين والتأكيد لهم بعدة إيحاءات وإثباتات بأنهم مجرد محامون قد أتوا لزيارتهم ليس إلا. نستحضر هنا بعض من إفادات المعتقلين في ريكيفيت.
المعتقل (س. ج.): معتقل منذ كانون الأول 2023، تم التحقيق معه لمدة ستة أيام في سديه تيمان، تعرض خلالها لحلقات تحقيق "الديسكو" و"البامبرز" بحيث يجبر السجان المعتقل على الإستماع للموسيقى الصاخبة جداً والتي قد تؤدي الى تلف في الأذنين والدماغ والأعصاب، بالإضافة الى إستخدام الحفاضات لقضاء حاجته والتقاعس عن تغييرها. قال المعتقل بأنه حرم من النوم والطعام والماء (نصف كوب يومياً)، كان مقيد اليدين ومعصوب العينين على الدوام. تنقل بعد ذلك بين سجن عسقلان لمدة 45 يوماً، ثم معتقل المسكوبية لمدة 85 يوماً، ثم سجن عوفر، وأخيراً الى قسم ريكيفيت في سجن الرملة حيث يقبع اليوم.
بحسب المعتقل فإن ظروف الإعتقال في سجن الرملة هي الأشد صعوبة مقارنة مع باقي السجون. يتواجد في كل زنزانة ثلاثة أسرى ينام أحدهم على الأرض. أما الفورة فهي تتم يوماً بعد يوم وتعدّ مساحة للإذلال والإهانة، يبقى الأسرى خلالها مقيدي اليدين، ممنوعين من رفع رؤوسهم أو النظر للأعلى علماً أن الشمس لا تدخل مساحة الفورة على الإطلاق. أضاف "لا نعلم متى تشرق الشمس ومتى تغيب".
المعتقل (و. ن.): معتقل منذ كانون الأول 2024، حيث تم التحقيق معه من قبل المخابرات "الإسرائيلية" وتهديده وضربه في أحد معسكرات غلاف غزة، ثم نقل لاحقاً الى سجن الرملة. تحدث عن معاناته من مشاكل صحية وآلام شديدة في جسده، وقال إن ما يزيد الأمر سوءاً هو إجبارهم على الجلوس على الركبتين لساعات طويلة. كما ذكر تعرضه للإعتداء الجنسي من خلال ضربه بجهاز التفتيش على الأجزاء الحساسة في جسمه. أضاف أن المعتقلين لا يعلمون متى تشرق الشمس ومتى تغيب. يتم تزويد المعتقلين بثياب مهترئة ووسخة وتالفة ولكنهم مضطرون لإرتدائها لعدم توفر البديل، أما الملابس الداخلية فهي ممنوعة. وقال أن السجانين يجبرونهم على شتم أمهاتهم، ويضربونهم بإستمرار، وقد كسر أحد أصابعه خلال الضرب كما حدث مع أكثر من معتقل.
المعتقل (خ. د.): قال أنه تعرض لتحقيق "الديسكو"، ولاحقاً للتحقيقات المتكررة من قبل مخابرات الإحتلال حيث تم شبحه على الكرسي لفترات طويلة ودفعه الى الأرض وهو مقيّد. إستمر التحقيق معه لمدة 30 يوماً في سجن عسقلان. يعاني اليوم من أوجاع في الصدر نتيجة التقييد الى الخلف، بالإضافة الى مرض الجرب الجلدي الأكثر إنتشاراً بين المعتقلين، حيث أصيب به في سجن عوفر وإستمر معه بعد نقله الى سجن الرملة. وهو تكتيك إجرامي تتبعه سلطات الإحتلال، فهم يعاقبون الأسرى بعدم توفير الدواء لمرض الجرب، وينقلون الأسرى المصابين بين الزنازين والسجون والمعتقلات بهدف نشر العدوى وبالتالي إصابة العدد الاكبر منهم بالمرض. وأشار المعتقل بأن إدارة السجن تعاقب الأسرى من خلال كسر إصبع الإبهام.
المعتقل (ع. غ.): أمضى 35 يوماً في سديه تيمان حيث تعرض لتحقيق "الديسكو" لمدة خمسة أيام. كان مصاباً عند إعتقاله، أصيب بحمى شديدة، كان يصرخ من شدة الألم، ولم يتلق أي علاج. بالإضافة الى كونه يعاني من مشاكل في القلب مما أدى الى فقدانه الوعي لمراتٍ عدة. قال أنه لم يكن لديه ملابس أو حتى غطاء رغم البرد الشديد في البركس الذي كان محتجزاً فيه مما فاقم من معاناته. تم نقله لاحقاً الى قسم ريكيفيت في سجن الرملة حيث كاميرات المراقبة منصوبة في جميع الغرف والزنازين لتوثيق جميع تحركات الاسرى على مدار الساعة. يمنع على الأسرى الصلاة، يهددون بالقتل بشكل دائم، لا يرون الشمس بتاتاً، يجبرون على شتم أمهاتهم، يسمح لهم بالإستحمام بحسب الوقت والمدة التي يحددها السجان، يزودون بلفائف ورقية للحمام مرة كل ثلاثة ايام، أما كميات الطعام فقليلة جداً. أضاف المعتقل بأنهم لا يعلمون نهارهم من ليلهم، إلا أنهم قد يدركون وقت الفجر وهو الموعد الذي يقوم فيه السجانون بسحب الفرشات والأغطية من الغرف. أما عن الفورة، فأضاف بأنها فرصة للسجانين للإعتداء علينا بالضرب المبرح والإهانة بينما نحن مقيدي الأيدي.
الجدير بالذكر أن عدد معتقلي غزة في السجون "الإسرائيلية" الذين إعترفت بهم إدارة سجون الإحتلال حتى شهر نيسان 2025 الحالي بلغ 1747 ممن تم تصنيفهم بالمقاتلين غير الشرعيين. هذا الرقم لا يشمل معتقلي غزة في معسكرات جيش الإحتلال، إنما المعتقلين تحت إدارة السجون فقط.
*كاتبة فلسطينية مقيمة
في الولايات المتحدة الأميركية
7 أيار 2025