/مقالات/ عرض الخبر

العدوان على سوريا رسالة لكل الأمة.. فهل تستيقظ؟

2025/05/07 الساعة 05:39 م

أسماء بزيع

في مشهد يعيد إلى الذاكرة أسوأ لحظات العرب السياسية، ويُكرّس واقعًا مؤلمًا من الغياب العربي عن ساحات الفعل، تعرضت سوريا، لسلسلة اعتداءات "إسرائيلية"، لم تكن الأولى، وربما – إن استمر الصمت – لن تكون الأخيرة. لكن ما جرى هذه المرة يرقى إلى ما هو أبعد من "استهداف عسكري"أو "ردع استباقي" كما يروّج المعتدون. ما جرى هو رسالة دامغة، موجهة إلى الأمة جمعاء، فحواها أن من لا يحمي نفسه، لن يحميه أحد، وأن الجغرافيا بلا سيادة، تصبح ساحة لتصفية الحسابات الدولية.

إن هذه الاعتداءات تكشف، مرة أخرى، حجم التراجع العربي أمام التحديات الإقليمية والدولية. فالغارات التي خرّقت ليل الشام، لم تخرق سماء دمشق وحدها، بل خرقت ما تبقى من جدار التضامن العربي، لتكشف هشاشته وانكفاءه، إن لم نقل تواطؤه الصامت في بعض الزوايا. والأسئلة التي تطرح نفسها اليوم، بلا مجاملة أو تبرير: أين هي المواقف الرسمية الصريحة؟ أين هي الإرادات السياسية التي تستطيع أن تقول "لا" في وجه هذه الانتهاكات؟ هل ما زال في الجسد العربي متسع لصوت حرّ يعبّر عن وجع الأمة كلما سقط جزء منها تحت الضربات؟

إن استهداف سوريا – بما تمثله من موقع جيوسياسي واستراتيجي – ليس حدثًا عرضيًا، بل خطوة محسوبة ضمن مشروع أكبر يعيد رسم خارطة النفوذ في المنطقة. العدوان لا يستهدف بنية عسكرية فحسب، بل يستهدف رمزًا للممانعة، ودولة حاولت رغم الحرب والحصار أن تبقى واقفة. وبالتالي، فإن صمت العواصم العربية أو اكتفائها ببيانات التنديد لا يصب إلا في مصلحة المعتدين، ويفتح الباب واسعًا أمام تكرار المشهد، في أماكن ودول أخرى، قد تكون هي الهدف التالي.

وهنا، لا بد من أن نسأل بصوتٍ لا يحتمل الهمس ولا يجديه الحياد: ما الذي بقي من معنى "العروبة" حين تسقط دمشق، ويُمنع عنها الهواء والدعم والدعاء؟ أين هي جامعة العرب حين تُنتَهك عضوية الدم، وتُذبح السيادة بسكاكين التحالفات المريبة؟ أين النخوة، وقد تحوّلت بعض العواصم إلى أبواق تبريرية للعدوان وتزيّنه، بل في جوهرها تغطي على جريمة معلنة في حق وطن، وأمة، وتاريخ؟

العدوان على سوريا اختبار أخلاقي قبل أن يكون تحديًا سياسيًا. بل سؤال وجودي للأمة: هل تملك من الوعي ما يجعلها ترى الصورة كاملة؟ هل تستشعر الخطر الداهم الذي لا يقف عند حدود الجغرافيا السورية، بل يتمدد إلى كل شبرٍ من الجسد العربي المُنهك؟ فالعدو حين يختار هدفه، لا يضرب بقعة بقدر ما يرسل رسالة: "أن لا أحد بمنأى، وأن من لا يملك القوة، ولا يصوغ مصيره بإرادته، سيكون أرضًا مستباحة، وحديقة خلفية للخرائط الجديدة."

والسؤال الجوهري: هل تستيقظ الأمة؟

وهل يكفي أن تستيقظ؟ أم أنّ الاستفاقة المتأخرة لن تُجدي حين يكون السيف قد سبق العذل؟ إن وعي اللحظة لا يكفي ما لم يتحوّل إلى مشروع مقاومة شاملة، تبدأ بتحرير الإرادة الوطنية من قيد التبعية، وتنتهي بإعادة تعريف الأمن القومي العربي كمنظومة لا تتجزأ، فيها سقوط دمشق يُعدّ سقوطًا للقاهرة، واحتراق حلب يُعدّ إنذارًا لبغداد، وانكسار درعا يُعدّ طعنة في خاصرة الجزائر، والرباط، وصنعاء.

لقد آن لنا أن نُدرك أن العدو لا يفرّق بين شرق عربي وغرب، ولا بين سنّي وشيعي، ولا بين دولة غنية وأخرى فقيرة. هو يرى الكل مشروع فراغ، وموردًا للنهب، وأرضًا جاهزة للتفكيك. فإن لم نرتقِ إلى مستوى الوعي الجمعي المقاوم، وننهض بمشروع نهضوي عروبي يستند إلى الحق والقوة، سنبقى نكتب بيانات العزاء، ونُقيم سرادقات الرثاء لأوطان تتساقط تباعًا كأوراق الخريف.

في النهاية، لا نحتاج إلى من يُفسّر لنا العدوان، بل إلى من يوقفه. لا نحتاج إلى محللين بقدر ما نحتاج إلى فاعلين. فالتاريخ لا يرحم المتقاعسين، والأمم التي تفقد بوصلة الكرامة، تُمحى من الجغرافيا ومن الذاكرة.

فهل تستيقظ الأمة… قبل أن تُغلق كتبها إلى الأبد؟

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/215395

اقرأ أيضا