قبل إيام، ارتقى أسيران فلسطينيان في السجون الصهيونية: ناصر خليل ردايدة (49 عاماً) من بلدة العبيدية بمحافظة بيت لحم، الذي استشهد في مستشفى هداسا بعد نقله يوم 20/4 من سجن عوفر، وحسن عديلي (20 عاماً) وهو معتقل منذ 22/3/2024، ومحكوم بالسجن الفعلي لمدة عام وشهر. وفي بداية الشهر ذاته، استشهد تيسير صبابة أبو السعيد، المعتقل منذ 10/2024، من مدينة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة.
جاء في بيان هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني يوم 20/4 أنه "باستشهاد المعتقل ردايدة فإن عدد الشهداء بين صفوف الأسرى والمعتقلين منذ الإبادة يرتفع إلى 65 شهيدا، وهم فقط المعلومة هوياتهم في ضوء استمرار جريمة الإخفاء القسري، من بينهم على الأقل 40 من غزة". يذكر أن أكثر من 300 أسيرا استشهدوا في سجون العدو منذ العام 1967.
يشكل اغتيال الأسرى في سجون العدو الصهيوني إحدى الجرائم التي يقترفها المستوطنون الصهاينة بحق الأسرى والمعتقلين. فيتم اغتيالهم بشتى الطرق، التعذيب، التجويع، القتل والإهمال الطبي وانتشار الأمراض. ولأن القتل والتعذيب الجسدي والنفسي والإذلال والقمع الممنهج كانت وما زالت الممارسة المتبعة ضد الأسرى والمعتقلين منذ إقامة هذا الكيان الاستيطاني، تصرّ المقاومة الفلسطينية، ومنذ عقود من الزمن، على تحريرهم بخطف المستوطنين الصهاينة واعتقالهم لتنفيذ عمليات تبادل، باعتبار قضية الأسرى قضية وطنية إنسانية جامعة، ولا يمكن تحريرهم إلا بطريقة التبادل، وتعتبر كل عملية خطف من أجل تحريرهم شرعية في ظل الاحتلال والمجتمع الدولي ومؤسساته، التي لا تحمي الأسرى من التوحش الصهيوني.
فتجلّت آخر عملية لتحريرهم في معركة "طوفان الأقصى" المجيدة، التي حرّرت الى الآن المئات من الأسرى من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات، الى جانب الأطفال والنساء والمرضى، وما زالت عملية "طوفان الأحرار" مستمرّة الى الآن، رغم تعثرها منذ بضعة شهور.
تدهورت حالة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الصهيونية بشكل دراماتيكي منذ بداية حرب الإبادة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث يمكن القول أن حرب الإبادة على قطاع غزة توسّعت أيضا الى السجون. إضافة الى جريمة التجويع والإذلال وانتشار الأمراض الجلدية المميتة، تصاعدت عمليات التعذيب والضرب في معظم السجون بحيث باتت أي ممارسة تصدر عن السجانين الصهاينة تعدّ جريمة موصوفة.
تفيد شهادات الأسرى المحررين مؤخرا والجمعيات والهيئات الفلسطينية المعنية بشؤون الأسرى ان الجرائم الصهيونية بحق الأسرى لا تعدّ وأن أساليب التعذيب متنوعة، منها الشبح والتعليق، حيث يتم تعليق المعتقل من يديه أو قدميه لساعات أو أيام وإجباره على الوقوف في وضعيات مؤلمة لفترات طويلة، والضرب المبرح باستخدام الهراوات والعصي والصعق الكهربائي، والركل، والحرمان من النوم، حيث يبقى المعتقل مستيقظا لساعات وأيام، واستخدام الإضاءة الشديدة لمنع النوم، الإهانة والإذلال عن طريق البصاق على المعتقلين، والشتائم، واستخدام الكلاب البوليسية. ومن بين أساليب الإهانة التي يمارسها الصهاينة، الحفر على جسد ورأس الأسير عبارات أو رسوم صهيونية، كما تم ذلك على رأس الأسير المحرّر مصعب قطاوي من مدينة قلقيلية، الذي أفاد من جهة أخرى : "الاحتلال نكّل بي وبالأسير المحرر أحمد مناصرة، وتم وضع رأسينا داخل حاويات القمامة".
وأصبحت القيود أداة للتعذيب أيضا. لقد تعمدت منظومة السجون والمعسكرات من تقييد المعتقلين بشكل دائم وأدت الى بتر أطراف بعض الأسرى، كما جرى في معسكر سديه تيمان. يفيد تقرير لنادي الأسير الفلسطيني أن مستوى الجرائم في سجني النقب ومجدو في تصاعد فيما يتعلق بعمليات التنكيل والقمع ومستوى التجويع (استشهد الأسير وليد محمد -17 عاما- جراء جريمة التجويع)، وتصاعد انتشار الأمراض والأوبئة، وخاصة مرض الجرب (السكايبوس).
رغم كثافة الجرائم في سجون العدو، لم يتحرّك "المجتمع الدولي" لوضع حد لها، ولم يصدر حتى بيانات تندّد بهذه الممارسات الوحشية، وكأن الأسرى الفلسطينيين والمواطنين المخطوفين يوميا من بيوتهم لا يستحقون نظرة ولا كلمة. لا يمكن اعتبار ان صمت الحكومات الغربية المسيطرة على "المجتمع الدولي" له علاقة ب"ازدواجية المعايير"، كون أغلب هذه الحكومات وريثة لتاريخ دموي ووحشي ومعاييرها واحدة (معاداة العرب والمسلمين والشعوب المستضعفة غير الغربية). فالدولة الفرنسية التي استعمرت الجزائر خير مثال على ذلك، فارتكبت في هذا البلد العربي أبشع الجرائم في سجونها الاستعمارية وترفض الى اليوم الاعتراف بجرائهما.
تستذكر هذه الدول الاستعمارية تاريخها من خلال الممارسات الوحشية الصهيونية، كما تشير دراسة الأستاذ نور الدين المقدار (المجلة التاريخية الجزائرية، ماي 2017) الذي نقل شهادات "حية لبعض من الذين عُذّبوا بمراكز التعذيب بمنطقة الحضنة".
فوصف وضع الأسرى الجزائريين كما يلي : "يوضع المعتقل في دهاليز أو مطامير مخصصة.. يحبس فيها معتقل واحد أو مجموعة من المعتقلين.. مركز "سد القصب" ومركز "السكدرون" بحمام الضلعة توجد مطامير.. يوضع فيها المعتقلون لمدة أيام وحتى أشهر، ولا يعطونهم من الطعام إلا القليل ويقضون حاجتهم فيها، وعندما يخرجون يبدون وكأنهم خرجوا من قبور، لا يستطيعون الحركة وتجد ملامحهم البشرية قد تغيّرت.. وضع عمار عطوي برفقة أربعة معتقلين في مطمورة بمركز "بن ضوشة" في أفريل (نيسان) 1958 لمدة ثمانية أيام، غذاءهم خبزة واحدة في اليوم لمجموعهم.. (وتم) تسليط الكلاب لنهش أجساد المعتقلين مثل ما حدث مع المجاهد مويسات رمضان".
لكن التوحش الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وأسراه تفوّق بدرجات، كما ونوعا، على التوحش الغربي الاستعماري، على الأقل بنقطتين : في حين كان التوحش الغربي بحق الشعوب المستعمرَة يمارس من قبل محقّقين متمرّسين بكيفية التعذيب الجسدي والمعنوي ويتبعون أكاديميات لهذا الخصوص، يمارس جميع السجانين الصهاينة، بكل فئاتهم ونوعياتهم، التعذيب الجسدي والاغتصاب كأشرس أنواع التعذيب والإذلال، واستخدموا أفراد باعوا ضميرهم للشيطان الصغير والكبير (أفراد من الطائفة الدرزية) لمساعدتهم في توحّشهم. لقد ذكر الشهيد أبو حمزة، الناطق العسكري لسرايا القدس في كلمة له يوم 26/7/2024، هذا الموضوع موجها كلامه الى "الأفراد في الشرطة من الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، الذين كلّفهم العدو بممارسة أقسى أنواع التعذيب والإهانة". فطالب "كبار رجال الطائفة الدرزية وعائلات السجانين الدروز بالوقوف عند سلوك أبنائهم القذر ومنعهم من القيام بدور العدو المجرم" لأن "هذا السلوك لن يأتي إلا بنتائج سلبية والدوافع الانتقامية القاتلة اليوم، أو غدا أو عند أية فرصة".
والنقطة الثانية التي تفوّق فيها الصهاينة على المستعمرين الغربيين هو التعذيب والإهانة أمام الكاميرات، في حين كان الغربيون يمارسون في الماضي توحّشهم في الخفاء، خشية من الفضائح والتوبيخ. كان ذلك قبل قضية سجن أبو غريب، حيث نشر المحتلّون الأميركيون الصور التي تظهر فيها كيف كان يعذّبون ويهينون العراقيين (خلال الاحتلال الأميركي للعراق). تفوّق الصهاينة على معلّميهم وباتوا ينكّلون بالفلسطينيين عامة ويعّذبون الأسرى ويصوّرون جرائمهم، لأنهم يدركون أن الحكومات الظالمة الغربية، وأولها الولايات المتحدة، تؤيد حرب الإبادة في قطاع غزة وكافة الممارسات الوحشية، لأن العقلية الاستعمارية ما زالت مسيطرة على نخبهم الحاكمة.
تفوّق التوحّش الصهيوني على الاستعمار الغربي لن يجلب له ولكل الظالمين مثله إلا خرابهم. لذلك، فالتمسّك بالمقاومة وبسلاح المقاومة يبقى الطريق الوحيد للتحرّر منهم والتحرير والكرامة لشعوب الأمة
كلاب أميركا في سجن ابو غريب بالعراق.