/منوعات/ عرض الخبر

مختارات... من كتابات أهالي غزة حول الموت الذي يتجول في كل مكان!

2025/04/17 الساعة 02:03 م

وكالة القدس للأنباء - خاص

كثيرة هي القصص المؤلمة والحزينة التي يسطرها أهالي قطاع غزة بدمائهم ودموعهم وجراحهم، منذ 16 شهراً من حرب الإبادة "الإسرائيلية" الأميركية "العربية" ، التي هي الأكثر وحشية في التاريخ المعاصر، والتي استشهد فيها حتى الآن أكثر من واحد وخمسين ألف مواطن إضافة إلى مئة وواحد وستين ألف جريح، وآلاف المفقودين، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ ..  قصص واقعية تهز الوجدان، وتدين الصمت والتقصير الدولي والعربي والإسلامي .

الأهالي عبروا في قصصهم التي سيخلدها التاريخ، عن الموت الذي يتجول في الطرقات، وفوق خيام النازحين، والمنازل والمستشفيات، وفي كل مكان، ما يزال فيه بعض أشكال الحياة.. إنهم يعيشون كابوساً يومياً لا يعرفون متى وكيف ينتهي، هم شهداء أحياء، لا يعرفون ما يخبؤه لهم القدر في اليوم التالي.

 ولم يكن الصحفيون استثناء من هذا الواقع الصعب، حيث  أصبحوا هدفاً للعدو من أجل طمس الحقيقة، وعدم نقل المشاهد المأساوية للعالم، وحصر البث للرواية "الإسرائيلية" الكاذبة.

مستشفى الشفاء

كيف تتسع الذاكرة لهذا الوجع !

"وكالة القدس للأنباء" تابعت عن قرب كل ما كتبه ونشره أهالي قطاع غزة، وقد اختارت بعض النصوص المعبرة، لتقديمها للرأي العام، بهدف التعريف بظروف وواقع الناس التي تدمي القلوب.

وفي هذا السياق كتبت نردين أبو نبعة: "كانت تقف وسط الشارع.. تسأل كل من ينزح من مستشفى الشفاء عن زوجها وابنتها، بقيت 15 يومًا تسأل، ثم فكوا الحصار عن "الشفا"، فركضت مع الناس تبحث تحت الأنقاض.."عايش .. لساتك عايش؟"

هكذا كانت تصرخ. لقد وجدت زوجها كأنه خارج لتوه من الكهف، ذقن طويلة كثة، وجه مغبر، شعر طويل، ينظر بعينين تدوران في الفراغ، وبجانبه ابنته ذات الثماني سنوات ترتجف.. إنه الرعب بذاته. احكِ .. احكِ شو صاير معك؟!

لم يتكلم ولا كلمة .. لم يصدقوا أنهم على قيد الحياة، فقد اختلط الزمن وانحبس الكلام! بعد عدة أيام، عرفت زوجته أنه بقي ملتحفًا الغطاء الأبيض هو وابنته لمدة خمسة عشر يومًا، سمعوا كل شيء ورأوا كل شيء، كانوا أمواتاً ينتظرون القبر، عاشوا طوال الفترة على علبة فول، كل يوم يأكل حبة فول ويُطعم ابنته حبة فول، ويشربون الماء الذي في علبة الفول ..

يا الله كيف ستتسع الذاكرة لكل هذا الوجع؟".

الزنانات في سماء غزة

"الكواد كابتر".. الأصوات المرعبة

وأضافت عن قصة ثانية، قالت لي: "لعنة هذه الحرب .. كانت الكواد كابتر!!

أصحو فجأة على صوت غريب قرب النافذة، أزيز حاد يشبه صوت سرب دبابير، يطن طنيناً مرعباً، مع كل رفة جناح يجفل قلبي وللحظة أعتقد أن قلبي انخلع من مكانه!!

ثم فجأة .. تعلوا أصوات أطفال يشهقون ويبكون بحرقة، أنين نساء يتعرضن لجلسة تعذيب وينزفن جراحهن!

كدت أركض لأفتح النافذة، فأصوات الأطفال والنساء عذبتني، اقتربت من النافذة، علت الأصوات وكأن أجنحة الدبابير مروحة تهرس شيئا عالقاً بها.. ثم تراجعت في اللحظة الأخيرة، فماذا عساني أفعل وأنا أسكن في الطابق الخامس، وصوت الزنانة فوق رأسي وسِرب الدبابير قرب نافذتي والحزام الناري لايهدأ.. لأكتشف بعد ذلك أن كل صوت سرب الدبابير .. وأصوات الأطفال والنساء.. هو صوت الكواد كابتر ..

أستطيع أن أُلخص الحرب بجملة واحدة.. "إنها الأصوات المرعبة" التي تُلقي قلبك في وادٍ سحيق !!

أجساد ممسوحة مع التراب..

قالت لي: "بتعرفي شو يعني النزوح قسراً؟ النزوح قسراً أن تمشي والدبابة وراءك ..

كل رجل أو امرأة أو طفل يتعب تدوسه الدبابة!!" تدوسه؟

"نعم رأيتُ بأم عيني أجساداً داستها الدبابة ذهاباً وإياباً ممسوحة مع تراب الأرض!!" يا ترى كم من المشاهد لم تصلنا !!

استهداف الصحفيين

العدو يقصف صوتنا.

وعن استهداف الصحفيين كتب الصحفي عبدالله العطار الذي أصيب بقصف للعدو: "ما كنت شايل بندقيّة، كنت شايل عين بتحكي القضيّة.. بس حتى العين، صارت هدفاً، شظيّة غرست بالكبد، بس ما غرست بالحق، كنا نوثق وجع الناس،

صرنا إحنا الوجع وتحت خيمة الصحافة، نزفنا الكلمة... ما سكتنا. العدو بيقصف صوتنا، بس الصوت... بعده حي، والكلمة بعدها بتقاوم.

وكان قد قال في وقت سابق: "اعتدت أن أكون من يروي الخبر ومن يوثقه… لا من يُروى عنه، لكن في محرقة الصحفيين في مخيم ناصر، سقط الخبر مستقراً كشظايا حارقة في كبدي وفي قدماي. الآن، أجلس تحت العناية الطبية، بجسدٍ يتقاسمه الصمت والشظايا، وما زلت أنتظر تقرير الأطباء لأعرف: هل أخرج؟ ومتى؟ وكيف؟ أكتب لكم من سرير في مشفى لا يسمع صدى الألم، ولا يملك متسعاً للحكايات التي نكتبها بدمنا.

دعواتكم… فالمعركة لم تنتهِ، والصوت وإن جُرح، لا زال حياً.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/214801

اقرأ أيضا