قائمة الموقع

غزة.. تعددت "المبادرات" والهدف سلاح المقاومة!

2025-03-30T12:05:00+03:00
أسماء بزيع*

منذ أن تحوّلت غزة إلى أيقونة للصمود في وجه آلة البطش الصهيونية، وفرضت نفسها مقاتلًا عصيًا على الكسر في المعادلة الإقليمية، لم تتوقف المبادرات الدولية والإقليمية التي تُغلّف نفسها بشعارات السلام والتسوية، لكنها تخفي وراء ستائرها غاية أوضح من الشمس: تجريد المقاومة من سلاحها، وجعلها لقمة سائغة في فم الاحتلال، بلا أنياب تدافع بها عن حقوق شعبها، وبلا درع يقيها غدر العدو المتربص.

ففي كل جولة تصعيد، يهرع الوسطاء، وتُطرح المبادرات، وتُنسج الحلول الدبلوماسية التي تبدو في ظاهرها "حلاً إنسانياً"، لكنها في جوهرها تسعى لتحويل غزة إلى كيان منزوع السلاح، سهل الاجتياح، خاضع لإملاءات سلطات الاحتلال.

ولم تكن المشكلة يومًا في عدد الشهداء أو حجم الدمار، فقد أثبت المجتمع الدولي مرارًا أن دماء الفلسطينيين لا تعني له شيئًا، بل المشكلة في نظرهم تكمن في أن غزة تقاتل، تصنع سلاحها، وتراكم قوتها، وتربك حسابات الاحتلال. لذا فإنّ المعادلة واضحة: يريدون غزة ضعيفة، بلا مقاومة، بلا قدرة على الردع، تُذبح بلا أن تملك حق الدفاع عن نفسها. يريدونها رقعة جغرافية خانعة، محاصرة بإرادة سياسية دولية، لا بصواريخ المقاومة التي تخترق أسوار الاحتلال وتكسر هيبته.

والمبادرات، بأثوابٍ شتّى، وعلى اختلاف راياتها وأسماء حامليها، تتغير في الشكل، لكنها تلتقي في المضمون: "هدنة طويلة مقابل نزع السلاح"، "إعمار مقابل تفكيك القدرات العسكرية"، "ضمانات دولية للتهدئة مقابل التخلي عن المقاومة المسلحة"… كلّها عناوين براقة، لكنها جميعًا تصب في الهدف ذاته، وإن تغيرت المسميات والمسالك.

بين فك الحصار ونزع السلاح.. معادلة مختلة

 يتفنن العدو في ربط معيشة الفلسطينيين بسقف مطالب سياسية وأمنية، حتى بات فك الحصار مشروطًا بنزع السلاح، وكأن الحقوق الإنسانية الأساسية أصبحت رهينة لمعادلة ظالمة لا تراعي الحد الأدنى من الكرامة والسيادة. كيف لمن يقبع تحت الاحتلال أن يُجرد من أدوات دفاعه بحجة تحقيق الأمن؟ وكيف لمن أُغلقت أمامه كل السبل أن يُطلب منه الاستسلام دون ضمانات حقيقية؟

تتكرر السيناريوهات ذاتها: حرب شرسة، صمود بطولي، ثم اندفاع دبلوماسي لإيجاد ما يسمونه تسوية، تتصدرها دول ومنظمات، بعضها بحسن نيَّة، وبعضها بغايات مشبوهة. وفي كل مرة، يكون الحديث عن "مرحلة جديدة" و"واقع مختلف"، لكن الثابت الوحيد هو الهدف الاستراتيجي للعدو: كسر شوكة المقاومة وتجريدها من مخالبها، ولو ببطء وتدرج.

التهدئة.. فخٌ باسم "الاستقرار"

كلما فرضت المقاومة معادلتها، هرعت القوى الدولية والعربية لطرح حلول ظاهرها السلام وباطنها التفكيك. تهدئة طويلة الأمد؟ مقابل ماذا؟ مقابل وقف تصنيع الصواريخ، تفكيك الأنفاق، تسليم السلاح أو ضبطه. لا أحد يتحدث عن وقف العدوان الصهيوني، لا أحد يطرح مبادرة تلزم الاحتلال بعدم القتل والتدمير، لأن الأصل في سياستهم أن يظل الاحتلال فوق المحاسبة، وأن تبقى المقاومة في دائرة الاتهام.

أي اتفاق لا يضمن بقاء المقاومة المسلحة هو فخّ، وأي مبادرة لا تُقرّ بحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه هي مؤامرة، وأي تهدئة لا ترتكز على ردع الاحتلال ليست إلا استراحة للمحتل ليعيد ترتيب صفوفه ويشن عدوانًا جديدًا أكثر وحشية.

المقاومة.. خيار شعب قبل أن تكون قرار فصيل

ما يتناساه أصحاب المبادرات أن المقاومة، قبل أن تكون قرارًا سياسيًا تتخذه فصائل بعينها، هي خيار شعبي يعبر عن إرادة جماعية لا تقبل الخضوع. هذا السلاح الذي يحاولون نزعه لم يُمنح للمقاومة من أحد، بل انتزعته من بين ركام المجازر، وسقته بدماء الشهداء، وجعلت منه درعًا يحمي الوجود الفلسطيني من محاولات الإبادة المتكررة.

لا يمكن لفلسطيني فقد بيته وأرضه وأحلامه أن يقبل بمبادرة تجرده من آخر أدوات الدفاع عن كرامته، ولا يمكن لمن عاش تحت القصف أن يثق بوعود دولية لطالما أثبتت أنها حبر على ورق، تُكتب لمصلحة الأقوياء، لا لإنصاف المظلومين.

لذلك قد تتغير العناوين، وقد تتلون المبادرات، لكن جوهر الصراع سيظل واحدًا: شعب يقاتل من أجل حريته، وعدو يسعى لتجريده من كل أدوات القوة. وطالما بقي الاحتلال جاثمًا فوق الأرض الفلسطينية، فإن الحديث عن نزع السلاح ليس سوى وهم يروجه من يريد لميزان القوى أن يظل مختلًا لصالح المعتدي.

المقاومة.. خط أحمر لا يُمس

غزة، التي قاومت الحصار والعدوان، لن تستسلم تحت ضغط المبادرات الملغومة. فكما سقطت مشاريع الاستسلام السابقة، ستسقط كل محاولة لنزع سلاح المقاومة، لأن هذا السلاح ليس مجرد بندقية، بل رمزٌ لحق شعب في الحياة، ووسيلة لحماية أمل الحرية حتى يأتي اليوم الذي تتحقق فيه السيادة الحقيقية، بلا احتلال ولا وصاية.

وقد أخطأ من ظن أنها ستلقي سلاحها تحت أي ظرف. هذه الأرض لا تعرف الاستسلام، وسلاحها ليس ورقة تفاوض بل حق مشروع لا يقبل المساومة. منذ عقود، جرّبوا كل شيء: حصار، عدوان، اغتيالات، تخويف، وها هي غزة لم تنكسر. سلاحها بات أقوى، ومقاومتها أشدّ بأسًا، ووعي شعبها أوضح من أن يُخدع بشعارات السلام

الزائف.

ستظل المبادرات تتكرر، والضغوط تتزايد، لكن غزة تعرف درس التاريخ: لا كرامة لشعب أعزل، ولا حياة لمن يُسلّم سلاحه، ولا أمن في ظل احتلال لم يعرف يومًا سوى لغة القتل والغدر. فليطرحوا مبادراتهم، وليمارسوا ضغوطهم، غزة التي لم تركع تحت القصف، لن تستسلم تحت الطاولة

وكالة القدس للأنباء*!

اخبار ذات صلة