قائمة الموقع

الضفة الغربية المحتلة: المقاومة تواجه معسكر الشر

2025-03-24T12:42:00+02:00
تصعيد المقاومة في الضفة
راغدة عسيران

"إن الفعل المقاوم الذي يترجمه المجاهدون في الضفة الباسلة وفي مخيم جنين تحديداً عبر رصاصهم المبارك، لهو دليل وتأكيد على أن فكرة المقاومة متجذرة ومتوارثة لا يمكن إحباطها أو تجاوزها، ونؤكد على استمرار المقاومة في كل شبر من فلسطين المحتلة طالما بقي الاحتلال حتى حرية الأرض والإنسان."(أبو حمزة الناطق العسكري لسرايا القدس، الشهيد ناجي أبو سيف)(16/08/2021)

منذ حوالي شهرين، يشنّ جيش العدو الصهيوني حربا استئصالية على الضفة الغربية المحتلة، لا سيما في شمالها. قبل إيام، وبالتزامن مع مواصلة التهجير وتجريف الطرق وتدمير المنازل في جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها وحولها، أقدمت القوات الهمجية على تدمير وتهجير مخيم العين في نابلس.

لقد ارتقى منذ بدء الهجوم الوحشي على فلسطينيي الضفة الغربية 36 شهيدا في جنين و13 شهيدا في طولكرم و14 شهيدا في طوباس، و82 شهيدا في كل محافظات الضفة. ومنذ بداية العام، ارتقى 108 شهيدا في الضفة الغربية عموما.

في ظل حكومة نتنياهو في كيان العدو ورئاسة ترامب للولايات المتحدة، توضّحت خطة العدو الصهيو-أميركي بشأن فلسطين عموما والضفة الغربية خصوصا. تقضي هذه الخطة على توسيع الاستيطان باتجاه البلدات والمدن الفلسطينية، القضاء على التجمعات السكنية الفلسطينية، لا سيما مخيمات اللجوء المقاومة، عزل مناطق الضفة الغربية عن بعضها البعض أكثر مما هي عليها الآن، وتشكيل إدارات محلية عميلة على سكانها، في الوقت الذي تم طرح مشروع إلغاء اتفاقيات أوسلو من قبل كنيست العدو والتخلّص من السلطة الفلسطينية المنبثقة عنها. يعتبر الصهاينة أن هذه الاتفاقيات كانت كارثة عليهم، في حين كانت فعلا مناسبة لتوسيع الغزو الاستيطاني ومحاولة لتشكيل "الفلسطيني الجديد" المتجاوب مع المحتل والراضخ للاستعمار الغربي الممّول لعملية التطبيع السياسي والأمني والاقتصادي.

تنتمي معظم الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، الى معسكر الشر المعادي لحرية الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة، وكذلك ما يسمى بالمجتمع الدولي وأغلب مؤسساته التي رضخت للسلاح الأمريكي. لم تكن يوما الدول الغربية، ذات التاريخ الاستعماري، موالية للحق الفلسطيني، بل اضطرت أحيانا للموافقة على اتفاقيات تمنح بعض الفتات الى الشعب الفلسطيني لمنع تطور المقاومة وكسر كيان العدو.

فلذلك، تصب كل تصريحات هذه الدول أولا ضد المقاومة التي تنعتها بـ"الإرهاب"، حتى وإن كانت عملياتها البطولية تقع في مجال الرد على العدوان الصهيوني الواضح، دفاعا عن أرضها وشعبها. ثم تدعو التصريحات الباهتة والمكررة لهذه الدول أو مؤسساتها، عندما يشتدّ العدوان الاستعماري الصهيوني، الى وقف الاعتداءات وتتباكى على مصير الفلسطينيين، كما هو الحال الآن بالنسبة لوضع الضفة الغربية، وتعيد أسطوانة "حل الدولتين"، وهي تدرك تماما أنه غير واقعي بوجود كيان استيطاني همجي وتوسعي، لكن هذه التصريحات العبثية تغطي عجزها أو انحيازها للمخططات الصهيو-أميركية الأستئصالية.

تدعم الدول الأوروبية وخاصة ذات التاريخ الاستعماري، كل مشاريع التطبيع مع كيان العدو. فهي تموّل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، التي تدرّبها الولايات المتحدة لإعادة تشكيلها لتكون حامية للمصالح الصهيونية أولا، ومن ثم مصالح الفئة الفلسطينية الحاكمة. وتدعم السلطة الفلسطينية لجرّها الى التطبيع مع كيان العدو، وتموّل مؤسساتها والمؤسسات الدولية التطبيع الاقتصادي والثقافي (الضغط من أجل تغيير المناهج التعليمية التي تسرد تاريخ الشعب الفلسطيني ومقاومته) والسياسي والأمني.

وبسبب السيطرة الأميركية على التمويل، لا يمكن لأي تمويل عربي أو إسلامي مستقل وحرّ لأي مشروع تنموي واجتماعي أن يصل الى أهل فلسطين إلا من خلال الرقابة الغربية والصهيونية، ما يعني أن الدول الغربية ومؤسساتها تحاصر الشعب الفلسطيني، ليس فقط عن طريق سلاح العدو وحواجزه، بل أيضا من خلال السيطرة على مسارات التمويل. كل ذلك يعني أن الغرب الاستعماري والمؤسسات التي سيطر عليها يشنّ حربا اقتصادية على الشعب الفلسطيني لمنعه من الصمود في وطنه.

انضمت الأنظمة العربية المطبعّة و"الحيادية" الخاضعة للولايات المتحدة الى معسكر الشر. لقد سلّمت أغلب الأنظمة بالتفوق العسكري الأميركي ولم تتمكن من الخروج من الولاء له، أو لا تريد لارتباط المصالح. يحاول بعضها إبداء نوعا من التمرّد اللفظي في حين تخشى بعضها أن يتم ضرب مصالحها التي هي بالأساس مصالح شخصية لحكامها والمتنفذين فيها، الذين كبّلوا البلاد التي يسيطرون عليها بشبكة مصالح أمنية واقتصادية. يحكم بعضها الشعب الذي تسلّط عليه بالقمع والسجون والقتل، وبعضها بديمقراطيات صورية (مجالس نيابية بعيدة عن تمنيات الشعب ومصالحه)، خاضعة للرقابة الدولية.

تمنع معظم هذه الدول المظاهرات الشعبية ضد انضمام الولايات المتحدة الى حرب الإبادة في غزة والحرب الإستئصالية في الضفة الغربية، فتريد أولا إرضاء "الشيطان الأكبر" وليس الشعب الذي تتحكم به أو تدعي تمثيله. تتعامل مع العدوان الصهيوني على فلسطين وكأنه عدوانا على بلد في اميركا اللاتينية، ولولا انتماء شعوب الأمة لفلسطين، لكانت لم تصدر أي بيان يندّد  بالمجازر والعدوان. تعادي مقاومة الشعب الفلسطيني وتندد بالعمليات التي ينفذها، لإرضاء الولايات المتحدة. فرضخت للإملاءات والشروط الأميركية التي تمنع استقلالها وتنمية اقتصادها ومجتمعها والبحث عن حلول لأزماتها خارج الفضاء الاستعماري الأميركي.

وأخيرا، لا تخرج السلطة الفلسطينية  وأجهزتها الأمنية من معسكر الشرّ المعادي لحرية الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة. فالسلطة أولا نتاج اتفاقيات أوسلو التي قتلت فكرة وفعل التحرير وفسحت المجال للغزو الاستيطاني، وتمثل السلطة ثانيا الدول العربية المطبّعة والمتأمركة، في حكم الجزء الضيق من فلسطين التي قبلت به كوطن. تسعى الى إرضاء الدول العربية "الغنية" لكسب ودّها وتمويلها وتوسطها لدى الولايات المتحدة، لتكريس سيطرتها على الضفة الغربية المحتلة (ما بقي منها). تسعى لإنهاء حالة التمّرد والعصيان والمقاومة ضد الصهاينة لكسب أموال ومصالح اقتصادية لرجالها وعائلاتهم.

تقوم السلطة الفلسطينية بدور طلائعي بين الدول العربية لكسر الروح الثورية الرافضة للخضوع أمام الصهيو-أميركي والأجنبي في العالم العربي والإسلامي. تقوم الى الآن، ورغم الحرب الصهيو-أميركية على الضفة الغربية وأهلها، على القمع والملاحقة للأحرار، خشية من إضعافها وإبقاءها خارج المعادلة القادمة، ظنا منها أن الحرب الصهيو-أميركية الحالية لن تطالها وأنه سينتج عنها تدمير فكرة المقاومة نهائيا

لقد أقدمت أجهزتها الأمنية، على شنّ هجوم تدميري على مخيم جنين في أواخر العام الماضي، قبل العدوان الاستئصالي الصهيوني الحالي، فقد مهّدت له. خلال هذا الهجوم، حاصرت الناس ودمّرت المنازل وقتلت المواطنين واعتقلت العشرات. قبل يومين، اتهمتها اللجنة الإعلامية في مخيم جنين بالتنسيق مع العدو لإخلاء منازل في جنين، وحذرت اللجنة من تسهيل عمليات الهدم والإخلاء التي يقدم عليها العدو. تقوم الأجهزة الأمنية اليوم بملاحقة واعتقال المواطنين في مراكز الأيواء حيث لجأ أهالي مخيات جنين وطولكرم وخلال هذا الشهر، قتلت أجهزة السلطة المطارد من قبل قوات العدو المقاوم عبد الرحمن أبو المنى.

خلال السنوات الماضية، لم تكف هذه الأجهزة المدرّبة من قبل الولايات المتحدة، من ملاحقة الأصوات الحرة، المقاومين أولا ثم الطلاب والصحافيين والمواطنين عامة الذين يرفضون الظلم. تريد السلطة الفلسطينية حصة تمثيلية في المشروع الصهيو-أميركي. لذلك، تعتقل كل الأحرار وتعذبهم في سجونها، كما وثّقته لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية، التي تحدثت عن تعذيب ممنهج وخاصة في سجني الجنيد وأريحا "اللذين تحولا الى مسالخ بشرية".

المقاومة الفلسطينية تواجه في الضفة الغربية كل هؤلاء بإرادة صلبة، لأنها تريد حماية  شعبها من الأشرار ومخططاتهم . في كل يوم ومنذ عدة أشهر على الأقل، تنفذ المقاومة عمليات دفاعية ضد هجمات العدو، وآخرها ما صدر عن سرايا القدس في نابلس وجنين، حيث خاضت سرية مخيم العين برفقة أخوانهم معارك مع قوات الاحتلال وأمطرتها بزخات كثيفة من الرصاص، ونفذت أيضا عملية هجومية حيث تمكنت سرية السيلة الحارثية من تفجير عبوة ناسفة من نوع "سجيل" على حاجز سالم العسكري. وقبلها بأيام، تمكنت كتيبة طوباس بإيقاع آليات العدو المقتحمة للمدينة بكمين محكم، وأمطرت قواته بزخات كثيفة من الرصاص.

تدرك المقاومة أن حاضنتها الشعبية ما زالت موجودة، رغم الحصار والتهجير والاعتقال، لأن لا سبيل للتحرّر من الاحتلال إلا بالمقاومة المسلحة أولا تدعمها المقاومة الشعبية المتنوعة ثانيا. لم تتوقف المواجهات الشعبية مع جيش العدو ومستوطنيه في كل أنحاء الضفة الغربية والقدس، كما رصد الإعلام الفلسطيني إطلاق العديد من الزجاجات الحارقة، خلال هذا الشهر، على مركبات المستوطنين.

تواجه اليوم المقاومة الفلسطينية، في كل تشكيلاتها وأفرادها، معسكر الشر، رغم ميزان قوى لصالح العدو. يعتبر محللون أن الأزمة العميقة التي يعيشها كيان العدو قد تنفجر قريبا وتغيّر مسار الأحداث، فيما يعتبر آخرون أن الأزمات في الدول الغربية والعربية المتصهينة والمتأمركة لا بد وأن تنفجر في مكان ما وتطيح بأحد مرتكزات معسكر الشر. ومهما يكن، فالمقاومة المستمرة، دفاعا عن الشعب والأرض، تؤجج الصراعات الداخلية في كيان العدو ودول العالم.

اخبار ذات صلة