لم يكتفِ الاحتلال بإعلان فشله في قطاع غزّة، فها هو اليوم يشطّ في عنجهيّته الّتي يعكسها على شمال الضفة الغربيّة بعُدوان مفتوح، وتخريبٍ للمنازل والطرقات، واستهدافٍ للمدنيّين العزّل، بالإضافة إلى حصارٍ متشدّدٍ بشكل واسع على مخيمَيّ طولكرم ونور شمس، والفارعة جنوب مدينة طوباس، وبشكل أوسع في مخيم جنين، الذي دمر الاحتلال فيه أحياء كاملة وشق طرقًا على ركام المنازل، معلنًا بذلك هدفه الواهي: نحو ضفّةٍ بدون مخيّمات!
ولم تتوقّف عنجهيّة المحتلّ عند هذا الحدّ، بل أدخل دبّاباته نحو جنين، تلك التي لم تدخُلها دبّابات الكيان منذ الانتفاضة الثانية، محاولًا بذلك أن يزرع الرّعب والخوف في قلوب المواطنين، فالدّبّاباتُ أغلقت العديد من الشوارع، ودخلت إلى أحياء المدينة، في محاولةٍ لطمس صمود الفلسطينيين وإخماد المقاومة، إذ يأتي هذا الفعل بالتّوازي مع تكثيف العمليات المستمرّة والعدوان الغاشم على الضفة ومخيّماتها، من تهجيرٍ لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، إلى تدمير منازلهم وحرمانهم من أولى مقوّمات العيش.
من هنا، فإنّ مخيّمات الضفة هي قلاعٌ وطنيّةٌ لا يمكن إسقاطها، مع العلم أنّ أهداف المحتلّ المختبئة هي أن يطمس حقّ العودة، وأن يكسر كلّ ما يشير إلى الرّجوع نحو فلسطين كلّها وتحريرها من دنس العدوّ وجنوده ومستوطنيه، فيحاول بيد من حديد أن يضرب القوة الشبابية في المخيّمات، مقتديًا بذلك بنظريّة "جزّ العشب"، التي يسعى من خلالها إلى استئصال المناضلين المقاومين، مع أنّ المقاومة أثبَتت فشل هذه النظرية من قبل، من خلال الحروب والجولات القتالية التي استخدمها الاحتلال منذ انسحابه من قطاع غزة في العام 2005، فلم تمنع هذه النظرية عبر السنين المقاومة في غزة من تطوير قدراتها العسكريّة ولا استمراريّتها، فقد استطاعت وضع قواعد اشتباك عسكرية وسياسية تحدّ من قدرة العدوّ على استخدام استراتيجيّته متى شاء.
اليوم، تفرض المقاومة نظريّاتها ومواقفها وشروطها، ولا يفرضها عليها أحد، وكلّ محاولات الاحتلال وخططه ستبوء بالفشل القريب، لأنّ الحاضنة الشعبية للمقاومة لا يمكن استئصالها ولا طمسها أبدًا، وحقّ العودة باقٍ حتّى يعود كلّ فلسطينيّ إلى منزله وأرضه ودياره، ولن يستطيع المحتلّ -ولو جمَع كلّ دبّاباته- أن يحدّ من الفعل المقاوم، ومن التمسك بالأرض والهويّة والكفاح المسلّح.
ستبقى الضفة بمخيّماتها، لأنها الشاهد على النكبة الفلسطينية، والحاملةُ للثوابت الفلسطينية والصمود الذي يؤكّد حقّ العودة الفلسطينيّ، وحتّى ذلك الحين، ستبقى الضفة بمخيّماتها وأهلها وناسِها ومقاومتها، وسيبقى العدوّ صاغرًا ذليلًا يبحث عن نظريّاتٍ لطمس المقاومة فلا يجد، ثمّ يرتعد خوفًا ويشطّ في خباله حتّى تفرض المقاومة بنفسها عليه الشّروط.
*وكالة القدس للأنباء