آلاف الأطنان والمتفجّرات والقصف الجنونيّ "الأميركيّ" في قطاع غزّة، لم يُفلح في تهجير الفلسطينيّين، كما لن يُفلح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحاته الواهية، أمام الشّعب الفلسطينيّ العصيّ على المخطّطات الإحلالِيّة، فترامب اليوم يستنسخ مخطّط بلفور محاولًا سرقة القطاع وتهجير المواطنين قسريًّا منه.
يعمل ترامب واهيًا على تحقيق ما لم تستطع إبادة شعبٍ كاملٍ تحقيقَه، فيعودُ إلى وعد بلفور "مقتديًا" بأسلوب التّطهير العرقيّ فيه، معتبرًا غزّة عقارًا أو أرض مشاعٍ يتصرّف بها كما يريد. ترامب ربّما لم يعرف بعد، أنّ غزّة هي خيمة الفلسطينيين الأخيرة، ولن يتخلَّوا عنها حتّى لو اضطرّوا أن يناموا في الخيام الممزّقة المتطايرة مع الرّياح.
فإنّ مشاريع التّهجير على مدى عقودٍ طوال، كانت مجرّد مشاريعَ فاشلة لتهجير أهل غزّة، أوّلها مشروع تهجير سيناء عام 1953 بهدف توطين 12,000 عائلة فلسطينية في شمال سيناء، وثانيها خطّة وزارة الخارجية والكونغرس عام 1968 بنقل الفلسطينيين إلى الضفة الغربية ثمّ الأردن وبقية الدول العربية، ثمّ مشروع عام 1970 بقيادة أرئيل شارون، ومشروع غيورا أيلاند عام 2000 الذي يقضي باقتطاع أراضٍ من سيناء، وصولًا إلى صفقة القرن عام 2018، بتوطين الفلسطينيين خارج أراضيهم، والذي تعرض لرفض من الفلسطينيين والدول العربية.
ولم تتوقّفِ المخططات -رغم فشلها- عندَ هذا الحَدّ، بل امتدت نحو مخطّطات 2023 لتهجير سكان غزّة نحو مصر والأردن، وصولًا إلى مخطّطات ترامب الحاليّة عام 2025، لتهجير الغزيين، وفشل هذه الخطّة سيمتدّ بصمود أهل غزّة ومقاومتهم الباسلة.
تصريح ترامب لاقى انتقاداتٍ عالميّة، ضمن ثلاث نقاطٍ أساسيّة، أوّلها الرفض الفلسطيني القاطِع لهذا المخطط، باعتبار أنّ البقاء في الأرض هو شكلٌ من أشكال المقاومة، وثانيها الموقف العربيّ لكلٍّ من مصر والأردن، بسبب التّداعيات الأمنية والسياسية على كِلا البلَدَين، وثالثها التّكلفة السياسية للتهجير الذي سيؤدي إلى اضطراباتٍ إقليميّةٍ واسعة، ومشاكلَ مُعرقلة في اتّفاق وقف إطلاق النار.
كما تلقّى مخطّط ترامب رفضًا أصبح واضحًا من خلال المواقف الأميركيّة المُنتقدة "لوعدِ بلفور المتجدّد"، كما صرّحت عضو مجلس النواب الديمقراطية من أصل فلسطيني رشيدة طليب "الفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان، لا يستطيع هذا الرئيس إلا أن يبث هذا الهراء المتعصب بسبب الدعم الحزبي في الكونغرس لتمويل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي"، كما وصف السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن اقتراح ترامب بالقول "إنّ طرد مليوني فلسطيني من غزة والاستيلاء على الملكية بالقوة، هو ببساطة تطهير عرقي تحت مسمى آخر"، أضف إلى مجلس العلاقات الأميركية الإسلاميّة الّذي أكّد أنّ غزّة ملك للشعب الفلسطيني، وليس للولايات المتحدة، وأنّ دعوة الرئيس ترامب لطرد الفلسطينيين من أرضهم هي دعوة غير مقبولة على الإطلاق.
إنّ تجديدَ وعد بلفور بلسانِ ترامب لن يضعف من عزيمة الغزيين الذين ما استطاعت قنابل الاحتلال إضعافهم، فالأرض لا تنتمي سوى لأصحابها الصّامدينَ الثّابتين، الّذين ما تركوا منازلهم رغم الدّمار والهدم والجوع والبرد، وقاوموا من تحت الأنقاض والرّكام، أيظنّ ترامب -متوهّمًا- أنّه سيهزم إيمان وثبات هؤلاء مِن خلال تصريحٍ واهٍ لا يتجاوزُ "البيت الأبيض"؟
*وكالة القدس للأنباء