على الرغم من جرائم الاحتلال "الإسرائيلي" بحق الشعب الفلسطيني في غزة والمنطقة، لا تزال بعض العواصم العربية ترى في الاحتلال الإسرائيلي شريكًا اقتصاديًا وحليفًا سياسيًا وأمنيًا، يدعمهم ويدعمونه ويمدهم بالسلاح والعتاد واللوازم العسكرية وتثبيت نظم حكمهم مقابل كسر العزلة السياسية والشرعية عنه وتحويله لكيان طبيعي في المنطقة على حساب الدم الفلسطيني والعربي.
وشكلت صفقة القرن التي رعتها الإدارة الأمريكية برئاسة دونالدو ترامب خلال ولايته الأولى نقطة تحول أساسية في كسر الموقف العربي التاريخي تجاه الاحتلال "الإسرائيلي"، وتسارعت هرولة التطبيع مع الاحتلال بين العواصم العربية حتى وصلت إلى المغرب والإمارات وسلطنة عمان والبحرين وكانت على وشك الوصول إلى المملكة العربية السعودية، إلا أن طوفان الأقصى الذي انطلق في السابع من أكتوبر 2023 أوقف قطار التطبيع العلني حتى هذه اللحظة ومنعه من التمدد والتوسع أو الحصول على الشرعية السياسية.
يحاول الاحتلال الإسرائيلي الالتفاف على الموقف الشعبي العربي والعالمي الرافض لجرائمه وفكرة وجوده أصلًا، وعمل بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية على تنفيذ مشروع تجاري اقتصادي يربط ابو ظبي بتل أبيب المحتلة، وهو ما يتقاطع مع رؤية الإمارات في عملية التطبيع، حيث تحاول أبو ظبي تقديم نموذج جديد في التطبيع مع الاحتلال ينطلق من التطبيع السياسي والأمني والإقتصادي وصولًا إلى التطبيع الاجتماعي والسكاني، وهو ما يعتبره الفلسطينيون أخطر مراحل التطبيع مع المحتل "الإسرائيلي".
وينظر الاحتلال الإسرائيلي بأهمية بالغة لمشروع ربط أبو ظبي بحيفا لا سيما بعد دخول اليمن في معركة الاسناد دعمًا لغزة وشعب فلسطين عبر استهداف البواخر التجارية "الإسرائيلية" في البحر الأحمر، حيث توقفت حركة التجارة من شرق آسيا إلى ميناء إيلات جنوب فلسطين المحتلة، وتعاني دولة الاحتلال من حصار تجاري كبير لا سيما مع حركة المقاطعة الدولية في العالم، فيما تحاول حكومة الاحتلال التخفيف من آثار الحصار البحري الذي يفرضه اليمن عليها.
تتلهف دولة الاحتلال "الإسرائيلي" والإمارات معًا لافتتاح هذا المشروع التجاري الذي من شأنه تأمين احتياجات الكيان من السلع والبضائع الأساسية لا سيما الفواكة والخضار ويعزز بالوقت نفسه مسار التطبيع الذي جرى في المنطقة، ويعزز التجارة بين الجانبين عبر السعودية والأردن، متجاوزًا الممر المائي للبحر الأحمر.
تؤكد تقارير أجنبية وأردنية أن هذا المشروع بدأ بالفعل على الأرض وهناك قوافل يومية من الشاحنات التجارية تصل إلى حيفا وتل أبيب عبر الأردن قادمة من الإمارات العربية، فيما شهدت العاصمة الأردنية عمان احتجاجات شعبية عارمة خلال الأشهر الماضية ضد استمرار التطبيع الأردني العربي مع الاحتلال "الإسرائيلي" وتزويد الاحتلال بالبضائع والسلع، وطالب المتظاهرون بمنع مرور الشاحنات القادمة من دول الخليج إلى دولة الاحتلال عبر الأراضي الأردنية، معتبرين هذا المسار التجاري التطبيعي تعزيز لقوة الاحتلال على حساب الحق الفلسطيني، وعبر أهالي غزة عن استيائهم لهذا القرار ورأى الكثيرون من أبناء القطاع المحاصر أن التطبيع بكافة مساراته طعنة للقضية الفلسطينية، وطالبوا الدول العربية بوقف التعاون مع الاحتلال "الإسرائيلي".
يعاني الاحتلال الإسرائيلي من حصار سياسي وشرعي وملاحقات قانونية دولية بسبب جرائمه المستمرة في غزة وفلسطين والمنطقة، وتتزاحم بعض الدول الحرة في العالم لتقديم المسؤولين الصهاينة للمحاكم الدولية ومحاسبتهم على جرائمهم بحق الإنسانية، في حين تلهث بعض دولنا العريية لتشريعه في المنطقة ومد طوق النجاة له في تعد سافر على القيم العربية والإسلامية العريقة، لكن المؤكد كما يقول الفلسطينيون أن التاريخ لن ينسى من وقف إلى جانب فلسطين وشعبها ومن تعاون مع المحتل "الإسرائيلي" لمكاسب شخصية.