تتجدد فصول القهر والاحتلال في مشهدٍ لا يرحم ذاكرة الأرض ولا نبض الإنسان، من على تراب الضفة الغربية يواصل الاحتلال انتهاكاته اليومية؛ اعتقالات تُداهم البيوت في جنح الليل، تدمير ممنهج، وتدنيس للأقصى المبارك، ومستوطنات تلتهم الأرض بلا رحمة، وجيش مدجج بالسلاح يقمع شعبًا أعزل لا يملك إلا صرخته وأحلامه وإرادته القوية...
هناك، حيث يتشابك زيتون الجبال مع دخان القنابل، وتتعانق صرخات الأطفال مع صمت العالم المخزي، يمضي المحتل في غيّه، يسرق الأرض، ويشوّه التاريخ، ويغرس أقدامه فوق حنايا وطنٍ لم ينحنِ يومًا إلا لله.
في الضفة الغربية المحتلة، تشهد وتيرة الجرائم والانتهاكات "الإسرائيلية" تصاعدًا ملحوظًا، في وقتٍ تتواصل فيه الجرائم الأشد خطورة في قطاع غزة، حيث ترتكب قوات الاحتلال عمليات إبادة جماعية تتكشف فصولها المأساوية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتشمل هذه الجرائم، التي صنفت ضمن أخطر الانتهاكات في القانون الدولي، القتل العمد، والإيذاء الجسدي والنفسي الخطير، وفرض ظروف معيشية قاسية بهدف تدمير الفلسطينيين كجماعة وطنية بشكل جزئي، وهي الجريمة التي دفعت محكمة العدل الدولية لإصدار قرار بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني الماضي، يُلزم "إسرائيل" باتخاذ إجراءات عاجلة لمنع استمرار هذه الانتهاكات. ومع ذلك، تواصل سلطات الاحتلال تجاهل هذا القرار الدولي دون أي التزام أو استجابة حتى اللحظة.
واستكمالًا لأجندات حكومته المتطرفة، يعتزم نتنياهو إعادة قضية ضم الضفة فور تسلم ترامب، وهي نية كشفتها هيئة البث "الإسرائيلية"، الثلاثاء الماضي، بعد أن نقلت عن مقربين من نتنياهو، أن خطط ضم الضفة الغربية لـ"إسرائيل" جاهزة بالفعل، وقد عملت عليها حكومة الاحتلال منذ العام 2020 خلال الولاية الرئاسية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في إطار ما عُرف بـ"صفقة القرن".
وبحسب المصادر ذاتها، فإن هذه الخطط تشمل خرائط تفصيلية، وأوامر توسعة للمستوطنات، إضافة إلى صياغة قرارات حكومية تؤطر عملية الضم، وتعكس استعداد الاحتلال المسبق لفرض أمر واقع على الأرض.
وتأتي هذه التحركات في ظل استمرار المحتل "الإسرائيلي" في تعميق سيطرته على الإدارة المدنية في الضفة الغربية، بالتزامن مع حملات الاعتقال المكثفة وتوسيع الأنشطة الاستيطانية. ويشمل ذلك إقامة عشرات البؤر والمزارع الاستيطانية، التي تلتهم مزيدًا من الأراضي، ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تمكين الاحتلال وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
كما تشير هذه التطورات إلى مساعي حكومة نتنياهو لاستغلال الظروف السياسية الإقليمية والدولية لتعزيز مشروعها الاستيطاني، في تحدٍ صارخ للقوانين والقرارات الدولية التي تعتبر الضفة الغربية أرضًا محتلة، وترفض أي خطوات أحادية الجانب لتغيير واقعها الجغرافي والديموغرافي.
وهذا ليس بجديد على وحش صنعه الغرب، ولم يعد باستطاعته السيطرة عليه، فكيانه الهائج الذي لم تروه دماء الأبرياء في غزة، ها هو في الجولان السوري المحتل، يناطح لتكريس سيطرته ويستكمل منهجية اغتصاب الأرض من أصحابها، من خلال توسيع الاستيطان، ونهب الموارد الطبيعية، وفرض قوانينه على السكان الأصليين، وذلك في خطوة تهدف إلى تغيير الهوية الديموغرافية والثقافية للمنطقة.
وعلى الرغم من صدور القرار الأممي رقم 497 لعام 1981، الذي ينص على بطلان ضم الجولان واعتبارها أرضًا سورية محتلة، إلا أن "إسرائيل"؛ وحش الغرب المدلل، تواصل فرض سياسات الأمر الواقع، مستغلةً الصمت الدولي والتواطؤ من بعض القوى الكبرى.
أمَا في لبنان، لا تزال "إسرائيل" تشن غارات على مناطق متفرقة من الجنوب اللبناني، وتستمر بخرقها اتفاق وقف النار بشكل مستمر ومتصاعد. وفي تحدٍ سافرٍ لبنوده، فقد ارتفع إجمالي الخروقات إلى 253 منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهي في ازدياد. وليس آخرها تدمير مسجد ومنزل في بلدة بني حيان في الجنوب والتي لم تدخلها قوات الاحتلال خلال الحرب الأخيرة. ولا عمليات التجريف والهدم في الناقورة ولليوم الثالث على التوالي.
إن هذه الانتهاكات المتكررة تُشكل خرقًا واضحًا لكل القوانين والمواثيق الدولية التي تضمن سيادة الدول وحرمة أجوائها وأراضيها. كما أنها تأتي في ظل صمت دولي، يساهم في تشجيع "وحش الغرب" على التمادي في انتهاكاته وتجاهل الدعوات لوقف هذه الاعتداءات المتكررة. بل ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية تاريخية لوقف هذه السياسات التصعيدية التي قد تؤدي إلى إشعال المنطقة.
*وكالة القدس للأنباء