يواصل الاحتلال الإسرائيلي، منذ عام و64 يوماً، وبشكل ممنهج، إبادة الأحياء السكنية في قطاع غزة، عبر نسف المباني والأبراج، وتدمير المرافق الخدمية والبنى التحتية وغيرها. ويقول محمود أبو كميل (56 عاماً)، في حديث إلى «الأخبار»، إنه "بنى منزله في منطقة المغراقة وسط القطاع بعرق جبينه، ودفع دم قلبه لإنجاز أعمال بنائه، ولكنه مُسح عن وجه الأرض، حتى أنه يصعب علينا تحديد مكانه، هذا إنْ لم يكن قد ضُمَّ إلى محور نتساريم». ويضيف: «لم يتركوا لنا مكاناً لنعود إليه، ولا حتى نضع خيمتنا فيه، نسفوا بيتنا وسرقوا أرضنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل".
ويصف الأربعيني محمود الأشقر، بدوره، ما حلّ ببيته في منطقة تل الهوى، إثر استهداف الاحتلال له، بـ«الكارثة»، ويقول لـ«الأخبار»: «يكرّس الشاب منّا حياته من أجل بناء شقة صغيرة في بيت عائلته، لتأتي الصواريخ الأميركية وتزيله من على وجه الأرض في غمضة عين». ويتابع: «كنت أصِل الليل بالنهار، وأمارس عملاً مزدوجاً كي أستطيع بناء شقّتي، ولا أدري كم سأحتاج من الوقت حتى تتم إعادة بناء بيتي في ظلّ الدمار الهائل الذي حلّ بالقطاع بأكمله».
أمّا ابتهال أبو ريا (24 عاماً)، التي نزحت برفقة عائلتها من مخيم جباليا، فقد ملأت الحسرة قلبها وقلوب أفراد عائلتها عندما علموا أن بيتهم المكوّن من ثلاث طبقات دُمّر في الاجتياح الأخير. وتلفت، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «بناء بيتنا استمرّ ما يقارب الخمس سنوات، عمل خلالها إخوتي بكل جدّ واجتهاد حتى استطاعوا إتمام بنائه".
وعن ذلك، يقول مصدر مسؤول في وزارة الأشغال العامة والإسكان إن عدد الوحدات السكنية التي دمّرها الاحتلال "الإسرائيلي"، خلال عام وشهرين، بلغ أكثر من ربع مليون وحدة سكنية، صُنّفت ما بين هدم كلّي، وجزئي غير صالح للسكن، وآخر جزئي صالح للسكن.
ويوضح المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه نظراً إلى الظروف الأمنية، أن الاحتلال دمر 70% من قطاع الإسكان، «منها 170 ألف وحدة بشكل كلي، و80 ألف مبنى سكني بشكل جزئي بالغ، فيما بلغ عدد الوحدات السكنية التي دُمّرت بشكل جزئي ولكنها صالحة للسكن، 200 ألف».
ويبيّن أن الخسائر المالية الأولية لقطاع الإسكان، بما في ذلك البنية التحتية والطرق الإقليمية (شارع الرشيد وشارع صلاح الدين) تُقدَّر بأكثر من 20 مليار دولار. وتُعتبر تلك الأرقام التقديرية أولية، بسبب عدم قدرة وزارة الأشغال العامة والإسكان على معاينة بعض الأحياء والمربعات السكنية لصعوبة الوصول إليها، في ظل استمرار حرب الإبادة على معظم المناطق في قطاع غزة، فيما ثمّة مناطق أخرى لم يَعُد ممكناً الوصول إليها بعدما أقام عليها جيش العدو قواعده العسكرية.
ويشير المصدر إلى أن «الاحتلال عمد إلى نسف مربعات وأحياء سكنية بأكملها لطرد السكان الفلسطينيين من أماكن سكنهم، ولإجبارهم على عدم العودة إليها، فضلاً عن تقطيع أوصال القطاع عبر تدمير أكثر من 80% من الطرق والشوارع الرابطة بين المحافظات والمدن والأحياء المختلفة». ويضيف: «ذلك التدمير الهائل للمباني والمنشآت خلّف كميات كبيرة جداً من الركام والأنقاض تجاوزت 50 مليون طن، أي ما يعادل 25 ضعفاً من كمية الركام التي نتجت من عدوان 2014".
ورغم فداحة الكارثة، تقول وزارة الأشغال العامة والإسكان إن لديها، بالتعاون مع جهات الاختصاص الحكومية، تصوُّراً تعتقد أنه قابل للتحقيق في ظلّ وجود إرادة دولية. ويقول المسؤول إن «التصوّر يشتمل على مرحلة الإنعاش وإغاثة المواطنين بمساكن معيارية مؤقتة، يتم تركيبها في مناطق وأراضي واسعة لاستيعاب أصحاب البيوت المتضرّرة بشكل كلّي والبيوت غير الصالحة للسكن، على أن تلي ذلك مرحلة التعافي والبدء بإعادة الإعمار». ويلفت إلى أن العائق والتحدّي الأكبر للإعمار هو الاحتلال، موضحاً أنه «في حال وضع الاحتلال قيوده الجائرة على الإعمار بتقييد دخول الدعم المالي ومواد البناء، فهذا سيؤخّر عجلة البناء لسنوات طويلة». ويشدد على أنه «لا بدّ من ممارسة ضغط دولي على العدو لرفع الحصار والإسراع في عملية الإعمار وإعادة السكان إلى منازلهم".