هبة دهيني*
في وقتٍ يقتل فيه الكيان "الإسرائيلي" آلاف الفلسطينيين في قطاع غزّة بأسلحةٍ أميركيّة، ويعلنُها إبادةً واضحةً أمام العالم أجمع، ويتغنّى بالدّم المسفوكِ تحت المباني وفي أزقّة الشّوارع، ومن ثمّ "يستكمل" وحشيّتَهُ بمُباركةِ واشنطن للقتل والتهجير القسريّ وعمليات التطهير العرقيّ، تُصرّح الخارجية الأميركيّة -وبكلّ برودة- أنّ كلّ حديثٍ عن إبادة جماعيّة في غزّة، هو محضُ هراء!
أعينُ "أمريكا" لا تبصر الإبادة، ولا تعترف بتطهيرٍ عرقيّ في القطاع، بل وتدينُ تصريحَ اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة بقولها إنّ "ممارسات الكيان في حربه على قطاع غزة تتسق مع خصائص الإبادة الجماعية"، وبهذا، تعتمد السياسة الأمريكية مبدأ إنكار المحرقة التي تتمثل بمذابح يوميّة لشعبٍ أعزل في القطاع، بجرائم حربٍ ممتدّةٍ منذ أكثر من 400 يوم، قادَتها ورَعَتها "أمريكا" بأسلحتها، وهي تغطّي وجهها بقناعٍ تطالب من خلاله -واهمةً- وقفَ الحرب.
تطهير عرقي، تهجير قسري، حرب تجويع، إبادة جماعية ومحرقة، كلّ هذه المصطلحات وأكثر، لا تبصرها الولايات المتحدة الأمريكية، ولا ترى الدّم الّذي هو بحدّ ذاته دليل، إذ يحتاج البيت الأبيض دليلًا لا يتنافى مع مصالحه، ولا يدفعه عن كرسيّ استكباره، ولا يُظهر الاحتلالَ "الإسرائيليّ" ككيانٍ إجراميّ، فيعتبر "الأمريكيّ" فيه، أنّ كلّ ما يتناول حديثًا عن إبادة، هو ادّعاء.
الطّفل الّذي قُطع رأسه وهو في حضن أمّه، بمذبحةٍ من ضمن 3,798 مجزرة وأكثر، وما يزيد عن 10,000 مفقود لا يعرف عنهم أحد شيئًا، و11,891 شهيدة من النساء اللواتي لا تراهنّ منظمات الدفاع عن حقوق المرأة، مع 1367 عائلة قتل الاحتلال جميع أفرادها ومُسحت رسميًّا من السّجّل المدنيّ، أضف إلى 17,385 شهيدًا من الأطفال، و85 من الدفاع المدنيّ، مع 184 شهيدًا من الصحافيين، و102,765 جريحًا ومصابًا استطاعوا الوصول إلى المستشفيات، وفوق كلّ هذا، أمراضٌ تفتك بالغزيين، بما يزيد عن مليون ونصف المليون من النّازحين الذين يعانون من أمراض معدية، والأرقام لا تنتهي، من شهداءٍ طلّابَ وأساتذة، وأفراد من الطواقم الصحّيّة، والصحفيين إلى جانب آلاف المباني المدمّرة، والمساجد والأبنية والبنى التحتية.
إنّ الإبادة الجماعية، التي لا يبصرها "الرجل الأبيض"، تعني تدمير جماعة عرقيّة معينة، عبر طُرُق القتل الجماعي للأفراد مرة واحدة، أو عبرَ قتلهم بخطط منسقة لتدمير حيواتهم، بهدف القضاء عليهم، وإن اكتفينا بهذا التعريف، فإنّ أوضح ما يكون كمثالٍ ناجعٍ للإبادة، هو غزّة، وما يمارسه الكيان المحتلّ عليها اليوم، ولكنّ "أمريكا"، ومن شدّة الدم المسفوك بين أصابعها، صار قتلُ الشعوب عندها اعتياديًّا، وصارت الإبادة فعلًا يوميًّا تمارسُه بمذابح "إسرائيلية".
شعبٌ كاملٌ يباد بأسلحة "أمريكا" أيها العالم، تلك التي تتغنى بالحضارةِ و"الديمقراطية" وحفظ حقوق الإنسان، تقتل الإنسانيةَ وتدمّر أسقُف العيش لدى الغزّيّ، وتمنعه -بدون حقّ- من العيش كمواطن فلسطينيّ في بلاده، وبيدٍ تقتل وتسفك الدماء، ثمّ بالأخرى تظهر "براءتها" وتتساءل: "أين هي الإبادة؟"، إنّ الإبادة تتجلّى في عينٍ صهيو-أمريكيّة تنامُ على جراح غزّة وتستلذّ بمشاهد الموت، إنّ الإبادة تتجلّى في أياديكم، ولذلك يستصعبُ "الرّجل" منكم الاعتراف بوجودها، أوَ يعترف القاتل بذَبح الشّهيد؟
*وكالة القدس للأنباء