يوسف فارس
بإمكانك أن ترى تجسيم المفاهيم المجرّدة على هيئة بشر: المأساة والقهر والبؤس. كل ذلك وأكثر حملته وجوه النازحين من المناطق المحاصرة في شمال قطاع غزة؛ فهؤلاء الذين صمدوا طوال 45 يوماً في أكثر مناطق القطاع سخونة، أُجبروا أخيراً على النزوح، حيث وقفنا في انتظارهم على بعد 100 متر من حاجز الإدارة المدنية على شارع صلاح الدين شرقي مخيم جباليا.
هناك، التقينا عوض لبد، وهو نازح من مشروع بيت لاهيا، أخلف أخيراً عهده مع نفسه بأن لا يخرج من بيته إلا إلى القبر. يقول الحاج، في حديثه إلى «الأخبار»: «من سنة وشهر أقسمت بالله ما أطلع من بيتي، عشت الحرب كلها تحت سقف بيتي في مشروع بيت لاهيا، وعاهدت نفسي، إما إنو البيت يصير قبري أو أطلع منه فقط إلى القبر». ويضيف: "لكن ليلة أمس، شفنا أهوال يوم القيامة، قصف ومجازر ما توقفت دقيقة واحدة، ما بقي أمامنا خيار إلا الخروج، خصوصاً إنو معي عيلة فيها أطفال وبنات ما شافوا شي من الدنيا".
بالقرب من الحاج لبد، التقينا أم محمود، حيث كانت تجلس وعائلتها على رصيف الشارع. سنعلم في ما بعد أن الحاجة التي تجاوزت من العمر السبعين عاماً، تنتظر رفقة بناتها الثلاث وأطفالهنّ، رجال العائلة الذين يواصل جيش العدو احتجازهم. تقول لـ«الأخبار»: «والله ما طلعنا إلا بعد ما وقع علينا سقف البيت، واستشهد اثنان شباب من أحفادي، ولو كان الخيار أن نموت جميعاً لفضّلناه على النزوح». وعمّا لاقوه على حاجز التفتيش، تضيف الحاجة أن "الجنود مارسوا كل أنواع التعذيب النفسي بحقنا، الدبابة كانت تعفرنا بالغبار، والجنود يطلقون الرصاص حول الأطفال والنساء، والرجال أهينوا وضُربوا، مقهورين منا ليش ما استجبنا للإخلاء من البداية".
وكان جيش العدو قد ارتكب مجزرتين جماعيتين في مشروع بيت لاهيا ليل السبت - الأحد، تسبّبتا باستشهاد 75 مواطناً. وبحسب شهادات الأهالي النازحين، فقد قصفت الطائرات الحربية منزلاً لعائلة غباين مكوّناً من خمس طبقات كانت تسكنه عائلات نازحة من مخيم جباليا، ما تسبب باستشهاد 40 مواطناً وإصابة العشرات. كما استهدف الاحتلال في الليلة نفسها منزلاً لعائلة عبد العاطي، ما تسبب باستشهاد 15 نازحاً، وآخر لعائلة يونس يؤوي العشرات من النازحين. وتبع تلك المجازر المروّعة قصف مدفعي عنيف جداً، ثم منشورات تعطي للأهالي مهلة بضع ساعات قبل الإخلاء الكلي.
في مقابل ذلك، شهد نهار أمس زخماً ميدانياً؛ إذ أقرّ جيش العدو بوقوع قوة من «لواء كفير» كانت تعدّ كميناً لعناصر المقاومة، في كمين لـ«كتائب القسام»، في مدينة بيت لاهيا شمال القطاع. ووفقاً لإعلان الجيش، فإن «الحدث الصعب» تسبّب بمقتل جنديين، ما يرفع عدد قتلى جنود العدو منذ بدء العملية العسكرية على شمال القطاع إلى 27.
كما أعلنت «كتائب القسام»، أمس، قنص جندي في شارع الخزندار غربي مخيم جباليا، واستهداف دبابتين وجرافة «دي ناين» بقذائف «الياسين 105»، واستهداف جرافتي «دي ناين» بقذائف «التاندوم» و«الياسين 105»، شرقي مخيم البريج.
كذلك، أفادت بتمكّنها من قصف مستوطنة «سديروت» في «غلاف غزة» برشقة صاروخية، فيما تحدّثت «سرايا القدس»، بدورها، عن تمكنها من تدمير دبابتين في منطقة الدوار الغربي في مدينة بيت لاهيا شمال القطاع. وعلى مستوى معركة الصورة، بثّت «القسام» ثلاثة مقاطع أظهرت المهمات القتالية التي نفّذها المقاومون في شمال القطاع.