خلال الشهر المنصرم، فاجأت "إسرائيل" حزب الله ــ إلى جانب راعيته، إيران، وبقية العالم ــ بنجاحات استخباراتية وعسكرية عدة بارزة. تمكنت "إسرائيل" من شل شبكة الاتصالات التابعة للمنظمة من خلال تخريب أجهزة النداء واللاسلكي المتطورة تقنياً. وعلاوة على ذلك، تزعم "إسرائيل" أن غاراتها الجوية دمرت جزءاً كبيراً من مخزونات حزب الله من الصواريخ، كانت تهدف إلى ردع حرب مدمرة أخرى عبر الحدود. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن حملة الاغتيالات الإسرائيلية الواسعة النطاق قضت على عدد كبير من كبار قادة حزب الله، بما في ذلك زعيمه الشعبي والكاريزمي (السيد) حسن نصر الله.
تم الاعتراف على نطاق واسع بالإنجازات التكتيكية التي حققتها "إسرائيل" في لبنان. ومع ذلك، فقد حيَّر العديد من المراقبين غياب أي خطة "إسرائيلية" عملية لإنهاء الصراع، وخاصة تلك التي قد تؤدي إلى تسوية سياسية دائمة.
الواقع أن الانفصال الواضح بين الوسائل والغايات ملحوظ بشكل خاص في ضوء الخسائر الفادحة التي فرضتها النجاحات العسكرية "الإسرائيلية" الأخيرة على المجتمعات الشيعية في لبنان. "إسرائيل"، وعلى الرغم من كل ما بذلته من جهود للقضاء على حماس من جهود مدمرة للمدنيين الفلسطينيين في غزة، إلا أنها تدير عملياتها في لبنان دون أي اهتمام يذكر بالضرر الذي قد يلحق بالسكان المدنيين أو البنية الأساسية.
فقد دمرت بلدات وأحياء شيعية بأكملها، ووفقاً لوزارة الصحة اللبنانية، قُتل 127 طفلاً و261 امرأة خلال الأسابيع الخمسة الأولى من الحملة "الإسرائيلية" الأخيرة. وفي لبنان كما في غزة ــ وإن كان على نطاق أضيق حتى الآن ــ يبدو أن "إسرائيل" استقرت على استراتيجية العقاب الجماعي التي تحمل السكان المدنيين المسؤولية عن أفعال الجماعات المسلحة التي تعمل في وسطهم.
كانت ضرورة وضع خطة "لليوم التالي" لانتهاء الحملات العسكرية موضوعاً ثابتاً في التحذيرات الأميركية "لإسرائيل" ــ وخاصة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ــ لأكثر من عام.
في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وفي خطاب ألقاه في تل أبيب، حذر جو بايدن زعماء "إسرائيل" من تكرار الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن أثناء "الحرب على الإرهاب" وغزو العراق في العام 2003: "بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، غضبنا في الولايات المتحدة. وبينما سعينا إلى العدالة وحصلنا عليها، ارتكبنا أخطاء أيضا". وفي خطابه، لم يحدد بايدن الأخطاء التي يقصدها. لكنه أعطى مؤشرات من خلال تذكير جمهوره "الإسرائيلي" بأن "الغالبية العظمى من الفلسطينيين ليسوا من حماس" ومن خلال القول بأن القرارات في زمن الحرب تتطلب "الوضوح بشأن الأهداف وتقييم صادق حول ما إذا كان المسار الذي تسلكه سيحقق هذه الأهداف".
كانت الرسالة واضحة، وإن لم تكن صريحة تماما: فبدون خطة دقيقة لما بعد الحرب، حتى النجاح العسكري الساحق يمكن أن يؤدي بسهولة إلى الفوضى، تماما كما حدث مع الولايات المتحدة في العراق.
لكن بايدن لم يدرك النقطة الأساسية. ذلك أن نتنياهو لا يحتاج إلى خطة لتجنب الفوضى، لأن الفوضى هي خطته. والواقع أن الشهر الماضي في لبنان، كما حدث في العام الماضي في غزة، أثبت أن زعماء "إسرائيل" لا يحملون أي ادعاءات مثالية بشأن إقامة نظام سياسي جديد في لبنان أو في القطاع.
هم لا يحاولون زرع بذور الديمقراطية أو إعادة تشكيل الشرق الأوسط. بالنسبة لدولة "إسرائيل" التي ترفض تقرير المصير الفلسطيني وتشعر بأنها غير مقيدة من قِبَل حلفائها الغربيين ــ وخاصة بالنسبة لنتنياهو، الذي عزم على حماية سلطته السياسية الداخلية بأي ثمن ــ فإن نتائج الغزو الأميركي للعراق ليست تحذيراً بقدر ما هي نموذج. يبدو نتنياهو مقتنعاً بأن أمن بلاده، إلى جانب بقائه السياسي، يعتمد على إطالة أمد الهجمات العسكرية وإبقاء غزة ولبنان في حالة من عدم القدرة على الحكم، وبالتالي الرضوخ.
ومع ذلك، هناك أسباب تدعونا إلى الاعتقاد بأن هذا الهدف، والتكتيكات والاستراتيجيات التي تستخدمها "إسرائيل" لتحقيقه، لن تنجح في لبنان بقدر ما نجحت حتى الآن في غزة. فعلى الرغم من كل أوجه التشابه بينهما، فإن حزب الله ليس حماس. الواقع أن الأول منظمة أكبر من الثانية، ويتمتع بدعم شعبي أوسع، وشبكات أكثر مرونة، وفرصة أفضل للتعافي من خسائره.
ورغم أن "إسرائيل" لا تواجه حاليا أي قيود جدية على دوافعها التوسعية في الضفة الغربية ــ فإن أصبح دونالد ترامب رئيسا مرة أخرى، فقد تؤيد الولايات المتحدة ضم المستوطنات "الإسرائيلية" غير القانونية، أو حتى ضم بعض الأراضي الفلسطينية ــ فإن الدبلوماسية الدولية لا تزال تتمتع ببعض النفوذ في لبنان.
حملة من الفوضى
الوضع الحالي في لبنان قاتم إلى حد لا ينبغي الاستهانة به. فقبل الحملة العسكرية "الإسرائيلية" الأخيرة، كانت البلاد بالفعل في خضم انهيار اقتصادي طويل، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف على مدى السنوات الخمس الماضية. وبحلول العشرين من أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد شهر تقريبا من بدء الهجوم الأخير، كان ما يقدر بنحو 809 ألف شخص في لبنان قد نزحوا داخليا بسبب القتال. تقدّر الأمم المتحدة أن 425 ألف شخص إضافي عبروا الحدود إلى سوريا التي مزقتها الحرب. ووفقا لليونيسيف، دمرت الحملة "الإسرائيلية" أيضا ما لا يقل عن 28 منشأة للمياه، تخدم أكثر من 360 ألف شخص. حجم الدمار يجعل الحياة غير مستدامة في العديد من أجزاء البلاد، ما دفع عمران رضا، نائب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، إلى التحذير من أن لبنان "يخاطر بالسقوط من هاوية إنسانية".
هذا الدمار الواسع النطاق ليس مجرد نتيجة ثانوية أو نتيجة غير مقصودة للهجمات "الإسرائيلية" ضد حزب الله. إن ما يجري في لبنان ليس مجرد مؤامرة، بل هو جزء من حملة واسعة النطاق هدفها الأساسي هو تفاقم التوترات الداخلية اللبنانية، وهي الحملة التي طغى عليها السحر التقني المتمثل في هجمات "إسرائيل" باستخدام أجهزة النداء واللاسلكي، وعمليات الاغتيال التي شنتها ضد زعماء حزب الله، والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق.
يشير التدمير المنهجي في جنوب لبنان، ووادي البقاع، والضواحي الجنوبية لبيروت، إلى أن "إسرائيل" تأمل في تهجير أكثر من مليون شيعي لبناني، بهدف نهائي يتمثل في دفع التوترات الاجتماعية اللبنانية إلى نقطة الانهيار.
ولهذا السبب دعا نتنياهو في أوائل أكتوبر/تشرين الأول "المسيحيين والدروز والمسلمين السنة والشيعة" إلى الوقوف في وجه حزب الله و"استعادة بلادهم". نتنياهو ليس ساذجاً إلى الحد الذي يجعله يتوقع انتفاضة لبنانية ضد حزب الله. ولكنه يدرك أن إلقاء اللوم على الحزب في الهجمات "الإسرائيلية" من المرجح أن يؤدي إلى زيادة التوترات في لبنان، الذي يتوقع نتنياهو أن يعمل مثل الإسفنجة لامتصاص التهديدات المستقبلية ضد بلاده.
إن منطقاً مماثلاً يفسر لماذا بذلت "إسرائيل" جهوداً مضنية لاستهداف البلدات الشيعية اللبنانية داخل المناطق ذات الأغلبية المسيحية أو الدرزية، فضلاً عن اللاجئين الشيعة الذين يبحثون عن مأوى في المناطق المسيحية والسُنّية والدرزية. شجعت الهجمات الأغلبية في تلك المناطق على النظر إلى الشيعة باعتبارهم تهديداً لسلامتهم، الأمر الذي أدى إلى تغذية المظالم والأعمال العدائية التي كانت مستعرة لعقود من الزمان.
وفي كلتا الحالتين، لم تكن للحملات العسكرية أهمية أمنية أو عسكرية كبيرة، لأنها تميل إلى استهداف مسلحي حزب الله من ذوي الرتب الأدنى. ومع ذلك، نجحت الهجمات، التي غالباً ما تقتل العشرات من المدنيين، في زيادة التوترات الطائفية، وفي بعض الحالات، أدت حتى إلى طرد الشيعة.
كما فرضت حملة "إسرائيل" ضغوطاً شديدة على الحكومة اللبنانية. ففي الأشهر التي سبقت التصعيد الأخير للصراع، كان دور الحكومة في إعادة الإعمار وإغاثة اللاجئين مسألة مثيرة للجدال في لبنان. كان أعداء حزب الله في السياسة اللبنانية يعتقدون أن المنظمة، إلى جانب إيران، كانت مسؤولة عن بدء الصراع في العام الماضي، وبالتالي يتعين عليها أن تدفع فاتورة إعادة الإعمار. ومع استمرار "إسرائيل" في تدمير المزيد والمزيد من البنية الأساسية اللبنانية، فإن هذه الحجة قد تؤدي إلى نشوء أزمة داخلية كاملة. فإذا نجحت إيران في تجنب دفع تكاليف إعادة الإعمار، على سبيل المثال، فقد يحاول المعارضون السياسيون لحزب الله عرقلة الإنفاق الحكومي المحلي القليل المتاح. وقد يؤدي الجمود الناتج عن ذلك إلى اندلاع أعمال عنف. ومن ناحية أخرى، في حالة مشاركة إيران في إعادة الإعمار، وهو أمر غير مرجح، فمن المؤكد أنها ستطالب بثمن سياسي من شأنه أن يعمل لصالح حزب الله وحلفائه.
لبنان ليس غزة
استراتيجية "إسرائيل" المتمثلة في فرض عقوبات جماعية على شعب بأكمله كوسيلة لضمان الاستسلام ليست سابقة. تقدّم سوريا، جارة لبنان، مثالاً على مدى فعالية هذا التكتيك الوحشي. فخلال الحرب الأهلية الأخيرة في بلاده، قصف الرئيس بشار الأسد، بدعم من إيران وروسيا، مدناً بأكملها بلا هوادة في حملة أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين. وكان والد الأسد قد فرض عقوبة مماثلة بعد انتفاضة في ثمانينيات القرن العشرين، وعلى الرغم من أن أفعاله أدت إلى عزلة دولية وفرض عقوبات، إلا أنها منحت نظام الأسد أيضاً عقوداً من السلام.
بفضل حلفائها الغربيين، ربما لن تضطر "إسرائيل" إلى القلق بشأن العواقب الدبلوماسية لحملتها من العنف الجماعي في لبنان. وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق جديد يستند إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 لإنهاء الصراع الحالي ــ وهو القرار الذي أنشأ منطقة عازلة حيث من المفترض ألا يُسمح لأي قوات باستثناء الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الوجود فيها ــ فإن تداعيات الحملة سوف تقع بالتأكيد على المجتمع اللبناني المنقسم.
ومع ذلك، ثمة أسباب تدعونا إلى الاعتقاد بأن خطة "إسرائيل" لاستغلال الفوضى في لبنان على نحو مثمر قد لا تنجح بالطريقة التي يأملها نتنياهو. فمن الواضح أن إيران ملتزمة بتمويل حزب الله والحفاظ عليه، حتى في مواجهة الضغوط الداخلية اللبنانية المتزايدة لنزع سلاح المنظمة. ومن غير المرجح أن تغير الضربات "الإسرائيلية" داخل إيران ذلك. والواقع أن كلما ازدادت إيران إذلالاً وانعداماً للأمن، كلما زادت احتمالات أن يرى النظام في طهران حزب الله باعتباره حصناً ضرورياً ضد "إسرائيل"، وخاصة إذا تمكنت المنظمة من استعادة ثقة إيران في قدراتها.
ومن الواضح أيضاً أن زخم الحملة "الإسرائيلية" في لبنان يتباطأ. وعلى الرغم من أن حزب الله فقد أمينه العام وكثيراً من قياداته، فإن ما يكفي من القدرات العسكرية للمنظمة نجت حتى أصبحت قادرة على صد الهجمات البرية "الإسرائيلية". قُتل وجُرح العشرات من الجنود والضباط "الإسرائيليين"، الأمر الذي ساعد في رفع الروح المعنوية بين مقاتلي حزب الله، وتمكنت المنظمة من إعادة بناء بعض شبكات الاتصالات الخاصة بها. وفي الأسابيع الماضية، شن حزب الله هجمات قاتلة في لبنان وشمال "إسرائيل"، بل إن طائراته بدون طيار وصلت حتى إلى منزل نتنياهو في قيسارية. ومن المرجح أن يأمل حزب الله أن تقدم هذه الهجمات بعض التعويض عن إخفاقاته الكبرى خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وهناك أيضاً دلائل تشير إلى أن حزب الله يخطط بالفعل لمستقبله بعد نصر الله. على نحو غير معتاد بالنسبة للمسلمين، لم يُدفن نصر الله فور وفاته. بدلاً من ذلك، تم الحفاظ على جثمانه من أجل جنازة ما بعد الحرب، التي من المرجح أن تجتذب حشوداً أكبر حتى من تلك التي حزنت على رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي اغتيل في العام 2005، وحضر جنازته مئات الآلاف. كان نصر الله، ابن بائع الخضار المتجول، ينظر إليه الشيعة الفقراء في لبنان باعتباره رمزاً للتمكين ضد "إسرائيل" والطوائف الدينية والعرقية الأخرى في لبنان. ومن المرجح أن يستخدم حزب الله جنازته وذكراه لإعادة تأسيس نفسه في الساحة السياسية وإضفاء الشرعية على القيادة المتبقية للمنظمة، وبخاصة (الشيخ) نعيم قاسم، الأمين العام الجديد، الذي كان نائباً لنصر الله في السابق.
مستقبل حزب الله
حزب الله قادر على التعافي؛ ولكن إذا كان للمنظمة أن تستعيد موطئ قدمها فسوف تحتاج إلى التغلب على ثلاثة تحديات رئيسية. التحدي الأول هو التحول بين الأجيال داخل صفوف المنظمة. فمعظم القادة الذين قتلوا في الحملة "الإسرائيلية" كانوا ينتمون إلى جيل نصر الله، الذي نشأ في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. وقد تسبب الافتقار إلى الحراك الاجتماعي في إحداث توترات داخل المنظمة، ويبدو من المحتمل أن "إسرائيل" وحلفاءها تمكنوا من استغلال هذه الإحباطات لأغراض استخباراتية. والحقيقة أن معظم قيادات المنظمة، الذين توفوا الآن، كانوا في الستينيات من أعمارهم، تشير إلى مشكلة يتعين على إيران والقيادة الجديدة التعامل معها.
والتحدي الثاني هو التوترات الداخلية بين الشيعة من وادي البقاع وأولئك من جنوب لبنان. بعد مقتل عباس الموسوي، الأمين العام السابق لحزب الله، الذي ينحدر من شمال شرق البلاد، وقع على عاتق نصر الله، وهو من سكان الجنوب، مهمة إدارة التوترات الجغرافية داخل صفوف المنظمة. ورغم أن الطائفتين الشيعيتين متحدتان بإيمان مشترك وصراع سياسي، إلا أن بينهما اختلافات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
فالشيعة في البقاع يميلون إلى العيش في مجتمعات قائمة على العشائر، وهم أكثر فقراً وتهميشاً في السياسة الوطنية. وعلى النقيض من ذلك، فإن جنوب لبنان هو موطن لجميع الزعماء الشيعة البارزين في البلاد، بمن فيهم قاسم، رئيس حزب الله الجديد، ونبيه بري، رئيس مجلس النواب.
إن تدمير المدن والبلدات الشيعية، والتوترات الطائفية المحتملة التي ستتبع الحرب، يعني أن الطائفة الشيعية بأكملها في لبنان سوف تحتاج إلى مساعدة حزب الله وما تبقى من مؤسساته الاجتماعية لتوفيرها في غياب قدرة الدولة.
التحدي الثالث هو علاقة حزب الله بإيران. فعلى الرغم من كونه لبنانياً، كان نصر الله من نواح كثيرة من أهل طهران. كان بوسعه أن يكسب حزب الله حصة كبيرة من الموارد المالية والعسكرية من النظام الإيراني. ولكن في أعقاب وفاته، قد يضطر حزب الله إلى تدبير أموره لفترة من الوقت بتمويل إيراني أقل، وهو ما قد يدفع المنظمة إلى تبني نهج أكثر استغلالاً للدولة اللبنانية ومواردها.
هل من مخرج؟
في بعض الأحيان، وبخاصة في الآونة الأخيرة، قد يكون من السهل أن نتخيل أن لبنان محكوم عليه إلى الأبد بأن يكون مجرد بيدق في الصراع الطويل الأمد بين "إسرائيل" من جهة وإيران وحزب الله من جهة أخرى. لكن مثل هذه النتيجة القاتمة لا تزال قابلة للتخفيف من حدتها من خلال الدبلوماسية الشاملة، والحوار الوطني، والالتزام الدولي بإعادة بناء الدولة اللبنانية. هذه العناصر الثلاثة لا بد وأن تسير جنباً إلى جنب، وكلها سوف تتطلب جهداً متضافراً من جانب الولايات المتحدة وفرنسا والدول العربية.
سوف تضمن الدبلوماسية الشاملة تعاون إيران، وهو أمر بالغ الأهمية لضمان عدم لعب طهران دور المفسد في أي مرحلة انتقالية قد تلي اتفاق وقف إطلاق النار. هناك حاجة إلى حوار وطني في لبنان لملء الفراغ الحالي في السلطة، ومناقشة الإصلاحات الدستورية التي من شأنها أن تساعد في ضمان السلام بين الطوائف، وتحديد إطار زمني لدمج القدرات العسكرية لحزب الله مع القوات المسلحة اللبنانية. (كان هذا الاندماج، المعروف باسم استراتيجية الدفاع الوطني، في قلب جولات الحوار السابقة في لبنان، ومن شأنه أن يؤمن احتكار الدولة اللبنانية للعنف).
أخيرًا، سيكون الالتزام بإعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية والاقتصاد الممزق في البلاد ضروريًا لتنفيذ أي اتفاق لوقف إطلاق النار، وبخاصة أن القوات المسلحة اللبنانية تعمل في وضع البقاء منذ بدء الانهيار الاقتصادي والمالي في العام 2019. إذا طُلب من القوات المسلحة ضمان وقف إطلاق النار، فسوف تحتاج إلى أن تكون قادرة على تمويل عملياتها، والتي لن تكون ممكنة إلا بموارد اقتصاد منتعش.
بدون مثل هذا الجهد المركّز، فإن المسار الحالي للصراع سوف ينتج المزيد من الاضطرابات في لبنان، حيث تستمر "إسرائيل" في الرد على هجمات حزب الله بعنف غير متناسب يؤدي إلى المزيد من النزوح الجماعي. قد تقدم حملة الفوضى التي تُدار تحت غطاء هجوم ضد حزب الله بعض الفوائد السياسية المحدودة لنتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة. ومع ذلك، بالنسبة للجميع، وبخاصة بالنسبة للمدنيين اللبنانيين، ستكون كارثة.
-----------------
العنوان الأصلي: Israel Brings Its Gaza Strategy to Lebanon
But Hezbollah Is Not Hamas—and Diplomacy Could Still Work
الكاتب: Mohanad Hage Ali
المصدر: Foreign Affairs
التاريخ: 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2024