وكالة القدس للأنباء - متابعة
يرى باحثان هما جنرالان في الاحتياط أن حماس تلقت ضربة كبيرة باستشهاد يحيى السنوار لكنها لن تتفكك ويحذران من التوّرط بالنشوة والوهم ويشددان على ضرورة اتمام "إسرائيل" صفقة معها قبل أن تتبدد مكاسبها. ويعتبر المحاضر في جامعة تل أبيب دكتور ميخائيل ميليشتاين في مقال نشرته «يديعوت أحرونوت» استشهاد السنوار أكبر إنجازات "إسرائيل" في الحرب التي «فُرضت عليها» في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو يضاهي، أو ربما يفوق اغتيال نصر الله. ويعلل رؤيته هذه بالقول إن السنوار كان وراء هجوم السابع من أكتوبر، وهو الذي خطّط له عقداً من الزمن، واعتبره مهمة حياته وحسب تصوراته، كان يُفترض أن يغيّر الهجوم مجرى التاريخ في اتجاه القضاء على "إسرائيل"، حتى لو كلّفه ذلك حياته.
ويتابع «أشعل السنوار بعقله المتقد معركة إقليمية خطِرة، تلقت إسرائيل في بدايتها ضربة غير مسبوقة، لكن هذه الحرب أدت، في الوقت نفسه، إلى زعزعة مكانة معسكر المقاومة بصورة كبيرة. كان السنوار قائداً ذا وزن رمزي ووظيفي في الوقت نفسه. وكان محبوباً من جانب كثيرين من الفلسطينيين، وهو الذي فرض جدول الأعمال الوطني الفلسطيني في السنوات الأخيرة، كما كانت له الكلمة الفصل فيما يتعلق بإدارة الحرب وحُكم حماس في غزة، وكذلك فيما يتعلق بالمفاوضات بشأن صفقة تحرير الأسرى».
طبقا لميليشتاين جاء اغتيال السنوار في وقت حساس للغاية، بالنسبة إلى حركة «حماس»: «بعد عام على اندلاع أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، ظل هو الشخصية المهيمنة في غزة، لكن الحلقة التي كانت تحيط بالسنوار أصبحت ضعيفة وشاحبة، ومستنزَفة في ظل مواجهة عسكرية مستمرة".
حماس لن تنهار
وحسب ميليشتاين تعيش «حماس» في هذه اللحظة حالة من الصدمة والفراغ في القيادة، مشابهة لما عاشه حزب الله قبل شهر، بعد اغتيال نصر الله. مؤكدا أن السيناريو الأقل احتمالاً للتحقق هو أن يؤدي اغتيال السنوار إلى انهيار شامل لهيكل «حماس» أو هروب جماعي، أو استسلام واسع، وربما حتى انتفاضة شعبية ضد «حماس». ويقول إن أعضاء «حماس» سيظلون متشددين، أيديولوجياً، حتى بعد اغتيال قائدهم، وسيظلون مخلصين لفكرهم «المتطرف» ومواصلة القتال، تماماً كما كانت عليه الحال بعد اغتيال القادة التاريخيين، مثل الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري.
فراغ كبير
ومع ذلك، يترك السنوار خلفه فراغاً كبيراً. هذا ما يقوله الباحث الإسرائيلي مرجّحا أن يحدث نوع من تقاسُم الصلاحيات: ستتولى شخصيات بارزة كانت قريبة من السنوار، مثل أخيه محمد، مسؤولية مواصلة القتال والحفاظ على سيطرة «حماس» على الشارع، أو ربما تفعل ذلك شخصيات بارزة في الجناح العسكري، مثل رائد سعد وعز الدين حداد، على الرغم من أنهما يفتقران إلى المهارات السياسية، أو الدعم الشعبي الواسع.
ويضيف «في المقابل، يبدو أن قيادة حماس في الخارج ستضطر إلى التدخل بصورة أعمق لملء الفراغ الذي نشأ، وبصورة خاصة في إدارة الجانب السياسي، وأهم ما فيه المفاوضات المتعلقة بصفقة كان السنوار وقف ضدها بعناد. قد يصبح أشخاص، مثل خليل الحية، نائب السنوار السابق، أو القادة القدامى، مثل خالد مشعل وموسى أبو مرزوق، أكثر قوةً من ذي قبل. حقيقة أن مهارتهم الرئيسية سياسية (بعكس السنوار الذي كان لديه خلفية عسكرية) وأنهم مقيمون في قطر، ويخضعون لضغوط الدوحة (وبطريقة غير مباشرة من الولايات المتحدة) وهو ما يوفر فرصة لتقدّم المفاوضات في هذا الوقت".
بديل لحماس؟
ويقول ميليشتاين إنه مع كل ما تقدم، من المهم تبنّي نهج واقعي في قراءة الواقع وتحديد الأهداف: مثلما هي الحال مع حزب الله، فإن اغتيال السنوار لا يعني انتهاء التنظيم. إن المهارات التي يمتلكها خلفاء السنوار ستكون أقل كثيراً من تلك التي كان يمتلكها السنوار، لكن من المحتمل أن تواصل حماس السيطرة على المجال العام في غزة، وتحتفظ بقدرات عسكرية في المستقبل القريب، حتى لو كانت أقل كثيراً مما كانت عليه في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ويرى أنه يتعين على إسرائيل، لتحقيق القضاء على القدرات الحكومية والعسكرية لحركة «حماس» العودة إلى المعضلة التي ترافقها منذ بداية الحرب، وفي جوهرها الاعتراف بالحاجة إلى السيطرة على القطاع بكامله والبقاء فيه فترة طويلة، وبصورة خاصة إذا كانت تريد خلق ظروف لإنشاء بديل من حركة "حماس".
ويمضي ميليشتاين في محاولة استشراف المستقبل: «أمّا في الوقت الراهن، وفي ظل استمرار "إسرائيل" في حرب استنزاف شرسة في مواجهة حزب الله المجروح، وفي ظل مواجهتها الحاجة إلى التحرك ضد إيران، فمن غير المستحسن الاتجاه نحو احتلال كامل لغزة. فاغتيال السنوار يوفر فرصة للتقدم بطريقة أكثر سلاسةً في خيار الصفقة، إذ بات واضحاً أن اليد العليا في المعركة هي لإسرائيل، وأنها قادرة على ضمان حريتها في التحرك لتنفيذ خطوة استراتيجية ضد حماس في أيّ لحظة».
ويرى "أن الوقت يصبح مصيرياً، ويجب استغلال الصدمة التي تعيشها حماس والحذر من الوقوع في الاعتقاد أن الضربة التي تلقتها الحركة ستؤدي إلى الحسم، مثلما تعلمنا أيضاً من حالة نصر الله. لقد نشأت أمامنا فرصة استراتيجية لإطلاق سراح المختطفين، ومن واجب الحكومة استغلال هذه الفرصة".
من جهته يقول رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق عاموس يادلين في مقال ينشره موقع القناة 12 العبرية إنه بعد السنة المريعة التي عاشتها "إسرائيل"، والتي بدأت بحرب طويلة وقاسية تركت ندوباً دامية لأجيال طويلة، انتهى فصل آخر من الحساب مع السنوار الذي أراد إلحاق ضرر غير مسبوق بإسرائيل.
ويمضي «قتل السنوار لن يعيد قتلانا، ولا يشكل عزاءً لعائلات قتلى السابع من أكتوبر، ولا لأهالي الجنود الذين سقطوا في ذلك اليوم وبعده. أيضاً موته لن يخفف عذاب عائلات المخطوفين، ولن يشفي من الأضرار النفسية الكثيرة التي انتشرت في مجتمعنا. كان من المفترض أن يموت السنوار في هذه الحرب. فهو هدف مهم من النواحي الرمزية والتكتيكية والاستراتيجية. ونظراً إلى كونه رمزاً وزعيماً مهماً في حماس، وفي محور المقاومة، مثل شريكيه في الزعامة محمد الضيف وإسماعيل هنية، كان من المهم القضاء عليه».
ويرجح أن تعمل إسرائيل على ملاحقة كل المشاركين في الهجوم وقتلهم، وستواصل تفكيك «حماس» في العقود المقبلة كما فعلت يدها الطولى منذ زمن. طبقا لمزاعم يادلين فالآن، المطلوب هو تفكير خلاّق ومبادرة إسرائيلية بشأن المخطوفين، إن المهمة الأساسية في غزة في هذه المرحلة هي إعادة المخطوفين. لذلك، يجب التصرف بطريقة خلاّقة، ويتعين على حكومة إسرائيل إعلان استعدادها لإنهاء الحرب، إذا جرى إطلاق كل المخطوفين دفعة واحدة، ووقف النار مدة أسبوع، وتقديم جائزة مالية وتأمين خروج آمن من القطاع لكل مَن يعيد مخطوفاً، أو مخطوفة.
الخوف من النشوة
في المقابل، ممنوع أن تسمح "إسرائيل" برأي يادلين باستمرار رؤيا السنوار بشأن وحدة الساحات، بعد موته: «من هنا، مثلما جرى بعد اغتيال نصر الله، من المهم ألّا نشعر بالنشوة، لأن كل زعيم إرهابي يوجد مَن يخلفه، ونحن ما زلنا في خضم أطول حرب عرفناها في تاريخ الدولة منذ قيامها». ويتابع «الآن، الهدف الأساسي لإسرائيل الساحة الإيرانية التي تشكل تهديداً مباشراً يجب مواجهته.
المطلوب من "إسرائيل" الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني بقوة، بصورة تجمع بين الحاجة إلى تعزيز الردع وبين إغلاق الحادث». ويقول إن إسرائيل لا تزال في خضم مواجهة تدور على سبع جبهات مختلفة: بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، من الصائب أن تقترح إسرائيل إنهاء الحرب في الساحات التي تقبل مطالبها. والشروط التي ستضعها إسرائيل هي: عدم وجود تنظيمات إرهابية بالقرب من حدودها، ومطالبة الدولة في لبنان بأن تعود دولة، وأن تشكَّل لجنة عربية في غزة، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وإجراء عملية إعادة الإعمار، فقط بعد نزع السلاح.
و«استناداً إلى إنجازات الحرب والردع الناشئ» يدعو يادلين إسرائيل لإعلان عقيدة أمنية جديدة، تعمل في إطارها على منع ازدياد قوة التنظيمات «الإرهابية» على حدودها، وتضرب كل مَن يهاجمها، وأيضاً تضرب وكلاءه ويكون هذا الإعلان مدعوماً بتفاهمات مع الولايات المتحدة والأطراف المعنية. ويضيف «قد يرمز موت السنوار إلى بداية نهاية الحرب في غزة، وإلى نهاية بداية الحرب الإقليمية في مواجهة إيران ووكلائها. والكرة الآن في يد الحكومة الإسرائيلية".