بعد أن أكمل العدو "الإسرائيليّ" عامًا كاملًا شنَّ فيه عدوانه الوحشيّ على قطاع غزّة، وقد خرج منه خاليَ الوفاض لم يحقّق أيًّا من أهدافه في القضاء على المقاومة، افتتح عامه الثّاني بحصارٍ خانقٍ على شمال القطاع، يهدف من خلاله إلى تهجير من تبقّى من سكّانه، عبر تنفيذ أكبر عملية إبادة جماعية هناك، يستهدف من خلالها كلّ حجر وبشر وشجر، متمسّكًا بذرائع واهية، تُكشَف من خلال إفراغ حقده في خيام النازحين وإحراقها بمَن فيها من مدنيّينَ عُزَّل.
يمنع الاحتلال دخول المساعدات الغذائية إلى شمال القطاع، ويستخدم عبر "خطة الجنرالات" خاصّته، التي كان قد أطلقها في الرابع من أيلول/ سبتمبر هذا العام، سلاح التجويع الممنهج ليحارب الغزيين طمَعًا بتهجيرهم قسرًا، هادفًا إلى تحويل شمال القطاع إلى منطقةٍ عسكريّةٍ يبثّ من خلالها مذابحه اليوميّة، كما ويطمح إلى تحويل المنطقة نفسها إلى خاصرةٍ رخوةٍ يطعنها كيفما شاء وفي أيّ وقتٍ يريد.
جاءت عمليات المقاومة المستمرّة واستهدافها لدبابات وآليات العدو المتوغّلة، لتؤكّد للاحتلال أنّها باقية، وأنّ النّضال مستمرٌّ حتّى دحر جنوده وكيانه بأكمله، وأنّ كلّ محاولاته هباء، فالمقاومةُ التي يدّعي العدو كسرَ قدراتها، تهدّد "أمنه" كلّ يومٍ أكثر، وتزلزل كيانه الذي يفرغ حقده بخيام النازحين "الآمنين"، ويستخدمهم كدروع بشريّة ويسلّط عليهم صواريخه باعتبارهم بنك أهدافه في المعركة.
مستشفيات الشمال تحتاج من يداويها، إذ تفتقر للوقود، وتعجز عن استقبال أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين، والمجاعة تنهش أجساد الغزيين عبر سياسة التجويع الوحشية، فالمجازر على مدار الساعة، وعدد الشّهداء لا يحصى، وسياسة الاحتلال تقضي بنسفِ المباني السكنية وتهديدِ كلّ الأماكن التي تؤوي المدنيين.
أهالي الشمال يواجهون اليوم أهداف الاحتلال بالتصدي لاقتحاماته والصمود أمام عنجهيّتهِ وتجديدِ اجتياحه البرّيّ بالقتل والتجويع والحصار والبراميل المتفجّرة، أكثر من 200 ألف فلسطيني في جباليا يواجهون خطر الموت، ومخيّم جباليا يتصاعدُ صموده أكثر بقتال مجاهديه وثباته، كالعنقاء التي تولد من تحت الرّكام كلما حاول الاحتلال قتلها.
شمال قطاع غزة، أسطورة الصّمود التي تحمّل أهلها التهديد والإحراق والإجرام "الإسرائيلي" المختبئ بظلالٍ أميركيّة، بأسلحةٍ تحرق جلود الغزيين وتقطّع أشلاءهم، هذا الصمود يجب أن يُطبع على جبهة العالم، فهو قتالٌ من نوعٍ آخر، وثباتٌ وحفاظٌ على بيئة المجاهدين الحاضنة، والتشبث بخيار المقاومةِ والقتال.