قائمة الموقع

مفاهيم جديدة بعد 7 أكتوبر: “هذه أرض لا تحتمل جماعتين مختلفتين ثقافياً"

2024-10-08T18:55:00+03:00
وكالة القدس للأنباء - متابعة

يصعب إجمال حرب لم تنته بعد. فقد بدأت المعركة الحالية بصدمة كصدمة في 1973 (بل وأشد منها)، حملت مزايا حرب 1967 عقب نجاحات عسكرية حققتها "إسرائيل"، وبخاصة في الشهر الأخير، لكن مع مرور الوقت باتت تشبه حرب الاستنزاف.

مع أنها ليست أطول حروب "إسرائيل" (التحرير والاستنزاف كانتا أطول) ولا الأكثر فتكاً (وإن كان 7 أكتوبر اليوم الأكثر دموية في تاريخ النزاع)، لكنها بلا شك أكثر هزاً: فقد نشبت بمفاجأة تامة وفي جبهة لم تعد تهديداً فورياً، فضعضعت إحساس التفوق الاستراتيجي والفكر القومي الذي يقضي بانقطاع العلاقة بتاريخ المحارق اليهودية، ورفعت ذاكرة الانقراض في ضوء المذبحة والخراب وإخلاء البلدات واجتياح أراضينا.

لم يكن أي جديد أو مفاجئ في المعركة الحالية. كان معروفاً من قبل (المشكلة نبعت من الاستخفاف بقوة العدو) عن خطة هجوم حماس ولحرب متعددة الساحات ضد معسكر المقاومة، فاستعدت "إسرائيل" منذ بضع سنوات، وإن افترضت أنها ستنشأ بدينامية لا يمكن السيطرة عليها وليس عقب هجوم مفاجئ. عملياً، نشأت المواجهة الأعنف بين "إسرائيل" وحماس وحزب الله والاحتكاك المباشر الأول مع طهران.

بعد سنة والحديث يدور عن “شرق أوسط جديد” بالمعنى الذي تقصده "إسرائيل". في غزة وبقدر أقل من ذلك في لبنان، تغيرت الجغرافيا والديمغرافيا: غزة تقلصت ديمغرافياً بنحو 8 في المئة (الأغلبية فرت)، وشهدت دماراً غير مسبوق، تفتقد لبنى تحتية للعيش المدني ويتجمع معظم سكانها في مساحة صغيرة. ويبرز في لبنان تدمير قرى الجنوب، وتدفق مليون لاجئ إلى بيروت وشمال الدولة. ولكن حماس وحزب الله اللذين تضررا بشدة بالبعد العسكري بقيا يحافظان على قوتهما على المستوى المدني والسياسي، ولا يمكن تأبينهما.

إيران التي شعرت هذه السنة بضياع رؤياها الاستراتيجية لإفناء "إسرائيل" وإعادة تصميم المنطقة بقيادتها، شهدت هزة في الشهر الأخير، وأساساً عقب ضربة “وكيلها” المركزي. لكن لا ينبغي المبالغة بالنشوة؛ فلطهران قوى كثيرة. وهي تسعى لترميم معسكر المقاومة، وتواظب على تثبيت قوة نووية. كل هذا ويقف في الخلفية عالم عربي ضعيف، خائف ومنقسم، بعيد عن أن يكون أساساً لتحالف إقليمي جديد، مثلما درج على وصفه الخطاب "الإسرائيلي".

7  أكتوبر نفض عن "إسرائيل" مفاهيم كثيرة، وعلى رأسها تلك التي نبعت من الجهل بثقافة “الآخر” وتطبيق منطقنا (الغربي) عليه، إيماناً بأن حماس مردوعة وكل همها التركيز على تطوير حكمها ثم تطويعها بـ “جزر اقتصادي” هذا إلى جانب فرضيات المستوى السياسي بإمكانية التقدم في التطبيع دون الانشغال في الموضوع الفلسطيني، ومواصلة إدارة النزاع بلا حسم، وأن في "إسرائيل" تفوقاً تكنولوجياً وردعاً تجاه أعدائها. بالمقابل، تضعضعت الفرضية السائدة القائلة إن الاحتلال هو جذر كل شر، التفسير الذي يصعب الاعتماد عليه في ضوء العداء الذي انكشف في مذبحة 7 أكتوبر.

ولكن مواصلة المسؤولين عن قصور 7 أكتوبر تصميم الحاضر والمستقبل دون إجراء تحقيق جدي، ثم تركيز "إسرائيل" على إنجازات عسكرية مع امتناعها عن بلورة استراتيجية، كل ذلك أدى إلى ولادة مفاهيم جديدة: “النصر المطلق” (الذي من غير الواضح متى وكيف وهل سيتحقق)، وعقيدة تقويض حماس دون بقاء دائم في الأراضي التي احتلت، وخيالات حكم العشائر، والحلم بنشر قوات عربية في غزة أو إقناع السنوار لمغادرة غزة مثل عرفات في بيروت 1982، والفرضية القائلة إن الضغط سيؤدي إلى تخفيف حدة مواقف حماس في المفاوضات على الصفقة، وفوق كل شيء – الإيمان بالقدرة على إعادة تصميم شرق أوسط جديد وطيب قريباً- كلها تطرح علامة استفهام؛ هل تحسنت قراءة "إسرائيل" لمحيطها؟

"إسرائيل" مطالبة بلجم الجنون الذي ألم بها؛ أي الحركة التي تراوح بين الخوف الوجودي وسكرة الأحاسيس، التي تترافق وذاك الاحتقار عشية 7 أكتوبر وينطوي مثلاً على القول السائد “عبثاً أخفنا أنفسنا من حزب الله”. على "إسرائيل" أن تعي وتفهم بأن عدويها الأساسيين، حماس وحزب الله، مضروبان بشدة، لكن غير قابلين للفناء. مطلوب فرض تسوية في غزة ولبنان يسمح بعودة المخطوفين والسكان إلى بيوتهم، إلى جانب قدرة تدخل في أي لحظة ضد عدو أيديولوجي مرير يتمسك بإبادة "إسرائيل" ويعمل في ضوء رؤيا مسيحانية. بهذه الطريقة، تركز "إسرائيل" على التهديد المركزي– إيران الهدف الذي لا تتيحه حروب الاستنزاف الكثيرة.

في المجال القريب، أثبتت الحرب أهمية البحث والحسم في المسألة الفلسطينية والصعوبة للمضي برؤية حول شرق أوسط جديد دون معالجة جذرية للموضوع. لقد خلقت المواجهة في أوساط معظم "الإسرائيليين" استنتاجين جماعيين بينهما توتر: الأول، أنه لا قدرة على عيش جماعتين أهليتين مختلفتين ثقافياً ومعاديتين في ذات المجال بلا فاصل مادي، وأن وضعاً كهذا معناه سيناريو بلقاني. وبالمقابل، الفلسطينيون ليسوا "ناضجين" للحرية، وإن الاستقلال التام لهم معناه تهديدات وجودية، مثلما جسد مشروع الجهاد في غزة منذ فك الارتباط في 2005.

إن رؤية الصهيونية مطالبة بالتعقيدات في ضوء عدم وجود عنوان مستقر وجدي لقرارات تاريخية حاسمة في الجانب الفلسطيني، فما بالك حساب نفس أو قبول "إسرائيل" كحقيقة قائمة؟ ستكون "إسرائيل" مطالبة بفحص كيف يمكنها المضي بفصل مادي بين الجماعتين الأهليتين، حتى من طرف واحد، دون أن ينطوي الأمر على تهديد وجودي، ما يفترض مثلاً الحفاظ على السيطرة على بوابات الكيان الفلسطيني إلى العالم (غور الأردن وفيلادلفيا). هذه ليست وصفة مؤكدة لاستقرار كامل، فما بالك لتعايش وسلام. لكن في ضوء البدائل الأخرى وعلى رأسها الحكم المباشر على الفلسطينيين ودولة واحدة (يلوح كأهون الشرور).

--------------------

الكاتب: ميخائيل ميلشتاين

المصدر: يديعوت أحرونوت

التاريخ: 8/10/2024

اخبار ذات صلة