قائمة الموقع

"الشرق الأوسط الجديد" ترسمه بنادق المقاومين

2024-10-08T12:29:00+03:00
أسماء بزيع*

بعد انتشار خبر اغتيال سيد شهداء طريق القدس السيد حسن نصرالله، بدأت نبرة التصريحات الأميركية والأوروبية و"الإسرائيلية" تفشي بعضًا من مدسوسات الخطة الغربية في حدودها المفتوحة والممتدة من غزة ولبنان إلى إيران وروسيا والصين، وما بينها أدلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بتصريح  عن "تغيير الواقع الإستراتيجي في الشرق الأوسط"، وأفصح عن المخطط الكوني الذي يجمع بين "دولة إسرائيل الكبرى" والنظام الأميركي الإمبريالي انطلاقًا من خريطة "الشرق الأوسط الجديد".

فالشرق الأوسط الجديد، الذي طالما سمعنا عنه منذ حرب العراق في العام 2003، والمعني في تصريح نتنياهو، يمكن تخمينه بسهولة، من خلال الرجوع إلى سجل رئيس الحكومة السياسي غير الناصع، والذي يشير إلى واقع سياسي لا مكان فيه لدولة فلسطينية. فلم يكن المقصود به تحوّلًا جيوسياسيًا محدودًا، ولا الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، كما لم يعد هدفه سلاح "حزب الله"، فحضوره وحضور "حماس" على طاولة المفاوضات واقع يجب أن ينتهي قبل الجلوس حول الطاولة، بل هو أبعد من ذلك، فالقضاء عليهما والسيطرة على الغاز في لبنان وغزة قرارٌ اتخذته واشنطن منذ فترة طويلة، وطلب تسليم السلاح نراه يُواجَه بعناد بندقية المقاومين. والمقصود وبحسب المصطلحات المستعملة في دوائر صنع القرار الإستراتيجي: إعادة رسم خريطة العالم، وتبديل مراكز القوى لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة؛ أو يمكن اختصارها بحرب عالمية ثالثة مصغّرة.

إلّا أنّ الشرق الأوسط الجديد الذي يريده الفلسطينيون والشعوب العربية الحرّة، يختلف بالضرورة عن ذلك الذي يريده نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف الحاكم. والمسافة بين ما يريده الطرفان شاسعة، ولا يمكن تجسيرها بجسور عسكرية مؤقتة، بل هو ليس إلّا وجهًا آخر لعملة قديمة، وسرابًا سرعان ما يزول. وقد بدا ذلك واضحًا في حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" على غزة منذ نحو عام، وعدم قدرتها على تحقيق مكاسب حقيقية في إخضاع المقاومة الفلسطينية أو القضاء عليها، رغم استخدامها كلَّ أنواع البطش والإجرام بحق أهالي القطاع، بل وفقدت القوة التي سعت أميركا لدعمها بها بكل السبل المتاحة منذ عقود، وهذا ما دفع القادة "الإسرائيليين" للتوجه نحو لبنان، وضرب "حزب الله" ضربات قاصمة، ظنًّا بأنها ستعيد لهم الثقة التي تزعزت أمام صمود المقاومة الفلسطينية في غزة.

على كل حال، إنّ المعركة الدائرة في غزة ولبنان خرجت من كونها معركة محلّية، تجاوزت الجغرافيا الحالية، وأصبحت ذات طابع كوني، يشارك فيها الغرب بقواه الفاعلة (الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، في مقابل محور المقاومة بكل جبهاته التي تنتقل تدريجيًا من مرحلة الإسناد إلى الاشتباك المباشر.

وقد وأظهر طوفان الأقصى أن هناك فجوة مصالح بين أميركا والكيان "الإسرائيلي"، رغم دعم الولايات المتحدة اللامحدود لمدللها "إسرائيل". فإذا كانت أميركا بما تملك من إمكانات ومصالح ورؤية للعالم تعاني من هذا القصور في قراءة المشهد، فهذا يعني من باب أولى أن دولًا كثيرة لا تستطيع القراءة أيضًا، فما يجري في العالم اليوم هو مخاض، ليس لولادة شرق أوسط جديد، بل لولادة نظام عالمي جديد.

فقد فَرَضَت بنادق المقاومين قيودًا على توسّع المشروع الاستعماري، في الشمال وفي الجنوب، حيث أن محاولات تحطيم وتقسيم "محور المقاومة" تَبوء بالفشل، وليس بالإمكان تجاوزها عبر إنشاء شرق أوسط جديد كما حاولت إدارة بوش أن تفعل، لأنّ المنطقة ترسم معالمها وحدودها قوى المحور، بتماسكها وتكاملها مع كل مكوناتها. بمعنى آخر، ثمة وحدة ساحات وتحالف مضاد عربي وغربي يتصادمان في فضاء مفتوح ومتنقّل ومن شأنه التأسيس لعالم جديد، وقد يحمل بشارة التحرر من الهيمنة الإمبريالية الأميركية وفروعها الأوروبيات وكيانها المأزوم، والكلمة الفصل للميدان. *(وكالة القدس للأنباء)

اخبار ذات صلة