قبل أسبوعين، دخلت الأراضي اللبنانية في دائرة الاستهداف الإرهابي الصهيوني، لا سيما في جنوب البلاد وفي الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. بعد الاغتيالات التي طالت قيادات سياسية وعسكرية في حزب الله، وبالأخص سماحة السيد حسن نصر الله، شنَ كيان العدو هجوما وحشيا يسعى من خلاله الى تدمير كل نفس حيّ في الضاحية الجنوبية وفي جنوب البلاد، في المدن والقرى وحتى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. يمكن اعتبار هذا المشهد التدميري التام استنساخ للدمار وحرب الإبادة التي يشنها الكيان الاستيطاني الصهيوني على قطاع غزة، والتي بدأها قبل سنة، في 8/10/2023، والمستمرة الى اليوم.
ما هي نقاط التشابه بين قطاع غزة ولبنان ؟
اعتبار حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله أعداء يجب تصفيتهم، من خلال اغتيال قياداتهم وعناصرهم وتدمير هيكليتهم التنظيمية، العسكرية والمدنية. الاعتقاد الصهيوني أن التخلص من حركات المقاومة في فلسطين ولبنان يمكّن الكيان الاستيطاني، ومن ورائه الولايات المتحدة والغرب الاستعماري وبعض الدول العربية المتصهينة والمتأمركة، بتغيير الوضع السياسي في البلاد المستباحة: إيجاد قوة عربية ودولية تتحكم بقطاع غزة وفسح المجال لقوى سياسية لبنانية تابعة للولايات المتحدة الأميركية لتحكم لبنان.
تشارك الولايات المتحدة الأميركية في هذه الحرب التدميرية، رغم التصريحات التضليلية، من خلال تواجد ضباطها في المعارك وتزويد كيان العدو بأطنان من المتفجرات والقنابل والمعدات العسكرية المختلفة، كما تشارك الدول الغربية الاستعمارية أيضا، من خلال تزويد الكيان بالأسلحة ومن خلال إعلامها الذي يروج للأكاذيب الصهيونية ويختلق الروايات لبث الذعر وضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة ومنع التضامن مع المقاومة.
من ناحية أخرى، توضّحت صورة دور المؤسسات الدولية في المنطقتين الذي يتراوح بين التجسس على المقاومة وشعبها (يونفيل في لبنان ومنظمات غير حكومية) وبين التواطؤ والعجز.
وحشية الغارات على المدنيين وتدمير البنايات على ساكنيها، باستخدام التفوّق العسكري الجوي. استهدف جيش العدو البيئة الحاضنة للمقاومة في قطاع غزة حيث قتل أكثر من 42 ألف مواطن فلسطيني الى الآن، وفي المناطق اللبنانية (الجنوب، البقاع، الضاحية الجنوبية ومناطق الإيواء أحيانا) لكسر معنويات الشعب المقاوم وفصله عن حركات المقاومة. ويخترع الأكاذيب حول وجود أسلحة وذخائر ومقاومين وأنفاق تحت البنايات والمنشآت المدنية (المستشفيات في قطاع غزة والمراكز الإعلامية في الضاحية الجنوبية) لتنفيذ هجوم وحشي على أحياء بكاملها وقتل المدنيين فيها. هذه الادعاءات الكاذبة أصبحت إحدى الذرائع لقتل المدنيين، ولتبرير هذا التوحش أمام المجتمع الدولي.
يسعى الكيان المتوحش الى خلق مناطق عازلة، شمال قطاع غزة وجنوب لبنان، ويبرر هذا العدوان بأنه يريد سلامة المستوطنين، في شمال وجنوب فلسطين المحتلة، لكن من المعروف أن أي منطقة عازلة بالنسبة له يتبعها الضم وبداية مشاريع استيطانية فيها. لا ينكر الصهاينة نيّتهم باستيطان كل المناطق التي يدخلها جيشهم، من النيل الى الفرات. ولكن بين النيّة والمقدرة، هناك فرق شاسع يصنعه المقاومون وحاضنتهم.
ضرب المؤسسات المدنية والمنشآت الطبية في قطاع غزة والمناطق اللبنانية المستهدفة كالمستشفيات لمنعها من تقديم العلاج، وطواقم الدفاع المدني والمراكز الصحية المختلفة في قطاع غزة، التابعة للجمعيات المحلية والدولية. فاعتبرها العدو ملحقات مدنية للمقاومة، ولذلك اغتال بشكل منهجي الطواقم الطبية والمسعفين والعاملين في هيئات الإغاثة في المنطقتين. في لبنان، اغتال العدو الصهيوني قبل أيام طاقم الهيئة الصحية الإسلامية الموجودة في بيروت. دمّر العدو أحياء كاملة ومنشآت اقتصادية وتجارية لضرب المصالح الأهلية. سلّط مسيّراته التجسسية على مناطق لبنانية وكل قطاع غزة. لاحق المؤسسات الإعلامية ودمّرها كليا في قطاع غزة، واغتال الصحافيين في الجنوب اللبناني وبشكل منهجي في قطاع غزة، حيث اعتبر أنهم يعملون في المؤسسات الإعلامية التابعة للمقاومة.
في الوقت الذي يحاصر العدو الصهيوني قطاع غزة منذ 18 سنة، يحاصره لليوم بشكل مطبق منذ عدة أشهر، لمنع الإغاثة ودخول المستلزمات الطبية والوقود وغيرها من الاحتياجات اليومية للمحاصرين، وفك الارتباط بين الشعب ومقاومته. يحاول العدو محاصرة المقاومة في لبنان، عبر منع أي شخص أو مؤسسة إغاثية الدخول الى الضاحية الجنوبية والجنوب.
فقصف مؤخرا منطقة المصنع بين سوريا ولبنان وغيرها من المناطق على الحدود بين البلدين، لمنع دخول المساعدات الى الشعب المقاوم، وهدّد إيران بقصف طائراتها في مطار بيروت، التي كانت تحمل المساعدات. ما يعني أن العدو الصهيوني يسعى لمحاصرة المدنيين الذي يعتبرهم الحاضنة الشعبية للمقاومة في قطاع غزة وفي لبنان وتدفيعها ثمن المقاومة ضد عدوانه.
تواجه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والمقاومة الإسلامية في لبنان العدوان الصهيوني منذ بداية معركة طوفان الأقصى ولم تنقطع يوما العمليات في القطاع وغلافه وفي المنطقة الشمالية من فلسطين المحتلة. تستخدم المقاومة أنواع مختلفة من الأسلحة التي أنتجتها السنوات الماضية وما زالت تنتجها في الأنفاق، في قطاع غزة وفي لبنان. تلعب الأنفاق التي شقّها المقاومون دورا مهما في المقاومة في المنطقتين، كمكان لتصنيع الأسلحة وتجهيزها ولقيادة المعارك. تعلن المقاومة بشكل يومي عن عملياتها بالصور والبيانات، من أجل دحض الإعلام الصهيوني من جهة وتطمين حاضنتها وجماهيرها في العالم من جهة أخرى، بأنها على خير ومستمرة، رغم الاغتيالات التي طالت قيادتها والدمار الذي لحق بمناطقها.
ما هي نقاط التباين بين المنطقتين المستهدفتين بالمجازر ؟
يمتاز قطاع غزة بوجود المقاومة التي نفذت عملية طوفان الأقصى المجيدة يوم 7 أكتوبر 2023، وأن القطاع يقع تحت حكم ونفوذ حركة حماس، التي لا يعترف بها المجتمع الدولي ومؤسساته. من ناحية أخرى، خاضت المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة الجهاد الإسلامي، عدة معارك دفاعية وهجومية ضد العدو، في السنوات الأخيرة، حيث تم اغتيال قيادات وتدمير منازل ومنشآت اقتصادية وأبراج سكنية. لم تتمكن الجهود الصادقة من إعادة بناء جزء كبير منها قبل حرب الإبادة الجماعية المتواصلة. إضافة الى أن قطاع غزة يقع، بمساندة قوى الشر في العالم، تحت حصار صهيوني منذ 18 عاما، لم تتمكن كافة الجهود الصادقة من فكه. فأثّر هذا الحصار القاتل على كافة نواحي الحياة في القطاع.
تمثّل العدوان على قطاع غزة، منذ بداية معركة طوفان الأقصى، بالقصف الهمجي لكل المناطق، من الشمال الى الجنوب، وخاصة في الأحياء والمخيمات المكتظة بالسكان، تبعه توغل جيش العدو الذي مارس أبشع الجرائم بحق المدنيين، من قتل واعتقال ودفن الاحياء تحت الأنقاض، وتعذيب وسرقة المنازل وحرقها. ومنذ شهور، يتابع العدو قصفه لمراكز الإيواء لتهجير سكان غزة، من منطقة الى أخرى، وإفراغ القطاع وخاصة شماله، من السكان. فاعتبر كيان العدو أن كل قطاع غزة وشعبها، من أصغر طفل الى أكبر مسنّ ينتمي الى المقاومة، يجب قتله، وكل المنشآت المدنية، وإن كانت أجنبية ودولية، يجب تدميرها، لأنها تدعم صمود أهل غزة. فتعمّد الى تدمير كافة المراكز الصحية، والمدارس والجامعات، ومحى بالصواريخ الأميركية كل المعالم التراثية والمساجد التاريخية في القطاع.
في لبنان، الوضع يختلف من ناحية وجود سلطة سياسية غير تابعة لحزب الله، وكون لبنان دولة لديها مؤسساتها المعترف بها دوليا، ما جعل العدوان الهمجي محصورا في بعض المناطق التي اعتبرها العدو حاضنة المقاومة. فدمّر المؤسسات الطبية ولاحق العاملين فيها في المناطق المستهدفة، وأحيانا خارجها، عندما قصف بناية في شرق صيدا وفي الجيّة وكيفون، وعندما اغتال قياديي في المقاومة الفلسطينية في بيروت ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في البص وعين الحلوة والبداوي. يدعي العدو أنه لا يستهدف إلا المقاومة، غير ان الواقع ينفي ادعاءاته، اذ قصف مناطق آهلة دون تمييز، واستشهد الى الآن أكثر من 2000 مواطن، وقبل توسيع العدوان، استهدف الآلاف من السكان الآمنين عبر الأجهزة الالكترونية المفخخة.
رغم تكامل أداءها، تختلف المقاومة في لبنان وفي فلسطين بعض الشيء. في حين تتألف المقاومة في قطاع غزة من فصائل المقاومة المقاتلة، وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام، يقود المعركة ضد العدو من لبنان حزب الله، وتشارك الى جانبه تنظيمات فلسطينية (لا سيما حركة الجهاد الإسلامي) ولبنانية متنوعة. في قطاع غزة، لقد تمكّن المجاهدون من خطف، يوم العبور المجيد، جنود وضباط من جيش العدو، لاستبدالهم بالأسرى الفلسطينيين، وما زال الى الآن يعيش ما يقارب المئة منهم في الأسر ولم يتمكّن العدو من "تحريرهم". يشتبك المجاهدون في كل أنحاء قطاع غزة مع الغزاة، ويستهدفون تموضع جيش العدو في نتساريم ومحور فلدلفيا في الجنوب، الى جانب استهداف المغتصبات الموجودة في غلاف غزة، ما أدى الى تهجير المستوطنين نحو الوسط، وتصل أحيانا صواريخهم الى ضواحي تل ابيب.
في الجبهة اللبنانية، يقاتل المجاهدون انطلاقا من الجنوب، ويمنعون جيش العدو من التوغل الى الأراضي اللبنانية وتنفيذ وعده للمستوطنين. ومنذ بداية المعركة، تقصف المقاومة المغتصبات العسكرية والأمنية والسكنية شمال فلسطين المحتلة وأحيانا في الجولان المحتل، ما أدى الى تهجير عشرات الآلاف من المستوطنين الى وسط الكيان. منذ أكثر من شهر، وبسبب الاغتيالات الصهيونية وتوسيع العدوان، وسّعت المقاومة في لبنان من استهدافها نحو وسط الكيان (شمال تل أبيب)، ونحو مدن الشمال (حيفا، صفد، طبريا..).
في قطاع غزة ولبنان، استخدم كيان العدو تقنيات جديدة لقتل الناس وتدمير الحياة. في هذ الحرب التي تطال أيضا الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، من أجل تهجيرهم وابتلاع كافة المناطق الفلسطينية، حيث قام مؤخرا باستهداف مخيم طولكرم بالطيران الحربي.. ويمارس العدو الصهيوني، بمباركة أميركية واضحة، كل أنماط الإرهاب والتوحش. لكن المجازر والدمار والاغتيالات لا تصنع نصرا، كما قال العديد من المحللين. المقاومة تواصل تصديها وتستهدف جيش العدو وتمنعه من السيطرة على الأرض، وتنفيذ مخططاته الجهنمية.