قائمة الموقع

عامٌ على "طوفان الأقصى": هذا زمنُ فلسطين

2024-10-06T13:57:00+03:00
هبة دهيني*

صبيحة السّابع من أكتوبر العام الماضي، عَرِجَت شمسُ المقاومةِ باكرًا وأرَتِ العالمَ حُمرَتَها ثأرًا لفلسطين، انقضَّ رجالُ تشرينَ نحوَ الأراضي المحتلّة، ونفّذوا الهجومَ الكاسحَ على مستعمراتِ غلاف غزّة المليئة بالمواقع العسكريّة "الإسرائيليّة"، وتركوا العدوّ مخدَّرًا وهو ينادي حليفته "أمريكا" طَمَعًا بمساعدتها للخروجِ من صدمته، إذ منَ السّماء ومن فوق الأرض، بشَّرَ مقاومو فلسطينَ بلادهم بالنّصر، وبولادةٍ جديدةٍ لانتفاضةٍ وعصرٍ فلسطينيٍّ يقصُر فيه عُمر "إسرائيل".

تفاصيلُ ساعةِ الصّفر صبيحةَ يوم سبتٍ في تشرين الأول/أكتوبر، بتنا نعرفها جميعًا، لكنّنا ما كنّا ندري أنّ الصّفرَ هذا سيكبرُ ليرسمَ عمليّاتٍ تدكّ دبّابات الاحتلال وجنوده على مدى عامٍ كامل يُضفي فيه المجاهدونَ للأعداد قيمة، بمثلّثٍ أحمرَ مقلوبٍ يدكّ عمق الكيانِ ويشوّه أرضهُ بعبوّاتٍ ناسفة، عامٌ جدَّدَت فيه المقاومةُ ثقة حاضنتها الشّعبيّة بأنّ هذا هو زمن ولادةِ النّصرِ واحتضارِ الاستعمار، وبأنّ "الجيش" الّذي يتغنّى الغربُ والمطبّعونَ منَ "العرب"، بقوّته وعنجهيّته، هو هشٌّ لا يساوي شيئًا أمام صوتٍ جهورٍ لقائدٍ منّا، وطلقةٍ شجاعةٍ لبندقيّةِ مُقاوِم.

عامٌ كاملٌ قصَّرَت فيه المقاومةُ عمر الكيان المحتلّ، ولا يناقشُ عاقلانِ في نجاحها النّاجع في إعادة إحياء الصّراع الجاري في المنطقة العربيّة بينَ الشّعوب والقِوى من جهة، وبين المشروع الصّهيونيّ من جهة أخرى، إذ كنّا في مرحلةٍ يحاول فيها العدوّ بأدواته الإمبرياليّة إخفاتَ صوت المقاومة الشَّعبَويّة وتجميلَ صورة "إسرائيل" بشعارات واهية كالدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان، برز دحضُ هذه الأقاويل بشدّة يومَ خرَق المقاومونَ الغلافَ وكسروا صَلَف العدوّ، وأغرقوهُ بمفاجآتٍ نضاليّةٍ لم يعهَد مثلها من قبل، وبرهنوا للعالم أجمع أنّ هذا الكيانَ الزّائل لا يجيد سوى لغة الوحشيّةِ والذّرائع الواهية.

إذ لا غروَ أنّ هذا العدوّ الّذي سعَت قوى الاستعمار في المنطقة لإخراطه في أرضنا العربيّة ولإعادة رسم خريطة "الشّرق الأوسط الجديد" كما يتمنّى "نتنياهو"، هذا العدوّ بكلّ ما يمتلك من قدراتٍ ودعمٍ عسكريٍّ أمريكيّ، وأملٍ مصطنعٍ لدمجه في المنطقة ولإقصاء الشّعب الفلسطينيّ، كلّ هذا وأكثر، هراءٌ وأمنياتٌ خجولة دُفِنَت تحت أقدامِ المقاومين في قطاع غزّة، وفي كلّ جبهات الإسناد.

ففي الوقتِ الّذي تقاومُ فيه الجبهاتُ المساندة مُعاضدَةً ودعمًا لشعب فلسطين ومقاومتها في غزّة والضّفّة، هناكَ حكوماتٌ "عربيّة" تعضُّ أصابِعَها حُزنًا على اتّفاقيّاتِ تطبيعٍ أخفَتَ السّابع من أكتوبر صوتها، هذه الاتفاقيات التي كانت لتتحوّل لذرائع تتمسّك بها حكومات تنتظر فرصتها للانضمام إلى رَكب التّخاذل والتّطبيع الدّولي مع الكيان، لتكونَ كما تريدُ "أمريكا"، حكومةً ذليلةً تخضعُ للغربِ بكلّ ما فيه من أطماعٍ مادّيّةٍ استعماريّةٍ وفكريّةٍ تشويهيّة.

لقد كشف طوفان الأقصى هشاشة "إسرائيل"، وفتَحَ أبوابًا لشعوبٍ عالميّة -وليست عربيّة فحسب- للنّضال والمقاومة بكلّ السّبل الممكنة، ولتصحيح انتماء بوصلتها نحو القضيّة الفلسطينيّة، وتجديد الوعي والإيمان الدَّوليَّين نحوَ وُجهةٍ واحدة، وتدمير الأساطير الّتي زرعها الاحتلالُ المُتَأَمرِك في أذهاننا، على شاكِلة "الجيش الّذي لا يُقهر"، و"الدّولة" الّتي لا تسيطرُ عليها أخرى، والواقع الّذي سلَّمَ العالمُ له أمرَهُ وتقبَّلَهُ وطبَّعَ مع وجوده.

جاءت المقاومة في السّابع من أكتوبر لتقول أنّنا لا نقبلُ بنصفِ نصر، ولا بالنّزر اليسيرِ من جغرافيا البلاد، ولا بكبحِ جماحِ أصواتنا الّتي سَعَوا لإخفاتها على مدى أعوامٍ عجاف، بزَغَت شمس السّابع من أكتوبر لتقولَ بأنّ "الأرضَ أرضكَ يا فتى، وهذه البلادُ بلادنا"، وبأنّ العيشَ تحت الذّلّ والاحتلالِ ليسَ أمرًا ترضاهُ شعوبُ غرب آسيا الّتي فرضوا عليها تسمية "الشّرق الأوسط"، وهم يحاولونَ تطوير التّسميةِ وتجديدَ جغرافيا المنطقة.

 إنّهُ يومٌ لنا كلّ ما بعده، على الرّغمِ من الدّماءِ الّتي ذرَفَتها فلسطين، والشّهداء الّذين ينظرون إلينا اليوم من بعيد، فإنّ دماءهم هي حدود البلاد، وهم بوصلةُ عملِنا وتضحياتنا، هؤلاء الشّهداء رحلوا لتبقى فلسطين، وهذا بالتّحديد، هو حبّ البلادِ الّذي لم يفهمهُ أحدٌ من دُوَلهم المُستعمِرة بعد، إنّنا نحبّ البلاد، بجوارحنا ودمائنا وأرواحنا المشتاقة، نحبّها ولو كانت خرابًا، بل وبحقّ خرابها السّاكتِ فوقَ جروحِ الأرضِ نحبّها، وبحقِّ نصالِ الخناجر في اليمن، وسلاح أبناء الرّضوانِ في جنوب لبنان، والدّمعِ الّذي لم تسعهُ حدودٌ كما احتوتهُ فلسطين، نحبّها، وإنّ حبّ البلادِ وتحويلَ الحزن والدّمع والضّعف تُجاهها إلى ثأرٍ وكبرياءٍ وقوّة، هو من خلَّفَ السّابع من أكتوبر. *(وكالة القدس للأنباء)

اخبار ذات صلة