تعيش الضفة الغربية المحتلة على برميل بارود يحذّر الخبراء من قرب انفجاره، في ظلّ التصعيد المتشعّب الذي تدفع إليه "إسرائيل"، سواء من خلال عمليات جيشها والمجازر التي بات يرتكبها يوميّاً، أو عبر إطلاق عقال مستوطنيها وتشجيعهم على ارتكاب الجرائم، فضلاً عن تعزيز الاستيطان، والاستعجال في تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، كما التلويح باجتياح الضفة بشكل كامل.
وشهدت الضفة، الإثنين، تصعيداً جديداً، تمثّل في قصف مُسيّرة "إسرائيلية" منزلاً في مخيم نور شمس في طولكرم، ما أسفر عن استشهاد خمسة شبان، فيما شنّ المستوطنون هجوماً على إحدى قرى بيت لحم، ما أدى إلى استشهاد شاب وإصابة آخرين.
وزعم جيش الاحتلال اغتيال خلية للمقاومة كانت نفّذت سابقاً عمليات إطلاق نار، وذلك من خلال قصف «غرفة عمليات» في مخيم نور شمس، بعدد من الصواريخ، فيما أكد شهود عيان أن أربعة انفجارات قوية سُمع دويها في المدينة وضواحيها ومخيماتها، ناجمة عن إطلاق مُسيّرة عدداً من الصواريخ صوب منزل في حارة المنشية في المخيم. وتُظهر هويات الشهداء وأسماؤهم، أن أربعة منهم تقلّ أعمارهم عن 20 عاماً، فيما الخامس يبلغ من العمر 46 عاماً.
ومن بين الشهداء فتية تحرّروا في صفقة تبادل الأسرى في تشرين الثاني الماضي، إلى جانب الشهيد جبريل جبريل الذي أُفرج عنه أخيراً، وعاد ليلتحق بالمقاومة على غرار العديد من الفتية المحرَّرين، من مثل الشهيدين وائل مشة، وطارق داوود، اللذين نفّذا عمليات إطلاق نار بعدما تحرّرا وأصبحا مطاردَين إلى أن قضيا نحبهما.
وعلى خلفية ما جرى في «نور شمس»، عمَّ الإضراب الشامل العديد من محافظات الضفة، ومنها طولكرم وقلقيلية وبيت لحم، فيما نعت حركتا «حماس» و"الجهاد الإسلامي"، في بيانَين منفصلَين، الشهداء، ودعتا إلى النفير العام ومزيد من الاشتباك والتصدّي للاحتلال ومستوطنيه، واعتبرتا عملية الاغتيال في المخيم، «محاولةً بائسة لاقتلاع شوكة المقاومة التي توجع الاحتلال بعملياتها".
أيضاً، شهدت بيت لحم، مساء الإثنين، جريمةً جديدة ارتكبتها عصابات المستوطنين، والتي هاجمت قرية وادي رحال، وأَطلق عناصرها الرصاص الحي على المواطنين، ما أدى إلى استشهاد شاب وإصابة ثلاثة آخرين بجروح متوسطة. وترافقت تلك الجرائم مع استنفار عسكري كبير لجيش الاحتلال، بعد تلقّيه بلاغاً عن عملية «اختطاف» مستوطن شمالي الضفة، واستدعائه إثر ذلك قواته إلى المنطقة، حيث باشرت عمليات البحث.
وفي هذا الإطار، قال مراسل «القناة الـ14» العبرية، إن امرأة فَتحت الباب الخلفي لمركبة تحمل لوحة تسجيل فلسطينية عند مفترق «تبواح» قرب نابلس، وصرخت بالعبرية: «النجدة»، ليزجّ جيش الاحتلال بقواته إلى الموقع الكائن في محيط محافظة نابلس، حيث قامت بإغلاق الطرق، وباشرت بإجراء «عمليات تمشيط»، قبل أن تعلن مصادر إسرائيلية أن البلاغ "كاذب".
وفي الساعات الماضية، ارتفع مستوى التحريض في وسائل الإعلام العبرية ومواقع المستوطنين ضد الضفة الغربية ومدنها ومخيماتها، وسط مطالبات بشنّ حملة عسكرية واسعة فيها. وقالت مصادر "إسرائيلية"، أمس، إنه «على الرغم من أهمية كل الجبهات الأخرى، فإن ساحة الضفة تقلقنا جداً. نحن نستعدّ لرفع مستوى العمليات في هذه المنطقة، وربّما بشكل كبير من أجل سحق (ما تسميه) "الإرهاب" الذي يعرّض مواطني إسرائيل للخطر».
وفي الإطار نفسه، ذكرت «القناة الـ14» أن «المنظومة العسكرية "الإسرائيلية" تستعدّ لعملية واسعة جداً في الضفة الغربية في أعقاب سلسلة العمليات والتحذيرات الخطرة من وقوع عمليات".
ويبدو أن الاحتلال يريد من هذه التسريبات، الضغط من أجل احتواء المقاومة، خاصة أن الضفة تعيش منذ أيار 2022 على وقع هجمة عسكرية مستمرة أَطلق الاحتلال عليها «كاسر الأمواج»، وهي تشهد، منذ ذلك الوقت، اقتحامات على مدار الساعة، تتخلّلها عمليات إعدام وقنص وقصف جوي، رفعت عدد الشهداء، منذ السابع من أكتوبر، إلى أكثر من 650. ومع هذا، ليس مستبعداً توسيع جيش الاحتلال عملياته شمالي الضفة، بل أن السيناريو الأخير يُعدّ احتمالاً وارداً ومتوقّعاً، في ظلّ حجم التحريض ودعوات القتل التي يطلقها المستوطنون ضد مدن جنين وطولكرم وقلقيلية وطوباس.