أيام الضيق لا تنتهي سريعا هذه السنة. فالانتظار المضني لهجوم يأتي من لبنان وربما أيضاً من إيران يبقى يرافقنا على الأقل إلى أن يتبين إذا كان ممكنا الوصول إلى صفقة مع حماس، صفقة مشكوك ان تعيد كل المخطوفين لكنها يمكنها أن توقفنا من أن نواصل التدهور نحو حرب إقليمية واسعة.
فضلاً عن الأهمية العليا من أداء واجب الدولة لإعادة المخطوفين وإنقاذ من لا يزال ممكناً إنقاذهم، فإن الصفقة قد ترفع "إسرائيل" من الدرك الأسفل الاستراتيجي الذي هي فيه وتعيد تثبيت مكانتها في المنطقة. فالقرار الأمريكي هذا الأسبوع لإزالة حظر السلاح عن السعودية هو إشارة مهمة لنا بأن الطريق إلى التطبيع مع الدولة العربية الأهم لا يزال مفتوحاً. بعد ثلاث سنوات امتنعت الولايات المتحدة فيها عن بيع السلاح الهجومي للسعوديين، تعود لتعترف بأهمية السعودية باستقرار المنطقة.
التطبيع مع السعودية قد يكون محطماً دراماتيكياً للتعادل بالنسبة "لإسرائيل"، لا يقل بل وربما أكثر من اتفاقات إبراهيم مع الإمارات والبحرين. ربما يعيد تموضعنا كرواد ائتلاف إقليمي، بدعم أمريكي، ضد العدو الإيراني. السعودية، مثل الإمارات، هي مثال قدوة لنزع التطرف الذي يتطلع رئيس الوزراء لأن يحله على غزة. دولتان ربتا طوال سنين على كراهية إسرائيل، وبدأتا تربيان بشكل مختلف. إذا ما تمكنا من ربطها بدور مجد في غزة والضفة، فسنتمكن من تصميم مستقبل "إسرائيلي" آخر.
تقف حكومتنا مرة أخرى أمام المعضلة التي ترافقها منذ قيامها. هل مهمتها هي الحرص على مستقبل الدولة أم مواصلة إرضاء وزير الأمن القومي؟ خطواته المفعمة بالسرور على أرضية الحرب في التاسع من آب بثت أنه لم يعد يأتي لإثبات من هو رب البيت، فهو يعرف أنه هو رب البيت. وأمام نزعة التسيد التي يبديها بن غفير، يبدو نتنياهو كظل باهت لذاك الزعيم الذي كان ذات مرة. بن غفير، محب إشعال النيران منذ صباه، تلقى في هذه الحكومة علبة أعواد ثقاب كبيرة وقدرة وصول إلى كل براميل المواد المتفجرة. ولن يتوقف حتى يجسد حلمه في إشعال المنطقة علينا.
إن معظم "الإسرائيليين" العاديين يتحفظون منه ومن طريقه. ولكن مثل الضفدع في الوعاء، يعتادون على درجة الحرارة. هذا الأسبوع كنا على مسافة خطوة من عملية فتك بحق خمس إسرائيليات، أربع نساء وطفلة، تعثر حظهن وعلقن في البؤرة الاستيطانية “جفعات رونين” في السامرة (جنوبي الضفة المحتلة)، ما يسميها مؤيدو بن غفير بحلو اللسان “الاستيطان الفتي”.
“فتيان التلال” لم يعودوا فتياناً. بن غفير جعلهم ميليشيا مسلحة، مع سلاح وزعه بسخاء بثلل التأهب – ولم نعد نقف اليوم أمام منظمات إرهاب فلسطينية مسلحة في الضفة، تلك التي تسلحها إيران؛ فثمة إرهاب يهودي يسلحه مندوبوه في الحكومة.
حماس واليوم خارج غزة
الجيش و”الشاباك” يحذران دوماً من أن “المناطق” [الضفة الغربية] على شفا الانفجار. أكثر من 100 ألف فلسطيني كانوا يعملون في "إسرائيل" وهم الآن بلا عمل منذ نحو سنة كاملة، وعشرات آلاف رجال الأمن الفلسطينيين الذين يتلقون رواتب “مقلصة” من 2000 شيكل، وإيران التي تعرض المال لكل من هو مستعد للعمل ضد "إسرائيل"… كل من يعرف حجم قوات الجيش "الإسرائيلي" يعرف أنه سيصعب علينا مواصلة القتال القوي في غزة، ولبنان، وإضافة إلى ذلك التصدي لحرب في الضفة.
في غزة، بعد عشرة أشهر من القتال، نضجت الظروف للانتقال إلى مرحلة جديدة. حماس نشرت هذا الأسبوع بفخر شريطاً عن رجالها الذين يحاولون إطلاق الصواريخ إلى مركز البلاد، لكنه شريط كشف وضعها الحقيقي – مجموعة نشطاء يحاولون نصب صاروخين على منصتين أعدتا على عجل من الخشب، يصعب عليهم حساب زاوية إطلاق النار، وفي النهاية يطلقون صاروخاً يسقط في أراضي القطاع، والآخر في قلب البحر أمام يافا.
جيش حماس في غزة هزم. سينشغل بإطلاق النار هنا وهناك بإصابة القوات المناورة وحتى بمحاولات التسلل إلى إسرائيل. لكنه لم يعد يشكل تهديداً ذا مغزى على "إسرائيل". هذا جهاز عديم القيادة السياسية أو العسكرية والذخيرة، وقد بدأ يفكر باليوم التالي لغزة. التقدير أن ستة أو سبعة فقط من الأشخاص في قيادة حماس كانوا شركاء في إعداد الهجمة على "إسرائيل" في 7 أكتوبر، ولم يتبقَ منهم إلا اثنان: الأخوان يحيى ومحمد السنوار. ربما خليل الحية، الذي غادر القطاع قبل الهجمة، كان يعرف الموعد. لكن حماس تفهم بأن مركز ثقلهم يوشك على الانتقال إلى أرض أخرى.
التقدير هو أن حماس ستحاول بناء استراتيجية هدفها الحفاظ على القدرة العسكرية خارج غزة، التي ستكون مكشوفة لاجتياحات مستمرة من "إسرائيل". ربما تنظر حماس إلى أراض إقليمية أخرى في المنطقة كأماكن ينقلون إليها ما يتبقى من ذراعهم العسكرية. المشكلة أنهم سيرتبطون في مثل هذه الأماكن بقدرات ميليشيات إيرانية وسيحظون بالتدريب والتوجيه. ولا يزال، هذا أفضل من حماس على مسافة مئات الأمتار من “بئيري” و”نير عوز”.
يفهم السنوار بأنه الأخير، وإسرائيل توظف أفضل مقدراتها لقتله. منذ تصفية محمد ضيف، وهو يتخذ وسائل حذر متشددة على نحو خاص، ما يجعل اتصالاته بطيئة وصعبة. سيكون التحدي في المفاوضات التي بدأت أمس في قطر هو تلقي الأجوبة منه. التحدي الأكبر لدينا هو حمل نتنياهو على النجاح لأول مرة منذ بدء الحرب، في التسامي فوق اعتباراته الصغيرة وقيادتنا إلى مكان أفضل، يضمن مستقبلنا الجماعي وليس فقط مستقبله الشخصي.
---------------------
الكاتب: ألون بن دافيد
المصدر: معاريف
التاريخ: 16/8/2024