قائمة الموقع

غزة تُذبح أمام مرأى العالم!

2024-08-15T19:10:00+03:00
هبة دهيني - وكالة القدس للأنباء

على خشبة صمّاءَ بنتها "إسرائيل" وصمّمتها "أمريكا" على مقاس الحزن العربيّ، تُذبحُ اليومَ غزّة، والجمهور الشّاهد على المذبحة يملأ المقاعد المصطفّة على حدود القطاع، بعينَين واسعَتَين يُبصر طفلًا بدون رأس، ودماءً تلوّنُ الأرضَ فترسم حدود جغرافيا "عربيّة" مختلفة عن تلك الّتي رُسمَت من قبل، فهل يكونُ "عربيًّا" من صفّقَ لمذبحة أخيه؟ 

مذابحُ يوميّة، ربّما سئمَ منها المشاهد على الهواتف كلّ يومٍ فصارَتِ خبزًا يوميًّا ونعتًا يلازم الغزّيّ، فمثلًا، أن تكون فلسطينيًّا في قطاع غزّة، يعني أن تدركَ الموتَ كفعلٍ اعتياديّ، وأن تُذبح كلّ يومٍ أمام آلاف الجماهير العالميّة، ويعني أن ينعكس التّصفيق في "الكونغرس" دماءً فوق خيام النّازحين، فيكون هربًا من الموت نحو الموت، ليكون طفلُكَ بنكَ أهدافِ "جيشٍ" مدجّجٍ بالسّلاح يخشى عينَين زرقاوتَينِ فيقطعُ رأس طفلٍ بعمر السّنة، ويخافُ أن يكبر طفلٌ آخر بصفته فلسطينيًّا، فيقطعُ عنه شهادة الولادة كي يستقبله بصاروخٍ لشهادة وفاة.

لا كلامَ يكفي لوصف المذبحة اليوميّة في القطاع، ولكنّ بيتَ القصيدِ الّذي يتبنّاه العالم اليوم، هو المجازر الّتي تشهدها مراكز الإيواء هناك، فإلى أين يهرب المرء إن كان مكان الإيواء خطيرا؟ وكلّ شبرٍ "خطرُ موتٍ" في غزّة، وكلّ رأسٍ مقطوعٍ يبحث عن جسده، والأشلاء المقطّعة توضع في أكياسٍ وتقاس بالكيلو، فتبحث الأمّ عن ولدها، تجدُ يدًا يُمنى بِخاتَم، وقدمًا بحذاءٍ أزرقَ يحبّه، ورأسًا مشوّهًا بالقنابل، فتجمعُ الأطرافَ لتفكّ أحجيةَ الفقد، وحينَ يكتملُ نصف الجسد، تزيّن وريدهُ المقطوعَ ببدلةِ عُرسٍ وتصرخ "هذا ابني، كان سيصبحُ عرّيسًا"!

كم حُبًّا في غزّة طُمسَ تحت ركام الأبنية وكم قلبًا عُلّقَ على أنقاض المنازل بحثًا عن أصحابه؟ كم عرّيسًا استُشهدَ في مذبحةٍ قبل بناء عائلته؟ أعدادٌ بالآلاف بتنا نخجلُ من ذكرها يا غزّة، فكلّ شهيدٍ حكايةٌ تُروى، ولكنّ الجماهير صمّاء، لا آذانَ تسمعُ ولا قلبَ يعي حجم الكارثة، هؤلاء ليسوا أرقاما، كلّ شهيدٍ منهم كان مُحبًّا للحياة، وكان يستمعُ لنشرة الأخبار كلّ يومٍ أملًا بهُدنةٍ قريبة، هذا الأمل الّذي يُبنى من بقايا اليأس المختبئ في زوايا الحارات القديمة، فلا يوجد هدنةٌ في اعتبار "إسرائيل"، بل إنّ الأخيرةَ تخترقُ بلادنا يوميًّا، بمدفعيّاتها ودبّاباتها المدجّجة بالسّلاح، بأهدافها الّتي تتجلّى بطفلٍ خائفٍ وامرأةٍ مُسنّة، هذه "إسرائيل" التي تقتلنا يوميًّا أينما كنّا على جغرافيا غرب آسيا، وتلكَ نفسها الّتي يضع حكّام العرب المطبّعينَ أياديهم بكفّها دعمًا للإبادة، ومشاركةً في سفك الدّم الفلسطينيّ على خشبة الذّبح نفسها.

غزّة حُجّةٌ على العالم كلّه، والجرحُ النّازف على وسادةِ أبٍ ينتظر ابنه الجائع الذي استُشهد بحثًا عن كيس طحين، غزّة مهدُ الجنين المذبوح على قارعة الطّريق لوحده بعدما مُزّقَت أحشاء أمّه الحُبلى به، والدّخان الّذي ينطلق من خيام النّازحين المُحترقة ليرسم في السّماء بيوتًا آمنةً لمن استُشهدوا احتراقًا واختناقًا، فلا يوجد مكانٌ آمنٌ في غزّة، و"الجيران" العرب لا يستقبلونَ الضّحيّة، فهم مشغولون بالتّصفيق للجلّاد.

غزّة تلك، هي الدّمّ الّذي يحدّد خارطة العالم، فحيثُ تكونُ غزّةَ نرنو نحن، وهي أخيرًا، قبرٌ جماعيٌّ لا يحتاج فيه المرء لحفر المقابر، فكلّ يومٍ فيها مذبحة، وكلّ مترٍ فيها قبر، إن لم يكُن لجسدٍ واحد، فإنّه لأشلاء مجهولةٌ هُويّةُ صاحبها، فاخجل إن دستَ بقدمَيكَ الأرض هناك، فقلبُ الغزّيّ حنونٌ وقويّ، حنونٌ يستيقظُ على وقعِ ألمٍ يشعر به أخوه، وقويٌّ لا تنالُ من عزيمته القذائف.

اخبار ذات صلة