على رغم انتقال العمليات العسكرية البرية إلى المرحلة الأقلّ كثافة، وتقليص جيش العدوّ نطاق عملياته الواسعة على كل محاور القتال، وتركُّز حضوره العسكري المكثّف في محورَي «فيلادلفيا» جنوب قطاع غزة، و"نتساريم" وسطه، فقد صعّدت المقاومة من عملياتها، منذ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، نهاية الشهر الماضي.
وسُجّل، منذ ذلك الحين، تنفيذ نحو 60 مهمّة قتالية، تنوّعت ما بين إطلاق الصواريخ البعيدة المدى، وتفجير الآليات العسكرية، فيما كان عنوانها البارز: الكمائن النوعية المدروسة بعناية فائقة، والموثّقة بالصوت والصورة؛ إذ تم في تلك المدّة تنفيذ 12 كميناً نوعياً، تركّزت معظمها في محاور القتال في مدينتَي خانيونس ورفح جنوب القطاع.
وكان لافتاً في بعض الكمائن التي شهدتها منطقة الشوكة، مثلاً، تمكُّن المقاومين من تفجير خمس آليات عسكرية في مهمّة واحدة. كذلك، ركّزت المقاومة على الكمائن التي تمسّ بالعنصر البشري، حيث نفّذت في محاور القتال في منطقة الفراحين شمال خانيونس، وفي منطقة زلاطة في رفح، كمائن بالعبوات الرعدية المضادة للأفراد، أوقعت نحو 20 جندياً بين قتيل وجريح.
وممّا يلفت في هذا المسار التصاعدي في العمل المقاوم، أنه لا يحمل في مضامينه قدرةً على المواصلة فحسب، وإنّما تطويع العمل المقاوم مع متطلبات الميدان وظروفه الصعبة، والانتقال به إلى مناطق ظنّ جيش العدو أنها باتت «آمنة» بالنسبة إليه. ففي كمين الفراحين، الذي بثّه الإعلام العسكري لـ"كتائب القسّام"، أول من أمس، زرع المقاومون عبوة ناسفة في منطقة ساقطة أمنياً ومكشوفة للجنود، وحفظوا المسار الذي سيتقدّم منه هؤلاء، وتمكّنوا من تفجير العبوة ومتابعة تصوير مشاهد إخلاء الجنود، ثم الاشتباك والإجهاز على مَن تبقّى منهم.
وتعكس كل تلك الحيثيات والتفاصيل، تماسك البناء الهيكلي للمجموعات المنفصلة التي تقوم بمهامّ الضغط، وأيضاً القدرة على تسديد الضربات في المناطق الرخوة، والتي تتعرّض لتمشيط ناري ومسح استخباري بشكل يومي.
وكان من اللافت أيضاً، تنفيذ المقاومة خمس عمليات قنص في محاور القتال، في ما يعكس قدرة على دخولها في الحيّز الجغرافي القاتل للجنود، على الرغم من تعمُّد قوات الاحتلال توسيع قُطر المناطق المجرّفة والممسوحة من المباني، في محيط نقاط التمركز والتموضع في «نتساريم» و"فيلادلفيا".
أمّا مفاجأة اليوم الـ 300 للحرب، فكانت عودة الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة إلى تسديد ضربات صاروخية كثيفة وبمديات طويلة، إلى مغتصبات تبعد عن القطاع نحو 70 كيلومتراً. إذ قصفت «سرايا القدس» و"كتائب القسّام"، بأكثر من 50 صاروخاً خلال المدة الماضية، مستوطنات كريات ملاخي ولاخيس وعسقلان وسديروت، كما ضاعفت عمليات القصف المركّز بالصواريخ القصيرة المدى وقذائف الهاون على خطوط إمداد العدوّ في محور «نتساريم»، وتحشداته في محيط معبر رفح البري.
في مقابل ذلك، كثّف جيش العدو من عمليات الاغتيال المركّزة، حيث كرّر الإعلان عن اغتيال قادة بحجم قائد سرية وكتيبة في «كتائب القسّام»، وأيضاً ضاعف، خلال الأيام العشرة الماضية، من تنفيذ المجازر الجماعية في مراكز الإيواء، بحجة ملاحقة بُنى «حماس» الحكومية. وتسبّبت الغارات التي طاولت مدرستَي إيواء في مدينة غزة، أمس، باستشهاد 14 نازحاً، فيما وصل مجموع الشهداء، في اليوم ذاته، إلى 58، معظمهم من المدنيين الذين قضوا في قصف تجمّعات وشقق سكنية.
ويعتبر العدو أن المرحلة الثالثة من الحرب، التي يمارسها في الوقت الحالي، تركّز على ملاحقة المقاومين وعائلاتهم المدنية، في وقت يصعّد فيه أيضاً حربه النفسية ضدّ حاضنة المقاومة، إذ وزّع إنذاراً بإخلاء المنطقة الشرقية في خانيونس، بدعوى إطلاق صواريخ منها، بالتزامن مع إنذاره سكان مدينتَي بيت حانون وبيت لاهيا شمال القطاع بإخلاء مناطق سكنهم، تحت الحجة نفسها.