عمّ الحداد والإضراب العام مدناً عدة في الضفة الغربية المحتلة، تنديداً بمجزرة المواصي في مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة؛ فأُغلقت جميع المحالّ، وخلت المناطق التجارية من المواطنين. ولكنّ الإضراب لم ينسحب على جميع المدن، ومنها رام الله، التي عاشت يوماً عاديّاً، إذ قالت مصادر إن غرفة التجارة في رام الله والبيرة وتنظيم «فتح» في المحافظة، رفضا الدعوات إلى إعلان الإضراب.
وكانت الضفة شهدت، مساء السبت، تظاهرات شعبية مندّدة بالمجزرة، ومساندة لقطاع غزة، حيث هتف المشاركون للمقاومة وفصائلها. كما كان واضحاً حجم الغضب الشعبي ممّا حصل في مواصي خانيونس، وكذلك من التصريحات الصادرة عن بعض قيادات حركة «فتح»، وأيضاً بيان الرئاسة الفلسطينية، باعتبارهما تبريراً لمواصلة العدو جرائمه.
ومن بين هؤلاء، أحد كوادر «فتح»، منير الجاغوب، الذي برّر، في مقابلة مع قناة «العربية»، مجزرة المواصي التي هدفت إلى «اغتيال قيادات» من حركة "حماس"، فيما كانت القناة تسلّط الضوء، من جهتها، على رواية الاحتلال. وممّا قاله الجاغوب، إن «اختباء قيادات حماس بين المدنيين»، هو ما دفع الاحتلال إلى ارتكاب المجزرة. ولاقت التصريحات هذه، انتقادات شعبية وفصائلية، ومطالب بضرورة محاسبة الجاغوب فوراً، لأن ما قاله «لا يمثّل تماهياً مع رواية الاحتلال فحسب، بل يمنحه مبرّراً لارتكاب مثل هذه المجازر»، علماً أن وسائل الإعلام العبرية استعانت بتلك المقابلة ونشرتها على نطاق واسع. وعلى المنوال نفسه، جاءت تصريحات موفق مطر الذي زعم أن "حماس تستخدم المدنيين دروعاً بشرية، وهي تقدّم دوماً الذرائع للاحتلال لارتكاب المجازر".
وبدت تصريحات ومواقف بعض كوادر «فتح»، والتي لاقت إدانة واسعة، وكأنها جزء من سياق حملة مبرمجة لشيطنة المقاومة وتحميلها المسؤولية، وهو ما أكّده البيان الرسمي لرئاسة السلطة الفلسطينية، الذي اعتبرت فيه «حركة حماس بتهرّبها من الوحدة الوطنية، وتقديم الذرائع المجانية لدولة الاحتلال، شريكاً في تحمُّل المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية عن استمرار حرب الإبادة "الإسرائيلية" في قطاع غزة بكل ما تتسبّب به من معاناة ودمار وقتل لشعبنا». وقوبل بيان سلطة رام الله، بانتقادات شديدة اللهجة من جانب حركة «حماس» والفصائل الفلسطينية وشخصيات سياسية ووطنية، باعتباره يوفّر الذريعة للاحتلال لارتكاب المزيد من المجازر، فضلاً عن كونه محاولة لنسف كل الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة الوطنية، ونسف ما جرى التوافق عليه في روسيا والصين أخيراً.
ولم يختلف الموقف ميدانياً، حيث اعترض بعض العناصر الأمنيين المتزيّنين بلباس مدني، مسيرةً خرجت مساء السبت في مدينة الخليل، وهتفوا ضدّ المقاومة، بينما كانت الأحداث في جنين أكثر دموية، بعدما حاصر عناصر من الأجهزة الأمنية، أول من أمس، مستشفى «ابن سينا» في المدينة، حيث قُتل الشاب أحمد البالي، الذي يعمل في توصيل الطرود، أثناء تواجده في محيط المستشفى، فيما أصيب عدد من الشبان برصاص عناصر الأمن، وذلك خلال إطلاق الأخيرين النار على مطلوبين من خلية جنين بزعم تواجدهم في المستشفى.
وبحسب مصادر محلية، فقد أطلق العناصر النار صوب مطاردَين من قِبل الاحتلال أثناء ركوبهما سيارتهما بالقرب من مستشفى «ابن سينا»، ما أدى إلى إصابتهما، ولكنهما تمكّنا من الانسحاب تجاه مخيم جنين، لتقتحم بعدها الأجهزة الأمنية المستشفى، وتغلق جميع مداخله ومخارجه، بحثاً عن المصابَين.
وفي السياق نفسه، أشارت معلومات صحافية إلى أن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد مصطفى، الذي قام بزيارة لمحافظة نابلس، عرض على المقاومين في مخيم بلاطة «تفريغهم» في الأجهزة الأمنية، والحصول على راتب شهري، في مقابل تسليم أسلحتهم وإنهاء الحالة المقاوِمة في المخيم، كنموذج لإنهاء ظاهرة المسلحين في بقية مخيمات نابلس (عسكر والعين). لكنّ المقاومين رفضوا العرض، الذي امتزج بتهديد مبطن من مصطفى بأن الاحتلال "الإسرائيلي" يهدّد بشنّ حملة عسكرية على المخيم، تشبه ما يجري في مخيم جنين ومخيمَي طولكرم ونور شمس في طولكرم، علماً أن مكتب رئيس الوزراء نفى ما ورد.
إلى ذلك، شنّت قوات الاحتلال، صباح وفجر أمس الأحد، حملة مداهمات في الضفة الغربية المحتلة، تخلّلتها اعتقالات طاولت عدداً من الفلسطينيين، إلى جانب تفتيش عشرات المنازل والعبث بمحتوياتها. وبالتوازي، دارت اشتباكات مسلّحة في عدة مناطق أوقعت إصابات في صفوف الفلسطينيين.