مر عيد الأضحى المبارك على أهالي قطاع غزة هذا العام، بقلوب تملؤها الحسرة، وهم داخل الخيام يصارعون من أجل البقاء، ويتذكرون طقوسهم التي اعتادوها في الأعياد، محاولين بجهد أن يخلقوا أجواء من الفرح رغم الألم من أجل إدخال البهجة إلى قلوب أطفالهم، لكن رغم المحاولة، عيدهم لم يشبه أي عيد.. لقد سرقت حرب الإبادة فرحتهم، فلم يأكلوا لحم الأضاحي، واقتصر طعامهم على المواد الغذائية المعلبة، وبعض الخضروات الخفيفة إن استطاعوا شراءها بسبب أسعارها الباهظة.
"وكالة القدس للأنباء" استطلعت آراء بعض أهالي القطاع، وكانت حصيلتها على الشكل التالي:
السيدة وفاء أبو حشيش، التي تقطن حالياً في مواصي رفح، قالت لوكالتنا: "حاولت أن أجمّل الواقع من أجل شعائر الدين، لكن للأسف حتى تكبيرات العيد لم أسمعها.. لقد عشنا ليلة رهيبة لم تر أعيننا فيها النوم بسبب غارات الاحتلال وصوت طياراته"، موضحة أن "العيد لم يمر علينا، فنحن نحاول فقط أن نبقى على قيد الحياة، وأن نؤمن الطعام لأولادنا، وطبعاً طعامنا عبارة عن معلبات، وشيء خفيف من الخضروات، وهذه الأطعمة متواجدة في مكان بعيد عنا، والحمدلله أني أنا وأولادي الثلاثة وزوجي نعيش مع بعضنا البعض".
وأضافت: "لا يمكنني وصف ما عشناه من مآسي، كنت مع أهلي في الشمال، واضطررت إلى النزوح تحت تهديد السلاح إلى الجنوب مع أولادي أكبرهم 8 سنوات، وأصغرهم 4 سنوات، وتركت أهلي، وأخذوا زوجي لمدة أربعة أيام وضربوه ورموه بالعراء دون ملابس، وبعدها وصلت لخانيونس في الجنوب، وجلست مع عائلة زوجي في بيتهم، بعدما تركت منطقة تل الهوا والرمال في الشمال، وبعدها بشهرين تمت محاصرتنا وطلعونا تحت القصف حتى وصلنا إلى رفح، جلست في غرفة صغيرة فوق السطح عند أقاربنا من دون زوجي لعدم الاختلاط".
البحث عن مأوى والحياة في خيمة
وأوضحت أنه "قبل أسبوعين شُردنا من منطقة تل السلطان برفح، وتوجهنا إلى بحر رفح بمنطقة المواصي، وبدأنا بالبحث عن مكان يأوينا لكن لم نجد، بسبب كثافة الناس، فوضعنا خيمة وأنا أول مرة أجرب شعور العيش في خيمة، فالحرب في كفة والعيش في الخيمة في كفة أخرى، وما زلت غير قادرة على التأقلم، بعدما انتقلت من حياة الرفاهية إلى الحياة القاسية"، مبينة أن "أولادي يبكون فهم بحاجة للعودة إلى حياتهم الطبيعية النظيفة، وأنا لم يعد باستطاعتي حتى أن أواسي أولادي، تعبنا وهرمنا وضاعت أعمارنا، وفقدت السيطرة على كل شي، ولا أعلم كم يمكنني أن أتحمل وأصبر، حياتنا صعبة جداً، أسأل الله أن يفرجها علينا وعلى جميع أهالي غزة".
أما عز لولو، فقد وجه رسالة من داخل مستشفى الأهلي العربي في غزة، قائلاً: "250 يومًا من الإبادة الجماعية وما زلنا هنا أحياءً وصامدين، كنت أقضي العيد مع عائلتي بأكملها، وخاصة مع والدي في توزيع اللحوم بعد الأضحية، كنت أنتظر زيارة أخوالي إلى المنزل لتهنئة والدتي بالعيد، والآن والدتي وحدها، كنت أذهب إلى صلاة العيد مع والدي وأخي، الآن لا يوجد أب ولا أخ ولا صلاة عيد.. هذا العام مختلف، لقد رحلوا في الغالب، وسيكون عيدنا في قسم الطوارئ لاستقبال المجازر التي يرتكبها الاحتلال كل ثانية، فهو عيد مختلف في المقاييس".
بدوره، تساءل أكرم الصوراني: "من قال أن غزّة لا تَفرَح بالعيد، وأواعي العيد، وشوكولاتة العيد، ولَمّة العيد، ولحمة العيد، وفَتِّة العيد، وعيديّة العيد، وألعاب العيد، وأغاني العيد، وأكلات العيد، وتكبيرات العيد، وطَشِّة العيد، وملاهي العيد، ومكسّرات العيد، وقهوة العيد، وأفلام العيد، وسهرة العيد...؟..
وأضاف، غزّة تُحب الحياة وتُحب الفرح، كل ما في الأمر أن العيد والأولاد تحت الأنقاض! ولا عيد في غزة، ولا عيد دون غزة".