/مقالات/ عرض الخبر

"السلطة الفلسطينية" والشرعية المستمدة من الخارج

2024/05/06 الساعة 09:38 ص
هكذا تواجه أجهزة عباس الأمنية الفلسطينيين
هكذا تواجه أجهزة عباس الأمنية الفلسطينيين

بقلم: راغدة عسيران

منذ إقامة سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية على أرض فلسطين، وفقا لاتفاقيات أوسلو وتبعاتها، نفّذت أجهزتها الأمنية، قبل وبعد انتفاضة الأقصى (2000- 2005)، العديد من عمليات الاغتيال طالت المقاومين، واعتقلت المئات منهم، في قطاع غزة والضفة الغربية، بحجة بسط سيطرتها الأمنية الحصرية على أرض "الدولة" ومنع مقاتلة الاحتلال الذي يواصل الاستيطان وسرقة الأرض والمياه واقتحاماته المجرمة لمناطقها.

منذ معركة "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة في يوم 7 أكتوبر 2023، وحرب الإبادة الجماعية التي تنفذها القوات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، واصلت الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله، ملاحقة المقاومين واغتيالهم واعتقالهم، وكان آخر اغتيال نفذته في 30 نيسان الماضي بحق الشهيد محمد أبو الفول، المجاهد في "كتيبة نور شمس" في طولكرم، من "سرايا القدس"، التابعة لحركة الجهاد الأسلامي. وقبل أقل من شهر، كانت قد اغتالت المجاهد معتصم العارف (2 ابريل/ نيسان) من الكتيبة ذاتها. وحصيلة الاغتيالات التي نفذتها هذه الأجهزة في الضفة الغربية وصلت الى 8 شهداء، تمت خلال المظاهرات الداعمة للمقاومة أو بالقتل المتعمد، وذلك دون ذكر الصحافيين والمناضلين الذين اعتقلتهم وزجتهم في سجونها الرهيبة، وكأنها لا تريد أن تترك ساحة الاعتقالات والاغتيالات للعدو الصهيوني وحده، متباهية بأنها تسيطر على "ساحتها".

لم تدافع أجهزة سلطة رام الله عن الشعب الفلسطيني عندما يهجم الغزاة الصهاينة على بيوت المواطنين وحقولهم وقراهم ويقتلهم أمام الكاميرات، بل في معظم الأحيان، تفرّ وتقفل مقراتها حين تقتحم قوات العدو المدن والمخيمات، وتنسحب من المشهد لتسهيل مهمة القتلة الصهاينة، كما أكّد المقاومون أكثر من مرة، الذين يضيفون أنهم لم يطلبوا يوما من هذه الأجهزة القتال الى جانبهم ضد العدو، بل وعلى الأقل، عدم عرقلة جهادهم ضد المحتلين وعدم اغتيالهم واعتقالهم وملاحقتهم كما يفعل العدو.

وتمسكا بسلطتها التي تريدها حصرية لها، تقمع أجهزة سلطة رام الله المظاهرات الفلسطينية الغاضبة أمام السفارات الأجنبية، كما حصل مؤخرا أمام السفارة الكندية، وقبلها أمام السفارة الألمانية، حيث لا مكان لحرية التعبير عن غضب المواطنين إزاء الدول الغربية التي تموّل وتشارك الكيان الاستيطاني في حرب الإبادة التي يشنها ضدهم. وتستمر في اعتقال الصحافيين ومضايقتهم على "خلفية عملهم الصحفي"، والتحريض عليهم، ووثّقت مجموعة "محامون من أجل العدالة" اعتقال أربعة صحفيين منذ شهر مارس/آذار الماضي. كما تستمر أجهزة السلطة المختلفة بملاحقة المواطنين واعتقالهم، وجاء في بيان "لجنة أهالي المعتقلين السياسيين بالضفة" انها تستنكر حملة "الاعتقالات المسعورة.. بحق المقاومين والنشطاء والطلبة والأسرى المحررين في عدة مناطق بالضفة الغربية"، وتعتبر أن هذه الحملة "تهديد للسلم الأهلي"، وتمثل "سياسة تتماهى بشكل تام مع الاحتلال وعدوانه المتصاعد".

تدلّ هذه الممارسات على "فساد" هذه السلطة، أمنيا وسياسيا وإداريا، وخروجها عن الصف الوطني لاسترضاء من منحها شرعية التسلّط على الشعب الفلسطيني، أي ما يسمى "المجتمع الدولي" الذي فضحته معركة "طوفان الأقصى" كأهم مساند للاحتلال والتوحّش الاستعماري، ثم العدو الصهيوني الذي ما زال يستفيد من وجودها، بعد أن تعطّلت كافة الخدمات التي كانت تقدّمها للمواطنين، إلا التنسيق الأمني معه، الذي يعني تبادل المعلومات الأمنية، وضرب المقاومة وقمع الكلمة الحرة، ثم الدول العربية النافذة التي تدعم ممارساتها القمعية ضد الشعب المقاوم، كما تفعل في دولها وضد شعوبها، خشية انتقال "عدوى التحرّر من الظلم"، كونها تسعى، بالاتفاق مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إفشاء أجواء من "السلام" في ظل الاحتلال والعدوان، لمواصلة مشاريعها الاقتصادية المربحة لبعض نخبها.

بعد سقوط مسار اتفاقيات أوسلو قبل عقود من الزمن، لم تتخلّ سلطة محمود عباس عن هذا المسار، بل رضخت لكل الابتزازات الواردة من قبل الدول الراعية له، خاصة الغربية، التي كانت تطالبها بالتخلي عن سرد تاريخ الشعب الفلسطيني عبر المناهج التربوية التي لم تعجب العدو، وتطالبها بالتخلي عن الأسرى عبر تصفية وزارة الأسرى ثم عدم تقديم الدعم المالي لعائلاتهم، كما يريد العدو الصهيوني، ثم إلحاق الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الصهيوني، عبر تصفية الزراعة والصناعة المحلية لصالح استيراد بضائع العدو، وتشجيع العمل في الاقتصاد الصهيوني عبر الاتفاقيات معه لتسهيل عمل الفلسطينيين في الداخل المحتل والمستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، لصالح المستوطنين. رضخت السلطة لكل الابتزاز الغربي الذي يشترط الدعم المالي مقابل قتل الروح المعنوية المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، والاكتفاء بالحديث عن تراث خال من التاريخ الحقيقي وهوية "مبسترة" كالهويات العربية المستحدثة.

هذه الشرعية المستمدة من الخارج (الدول الغربية والعدو الصهيوني والأنظمة العربية) لا يمكن أن تحل مكان الشرعية الفعلية التي يمنحها الشعب الفلسطيني لكل من يسعى الى الحكم. ومنذ أن احتل الصهاينة الأرض الفلسطينية، منح الشعب الفلسطيني شرعية تمثيله لكل من يحمل البندقية ويقاتل المحتلين. فكان كل من يريد شرعية ما، عليه أن ينصر المقاتلين للحرية ويدافع عنهم ويندّد بالوجود الاستعماري في البلاد. هذا ما لا يفعله الآن محمود عباس الذي يصرّ على الوقوف بوجه شعبه ويمنح شرعية لوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ويريد حماية أمنه، كما قال قبل أيام في السعودية، في الوقت الذي ينفّذ هذا الكيان أكبر جريمة على الإطلاق في التاريخ البشري منذ قرون. 

تنفّذ سلطة محمود عباس أجندة خارجية، لا أجندة الشعب الفلسطيني، أي أنها تنفذ أجندة المجتمع الدولي، الذي تتحكم به الولايات المتحدة، الشريكة بحرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني (إبادة بشرية وتهجير وتدمير) والتي بموجبها يُطلب منها منع المقاومة ضد الاستيطان والتهجير، وقمع التطلعات التحررية. وتنفّذ أجندة العدو الصهيوني الذي يطلب منها التعاون في المجال الأمني، كي يتمكن من إطفاء نار المقاومة ومنع توسعها، سياسيا وتنظيميا، بالقتل والاقتحام والاعتقال، كما تنفّذ أجندة الأنظمة العربية، المطبّعة أو على وشك التطبيع، التي تريد "الهدوء" الكاذب، وإن كان بالقوة والقتل، كي تواصل مشاريعها الاقتصادية مع العدو والدول الغربية.

رغم هذه الأجندات الخارجية التي تنفّذها، تتهم سلطة محمود عباس الفصائل المقاومة، بالتبعية لبعض الأنظمة العربية، وبأنها هي التي تنفّذ أجندة خارجية، أي أن لدى الجمهورية الإسلامية في ايران مصلحة في تحرير فلسطين ومقاتلة العدو المستوطن والسارق، أكثر مما لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية من مصلحة، وكأن حرب التحرير من الاستعمار الاستيطاني الهمجي مهمة إيرانية وليست مهمة فلسطينية وعربية بالدرجة الأولى. لا تريد سلطة الحكم الذاتي أن تعترف أن الشعب الفلسطيني يقاوم الاستعمار والهيمنة الأجنبية قبل نشوء الجمهورية الإسلامية في إيران، وأن المقاومة الفلسطينية الحالية تستمد شرعيتها من التاريخ ومن الشعب، والتاريخ أسقط كل من حاول التواطؤ والتعامل مع المحتل والظالم.  

أخيرا، تشير مسألة شرعية السلطة الفلسطينية المستمدة من الخارج الى مسألتين مهمتين: أولا دور البلاد العربية وشعوبها في القضية الفلسطينية، وأن تحرير فلسطين مرتبط بوعي وتحرّك الشعوب العربية لتساهم في عملية التحرير، وأن "استقلالية" القرار الفلسطيني لم يكن إلا خدعة لاستبعاد الشعوب عن القضية، حيث لم يتم استبعاد الأنظمة التابعة للولايات المتحدة والغرب الاستعماري. والمسألة الثانية هي دور شعوب العالم في نصرة المقاومة الفلسطينية، التي تساهم في تأجيج الصراع في بلدان العالم، بين الظالمين والمظلومين، وتفضح الأكاذيب التي تروّجها الأنظمة الغربية حول الديمقراطية وحقوق الانسان، تماما كما فعلت وتفعل معركة "طوفان الأقصى".

 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/204852

اقرأ أيضا