/دراسات/ عرض الخبر

السمات السيكولجية للجيش المنصور وللجيش المهزوم

2024/03/22 الساعة 09:12 م

بقلم: هاجر بنت لبون

المقدمة:

الحرب وإن طالت أبعادها الدينية والسياسية واﻻقتصادية والثقافية، إلا أن البعد النفسي يبقى اﻷكثر تأثيرا من بين بقية اﻷبعاد؛ إذ أن النفس والذاكرة أضحت أسيرتين لدى تلك المعارك التى زجت بهم إلى حيوات أخر لا يدركون فيها تمام اﻹدراك منهج السلامة النفسية التى قد تأويهم إلى ركن شديد إن عملوا بها وراعوها حق رعايتها، فمنهم من ذهب عقله من هول ما رأى، ومنهم من ذهبت أنفاسه من شدة الخوف، ومنهم من ذهبت فطرته كإنسان باعتياده لشكل ورائحة الموت، هذا وباﻹضافة إلى ضنك العيش الذى قد يزيد من حدة التوترات والضغوط النفسية، وبالجهة المقابلة أيضا هنالك جيشان يقتتلان والحرب بطبيعتها الحتمية تقتضي وجود جيش منصور وآخر مهزوم، ولكليهما سماتا سيكولجية لا ترى، ولكنها قد تكون عاملا حاسما في كسب المعركة أو خسرانها، في اترى ما هي تلك السمات السيكولجية التى جعلت الجيش المنصور منصورا وما تلك السمات السيكولجية التى جعلت الجيش المهزوم مهزوما؟

سنتناول في هذا المقال بعضا من تلك السمات السيكولجية التى تميز بها الجيش المنصور عن الجيش المهزوم في جولة قصيرة بين اﻵيات والذكر الحكيم وبين غزواته- صلى الله عليه وسلم- لندرس سيكولجية الجندي عن كثب.

السمات السيكولجية للجيش المنصور:

1/ وجود الهدف ودقة تحديده:

إن وجود الهدف ووضوحه يؤثر إيجابا على سيكولجية الجندي، وقد أكد لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصحابته- عليهم سحائب الرحمة والرضوان- هذا المعنى منذ أول معركة وقعت بينهم وبين صناديد الكفر، أن الجندي صاحب الهدف الواضح ذو نفس هادئة ومستقرة، تغشاه السكينة والطمأنينة، فهذا الجيش اﻹسلامي يغلبه النعاس ليلة المعركة وهو على بعد خطوات من العدو، وفي حالة من السكينة وهدوء اﻷعصاب، نائم في أرض المعركة لا يشغله كيف ستكون، لا يفكر في عدد وعدة اﻷعداء، لا يفكر في طريقة القتال ولا حتى بأولاده وزوجته ولا في نفسه التى يحتمل موتها، نائم في منتهى الراحة[1]، قال تعالى فيهم:

)إذ يغشيكم النعاس أمنة منه( [اﻷنفال: ١١]

والجدير بالذكر واﻹشارة بأن وجود الهدف نعني بها وجود قضية حقيقية من القتال؛ إذ أنه البوصلة المؤدية إلى تحقيق النصر المنشود، فلذا نجد في قوله عز وجل: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} [الحج: 39] قارنا تحديد الهدف أو القضية مع نصره لهم سبحانه.

2/ وحدة الصف:

لما أفصح الله- جل في علاه- عن حبه للمقاتلين في سبيله أشار إلى هذه السمة واصفا حالهم في تشبيه بليغ وبديع بـ"البنيان المرصوص"؛ إذ أن الوحدة تؤدي إلى تحقيق الألفة والمودة التى يسود معها الإخاء ويعم التعاون، وكذلك رفع الروح المعنوية انطلاقا من الاعتقاد بأن يد الله مع الجماعة، ومن كانت يد الله معه كان واثقا من نصر الله -عز وجل- فلذا نجد في قوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [اﻷنفال: 46] اﻹشارة بأنه لا بد من الأخذ بأسباب النصر في المعركة وأهمها نبذ الخلاف والنزاعات التي تؤدي إلى الفشل وعدم اﻻنتصار في الحروب، فالتنازع والتفرق هو أصل كل شر، والوحدة هي أصل كل خير، لذلك كان التأكيد على نبذ هذه الفرقة وخاصة في الحرب؛ وإن الوحدة تخيف الأعداء وتلقي الرعب في قلوبهم ويجعلهم يخشون شوكة الإسلام والمسلمين[2]، وفي وثيقة محفوظةٍ بالمركز العام للوثائق بلندن، ورد في تقرير وزير المستعمرات البريطانية «أورمسي غو» لرئيس حكومته في 9 - 1 - 1938:

«إن الحرب علمتْنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية أن تَحْذَرَه وتُحاربه!

ويقول «لورانس براون»: «إذ اتَّحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم وخطرًا، وأمكن أن يصبحوا نعمةً له أيضًا، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا قوة ولا تأثير».[3]

3/ الدعاء:

الدعاء بيقين وإخلاص؛ سلاح المؤمنين، يقول عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: "لستم تنصرون بكثرة وإنما من السماء" والدعاء من أقوى اﻷسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب[4]، والدعاء وحده ينفع والقوة مساعدة، فلقد انتصر الله جل جلاله للأنبياء- عليهم السلام- على أقوامهم دون قتال، بل كانوا لا يملكون من القوى المادية شيئا؛ فها هو نوح- عليه السلام- لم تكن له دولة لكنه دعا الله ولجأ إلى الله فنصره ونجاه، وهودٌ- عليه السلام- لم تكن له سلطة ولا سلطان، وصالحٌ عليه السلام لم تكن له حكومة، وعيسى- عليه السلام- لم يكن له جيوش، وفي النهاية أيَّد الله سبحانه وتعالى الطائفة التي أطاعت عيسى- عليه السلام- وآمنت بالله، التأييدُ والنصرُ من عند الله القويِّ العظيم، ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].

والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لم يكن لأحد منهم دولةٌ ولا جيوش، ولا عددٌ ولا عتاد؛ إلا داوود وابنه سليمان- عليهما السلام- كانت لهم دولة، ونبيُّنا محمد- عليه أفضل السلام وأتم التسليم- هؤلاء الأنبياء الثلاثة كانت لهم دولة وجيوش، وبقية الأنبياء كانوا بالكلام وبالفعل وبالاقتداء.[5]

4/ حب الموت:

في معركة بدر الكبرى لم يكن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يريدون القتال؛ ولكن الله عز وجل قدر أن يكون القتال من غير استعداداتهم للمواجهة ولكن مع استعداداتهم للموت والتضحية والبذل، أي أن الصحابة- رضي الله عنهم- كانوا على استعداد دائم للموت في كل اﻷحوال[6]؛ إذ أن الجنة لم تكن غائبة أبدا عن أذهانهم- رضي الله عنهم وأرضاهم- فالجيش اﻹسلامي قبل أن يأتي إلى بدر كان يبحث عن الجنة، وفي أرض بدر كذلك كان يبحث عن الجنة، وبعد بدر كذلك يبحث عن الجنة؛ فهذا سعد بن خيثمة وأباه قبل الخروج إلى بدر أرادا الخروج مع النبي-صلى الله عليه وسلم- ولكن تحت رعايتهما بنات كثر، فلا بد أن يخرج واحد منهما ويقعد اﻵخر لرعايتهن، ولكن اﻻثنان يريدان الخروج للقتال، اﻻثنان يطلبان الجنة بصدق، فلم يتنازل أحد منهما فقررا عمل قرعة، فخرج سهم سعد بن خيثمة فتحسر أباه حسرة حقيقية فقال ﻻبنه في توسل:

 يا بني! آثرني اليوم- أي: أتركني أخرج- فضلني على نفسك؛ لكن سعدا رضي الله عنه رد بجواب يفسر سمة من سمات الجيش المنصور، فقال في أدب جم:

 يا أبي! لو كان غير الجنة لفعلت، لا أستطيع.

الجنة صبرت أم حارثة، وشجعت عمير بن الحمام، وعمير بن أبي وقاص، وسعد بن خيثمة وحارثة بن سراقة وغيرهم وغيرهم.

الجنة جعلت المكروه محبوبا وجعلت الموت مطلوبا.[7]

5/ القيادة الديمقراطية:

وتتسم هذه القيادة بالتعاون والمشاورة، والمناقشة الحرة إلى جانب إشراكها للجنود في التخطيط والتنفيذ فضلا عن إيمانها بقيمة وكرامة الجندي وقدرته على التأثير والتأثر باﻵخرين، والقائد الديمقراطي يعمل على توزيع المسؤولية على الجنود وإشراكهم في اتخاذ القرارات والعمل على تكوين العلاقات الشخصية وتحقيق التفاهم بينهم، فيلتف حوله الجنود ويحبونه ويتقبلونه ويتقبلون أوامره بروح عالية.[8]

وكان لنا في رسول الله أسوة حسنة يوم أن جمع أصحابه وأهل الرأي فيهم قائلا:

 أشيروا عليَّ أيها القوم ماذا أفعل؟ ماذا نصنع؟

 فقام أبوبكر فأحسن الكلام فأثنى عليه، ثم قام عمر فأحسن الكلام فأثنى عليه، ثم قام المقداد بن عمر فأحسن الكلام فسر النبي وأثنى عليه، إلا أنه ظل يردد أشيروا علي أيها القوم، وكان يريد بها رأي اﻷنصار فالثلاثة من المهاجرين، واﻷنصار بايعوه على القتال في المدينة ولم يبايعوه على القتال خارجها، ففطن لهذا سعد بن معاذ فقام فقال متحدثا عن نفسه وعن اﻷنصار جميعا:

 كأنك تريدنا يارسول الله؟

 قال: أجل أريدكم أنتم؟

 فقال:

 يا رسول الله آمنا بك وصدقناك وبايعناك- أي بايعناك على القتال وعلى اﻹيمان- ولك منا السمع والطاعة، فوالله يارسول الله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما تخلف منا رجل واحد، وإنا لنكره أن نلقى العدو غدا وإنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله أن يريك منا خيرا.[9]

6/ الروح المعنوية:

لقد أدرك نابليون مزايا هذه السمة حين قال عنها:

إن الرجل المسلح بهذه الروح يساوي ثلاثة رجال غير مسلحين بها، وقال عنها أيضا: ليست الطرق التكتيكية هي التى تقرر مصير الحرب وإنما الروح المعنوية.

وهنالك شتان بين سيكولجية الروح الضعيفة والمرتفعة، إذ أن صاحب الروح المعنوية الضعيفة يشعر دائما بالحرج والقلق والتوتر وعدم الرضا والتشاؤم ودائما ما يكون سريع الغضب، بخلاف صاحب الروح المعنوية المرتفعة الذى يصدر عنه كل ما يجعل سلوكه إزاء المجموعة وخطتها في تحقيق أهدافها مقبولا ومحبوبا؛ إذ أن لديه روح الحماس والولاء والصدق والثقة والقدرة على مقاومة اﻹحباط.[10]

وفي السنة التاسعة من الهجرة بدأ النفير العام لمعركة تبوك فتجمع الآلاف من خارج المدينة كلهم يريدون القتال مع رسول الله، تجمعوا ولم يدري النبي ماذا يفعل لهم فالمؤونة والسلاح لا تكفي لهذه اﻷلوف التى جاءت تقاتل معه؛ حتى أنه- صلى الله عليه وسلم- رد بعض الناس ﻷنهم لا يملكون شيئا ليحملهم عليه فأخذوا يبكون ﻷنهم ما خرجوا للجهاد مع رسول الله في غزوة تبوك، ف استنهض رسول الله الهمم والروح المعنوية من ينفق من يتبرع للجيش، وكان لعثمان بن عفان قافلة مئتي بعير محملة يريد أن يسيرها إلى الشام فأرجعها وتبرع بها كلها في سبيل الله ثم جاء بمئة بعير أخرى وتبرع بها محملة ثم جاء بألف دينار ونثرها بين يدي رسول الله فقال النبي له: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم" وجاء عبدالرحمن بن عوف بأموال كثيرة وجاء طلحة بأموال وجاء أبوبكر بماله كله في سبيل الله قال له النبي: "يا أبا بكر ما تركت ﻷهلك؟" قال: تركت لهم الله ورسوله وجاء عمر بنصف ملكه كله، وتسابق الصحابة حتى من لم يجد إلا القليل من التمر والدريهمات جاء بها.

هكذا رتب النبي- صلى الله عليه وسلم- الجيش وجهزه حتى بلغ العدد ثلاثين ألفا ﻷول مرة، لمواجهة أعظم دولة في ذلك الزمان إنها دولة الرومان.[11]

7/ الحرب النفسية:

وفي هذه السمة يسعى دائمًا كل طرف من أطراف النزاع قبل المعركة وفي أثنائها إلى إضعاف موقف الطرف الآخر عن طريق شن هجوم عنيف على القوى الروحية والنفسية لديه، وفي الوقت ذاته يسعى إلى تقوية موقفه هو.[12]

ومن أبرز وسائلها:

- تضخيم قدرات العدو.

- وإيجاد الخوف والرعب والهلع لدى الفريق اﻵخر.

- وكذلك اﻻستفادة من اﻷصوات المحلية والإقليمية.[13]

وعل من أشهر اﻷمثلة التى نضرب بها هنا فتح مكة، لما أراد رسول الله حينها أن لا يترك أي فرصة لأبي سفيان بالمقاومة، فعمد إلى زلزلة معنوياته ليميت كل أمله في المقاومة، فماذا فعل الرسول الحكيم؟ أمر الرسول العباس بن عبدالمطلب أن يقف بأبي سفيان عند مكان ليشاهد فيه الجيوش اﻹسلامية وأعدادها وتنوع أفرادها وتعدد قبائلها، لقد أراد صلى الله عليه وسلم أن يريه اﻷحزاب المؤمنة ليعلم أبي سفيان بأن لا طاقة له بها، قال رسول الله للعباس: "يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خصم الجبل حتى تمر به" فأخذه ووقف به عند المنطقة التى ذكرها- صلى الله عليه وسلم- ليشاهد العرض العسكري اﻹسلامي المهيب لجنود الله كما سماها الرسول وانبهر بها أبي سفيان وفقد كل اﻷمل في المقاومة.[14]

8/ الجاهزية الدائمة:

إن إعداد الشعوب نفسيا ورفع الوعي بأهمية القضية التى تتبناها والدفاع عنها  هو العامل الحاسم في كسب أي معركة؛ فإن كان مهزوما نفسيا فلن تنفعه الخطط العسكرية وإن أعدها أعتى القادة العسكريين، وإن لنا في قول سيدنا خالد بن الوليد لحامية حمص عندما أراد فتحها أبلغ مثال على ذلك اﻹعداد النفسي "لقد جئتكم برجال يحبون الموت كما تحبون الحياة" فإن رفع الوعي اﻹيماني والفكري لدى الشعوب هو الهدف اﻷسمى في تكوين المجتمع التكوين الصحيح[15]، وإن لنا أيضا في قائد دولة المدينة- صلى الله عليه وسلم- أفضل النماذج بل وأروعها، إذ أن شعبه مهيأ نفسيا لقضايا القتال والبذل والتضحية؛ حتى أن الزوجات يدفعن أزواجهن للجهاد واﻷطفال يعيشون هذا الجو باستمرار ويتشوقون كما يتشوق إليه الكبار؛ فلما أتاه عمر بن سالم مستغيثا به- صلى الله عليه وسلم- حين نقضت قريش عهدها بتمويلها قبيلة بني بكر بالسلاح لتعتدي على قبيلته خزاعة التى كانت في حلفه- صلى الله عليه وسلم- أجابه دونما أي تردد: "نصرت يا عمر بن سالم" فقام بعمل استنفار لكل أهل المدينة وأرسل إستداعات لكل المسلمين في القبائل المختلفة من غطفان وبني سليم وغيرها؛ فأتته هذه القبائل من طرق مختلفة، وبالوقت ذاته أرسل- صلى الله عليه وسلم- سرية تجاه مكة للتمويه ليلفت أنظار القرشيين أنه لا يريد مكة، وأمر المسلمين بالسرية التامة وعدم إخبار أي أحد خارج المدينة بهذا اﻷمر ثم رفع يده وقال: "اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرون إلا بغتة ولا يرون إلا فجأة" وبدأ اﻹعداد الضخم واتجه مباشرة إلى مكة المكرمة ومعه عشرة آلاف جندي؛ ليكون بذلك فتح مكة المكرمة أكبر عملية عسكرية في تاريخ المسلمين.[16]

9/ مهارة التخطيط أواﻹعداد الجيد:

تقوم المهارة على ثلاثة أركان تجمع بين المعرفة والمشاعر والسلوك، ومهارة التخطيط العسكري يكاد أن يكون أهم من الوسائل والعتاد، إذ أنه المعرفة التامة بقواعد اللعبة وأحكامها واﻹحاطة بكل ما يخص الخصم أو العدو، والتخطيط المحكم يحافظ على الثبات اﻻنفعالي للجنود وهو أمر في غاية اﻷهمية خاصة وهم في غمرة التوتر والحماس والمشاعر القوية، وكلما كان التخطيط شاملا كانت المكاسب أوفر وتحقيق اﻻنتصارات أسهل[17]؛ فقال تعالى محثا رسوله وأصحابه على هذه المهارة:

{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} [اﻷنفال: 60]، وفي معركة بدر الكبرى رأينا كيف وصلت المخابرات اﻹسلامية ﻷخبار مكة، وكيف تم اختيار الموقع العسكري المناسب المتميز الذى عسكروا فيه، وكيف كانت التوجيهات العسكرية الحكيمة وترتيبة الصفوف، واﻻحترافية في الحرب من مهارة في القتال وقوة الضربات والشجاعة واﻹقدام، وكيف تم النصر بعدة المسافر لا بعدة المحارب، وبفرسين وسبعين إبلا حتى أن الصحابة كانوا يتناوبون على اﻹبل الواحدة فكان رسول الله قائد الجيش يتناوب في الركوب مع علي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد وفي رواية مع أبي لبابة، ورأينا كيف قسم النبي القتال لمراحل؛ لئلا تضيع الذخيرة سدى فقال: "إذا أكثَبُوكم، فارمُوهم بالنَّبْلِ" وفي هذا الحديث يوجه النبي- صلى الله عليه وسلم- أصحابه بصفته قائدا لهم في معركة بدر حين اصطفوا لمواجهة العدو، وقوله "إذا أكثبوكم، فارموهم بالنبل" أي إذا اقتربوا منكم قربا تنالهم السهام فابدؤوا في رميهم بالنبل؛ ﻷنهم إذا رموهم على بعد فقد لا يصل إليهم فيذهب في غير منفعة، وفي رواية أخرى بزيادة "ولا تسُلُّوا السُّيوفَ حتى يَغشَوْكم." [18]

الجيش المنصور يأخذ بكل أسباب النصر المادية، يعمل بكل ما هو متاح عنده لتحقيق النصر.[19]

10/ الشباب:

الشباب هم رواد التغيير في المجتمع، والتاريخ يقول: أن معظم محطات التغيير الرئيسية كانت معتمدة اعتمادا شبه كلي على الشباب؛ ويعود ذلك إلى أن السمة السيكولجية المرتبطة بفئة الشباب-وخاصة الذكور- تتميز بالحلم بالمستقبل والنجاح، وتبؤ المناصب العليا والزعامة السياسية أو الشهرة اﻷدبية، وهذا بحث لأعمار المشاركين في معركة بدر، وهنالك كثير لا نعرف أعمارهم، لكن هذه اﻹحصائية من هؤلاء تكفي أن تكون عينة صادقة تعبر عن حال الجيش المنصور، فإن متوسط العمر كان اثنين وثلاثين سنة، وهناك أصغر وأكبر، المواقع القيادية في معركة بدر كانت كلها للشباب.

 - حامل راية المهاجرين علي بن أبي طالب وعمره خمسة وعشرون سنة.

 - وحامل راية اﻷنصار سعد بن معاذ عمره اثنين وثلاثين سنة.

 - وحامل الراية العامة للجيش كله مصعب بن عمير عمره بين السابعة والثامنة والثلاثون.

 - كما أن شهداء بدر متوسط عمرهم تحت الثلاثين سنة.

الشباب طاقة هائلة وينبغي التركيز عليهم في مثل هذه المواقع وفي غيرها من المواقع المفصلية، والنصر جاء على أيديهم في معركة بدر وغيرها، وهذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى حكمة الشيوخ، بل محتاجون لكل الطاقات، الصغير والكبير، الرجل والمرأة.[20]

السمات السيكولجية للجيش المهزوم:

1/ عدم وجود الهدف ووضوحه:

إن عدم وجود الهدف ووضوحه يؤثر سلبا على سيكولجية الفرد كما أثبتت الدراسات العلمية حديثا أن من لا هدف له تكثر عنده التعاسة واﻷمراض النفسية والقلق والتوتر العصبي، فيصبح ضعيفا مهزوز الثقة غير قادر على اتخاذ قرار، وبالتالي مما يزيد من مستوى الخوف عنده، والجدير بالذكر واﻹشارة هنا أن عدم وضوح الهدف واستقراره يؤدي إلى تشتت الجندي مع إنعدام رؤيته؛ فجيش مكة الكافر بمعركة بدر الكبرى عندما خرج إلى القتال لم يكن لديه قناعة بالحرب إطلاقا، ولا يدري ﻷجل ماذا يحارب هل يحارب ﻷجل هبل واللات والعزى أم ﻷجل القائد الزعيم أبو جهل، أم ﻷجل القافلة التى عبر بها أبو سفيان إلى بر اﻷمان، ولماذا القتال مع احتمالية موته أو أسره أو إصابته بجروح بالغة أو أن يغدو طريدا هربانا، نفسية مضطربة مريضة تماما.[21]

2/ القيادة اﻻستبدادية:

وهي التى تتركز السلطة فيها بيد القائد، وتعتمد على قوة الفرد على السيطرة والتحكم في الجماعة، فهو الذى يتخذ القرارات بنفسه ويحدد السياسة واﻷدوار للجماعة كما يقوم برسم الخطط ويلزم المرءوسين بتنفيذها ويشجع كثافة اﻻتصال والتواصل الفعال بين اﻷعضاء تخوفا من حدوث صراع بينه وبين اﻷتباع، ويتدخل في كافة اﻷعمال بتفاصيلها الدقيقة ويسعى بكل جهده لتعطيل طاقة اﻹبداع واﻻبتكار لدى اﻷتباع، إلى جانب زرع الخوف في نفوس المرءوسين.[22]

وهذه القيادة اﻻستبدادية تعطي الجندي شعور أن القرارات تفرض عليه، مع تعارض المصالح بينه وبين القيادة؛ وفي أحايين كثيرة يتحول الجيش إلى جماعة ضغط يهدف إلى اﻹطاحة بالقائد وتغييره، وفيها يكون النصر للسادة والتضحية والبذل للجنود، وأقصى أحلام الجندي فيها أجره فقط، وعند الهزيمة يحصدون بالاﻵف والملايين، وأما السادة فيحتفلون بالنصر ولا يدفعون أثمان الهزائم.

3/ عدم الوحدة (ذهاب الريح):

من أعظم الأضرار لحوقا بالهزيمة تفرق الكلمة المؤدية إلى الفشل وذهاب الريح، وقد ذكرهما الله تعالى في القرآن لخطورتهما، فقال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[اﻷنفال: 46]

والفشل وذهاب الريح تعبير بليغ عن نقص القوة والقصور عن بلوغ المقاصد في تقوية الجيوش وإرهاب الأعداء، وكذلك ضعف الدولة أو سقوطها في يد الغزاة والمحتلين. ولا تعبير أدق في وصف هذه السمة بالفشل وذهاب الريح، ذلك بأنهم اختلفوا وتنازعوا ففشلوا في تقوية جبهتهم الداخلية وإعداد القوة اللازمة لحماية أنفسهم، فذهبت الريح وتلاشت القوة، وذهاب الريح عند العرب هو انتهاء الدولة ومن العلماء من قال انتهاء الوحدة والقوة وظهور التفرق والتنازع.

هبوب الريح عند العرب من الأشياء الطيبة التي تشير إلى الوحدة والقوة وتثبيت القوة، ولكن عندما نقول ذهبت الريح فإنها تشير إلى التفرق والنزاع، لهذا السبب دعا الله سبحانه وتعالى إلى التوحد والاجتماع على كلمة واحدة حتى يخاف منهم الأعداء.[23]

4/ ضعف مهارة التخطيط أو اﻹعداد:

 لا يمكن كسب الحروب دون العنصر اﻷهم فيها وهو التخطيط لجميع تفاصيل خوض المعارك والظفر بنهاية تستحق العناء والتعب، وترجع أهمية هذه السمة إلى أنه يساعد على التنظيم وتقسيم المهام ومعرفة تحركات العدو لمواجهته ووضع الكمائن وبدونه لن يكون هناك انتصار وستعم الفوضى[24]، وإلى أي مدى يساهم التخطيط العسكري في كسب المعارك نقس على معركة أحد حين انكشف ظهر الجيش اﻹسلامي ولم يكن لديه خطة لﻻنسحاب؛ مما عمت الفوضى واختلطت الصفوف أحدهم لا يدري من المسلم ومن المشرك حتى أن حذيفة بن اليمان رأى أباه من بعيد قد تجمع عليه المسلمون يريدون قتله فقال حذيفة إنه أبي إنه أبي؛ ولكنه لم يدرك أباه ظنه المسلمون أنه من المشركين فقتلوه مع المشركين، وحتى أن بعض المسلمين مات بسبب بعض المسلمين ﻻختلاط الصفوف، أحدهم لا يدري أين يذهب لا يعرفون أين قائدهم ورسولهم.

5/ الوهن (حب الدنيا):

إن حب الدنيا والتعلق بزخرفها إحدى اﻷمراض القلبية الخطيرة المؤدية إلى هزيمة الجيش؛ فلما ذكر الله تعالى معركة أحد في كتابه العظيم وتكلم عن سبب الهزيمة الجيش اﻹسلامي لم يذكر أبدا عبقرية خالد بن الوليد، ولم يذكر التفاف خالد بن الوليد، ولم يذكر ذكاء خالد بن الوليد؛ وإنما قال: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في اﻷمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد اﻵخرة} [آل عمران: 152] أي أن وجود جزء من الجيش أراد الدنيا تسبب في الهزيمة وإن كان يقودها النبي- صلى الله عليه وسلم- بنفسه، فلما طلبوا الدنيا- الغنائم- وخالفوا أمر النبي وقعت هذه النتيجة كاد أن يقتل فيها النبي والتى فيها قتل ٧٠ من خيرة الصحابة- عليهم سحائب الرحمة والرضوان- [25] وعلنا من هنا ندرك حقيقة شعور خوفه علينا صلى الله عليه وسلم منها حين قال: "أيّها النّاس واللّٰهِ ما الفَقر أَخشى علَيكم؛ ولَكنّي أخشَى عَليكُم الدُنيا أنْ تُنافسوها كَما تَنافسها الّذين مِنْ قبلكم، فتُهلككُم كما أهلكَتهم"

وفي حديث آخر نجده- صلى الله عليه وسلم- يصيغ لنا سبب هزيمة اﻷمة وضعفها وتمزقها؛ ألا وهو حب الدنيا فقال عليه الصلاة والسلام:

" كيفَ أنتَ يا ثوبانُ إذ تداعَت عليكُمُ الأممُ كتَداعيكُم على قَصعةِ الطَّعامِه يُصيبونَ منهُ" قالَ ثوبانُ بأبي وأمِّي يا رسولَ اللَّهِ، أمِن قلَّةٍ بِنا قالَ: "لا بلْ أنتُمْ يومَئذٍ كثيرٌ ولَكِن يُلقى في قلوبِكُمُ الوَهَن"ُ قالوا: وما الوَهَنُ يا رَسولَ اللَّهِ قالَ: "حبُّكمُ الدُّنيا وَكَراهيتُكُمُ القِتالَ"[26]

6/ إثارة الفتن وتحريض القبائل:

أحيانا يلجأ الجيش المهزوم إلى تشكيل قوة كبيرة وذلك باﻻستعانة بالقبائل وتحشيدها من خلال توجيهها داخليا لخدمة سياسته وأغراضه وأهدافه ومن أجل إضفاء طابع الشرعية لنفسه وللاستيلاء على اﻷراضي والثروات من دون أن يكلفه ذلك عسكريا واقتصاديا، فاليهود لما أجلاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يهدأ لهم بال حتى يدبروا مؤامرة جديدة على رسول الله وأصحابه، سار عشرين من سادات بني النضير الذين أجلاهم النبي- صلى الله عليه وسلم- يحرضون القبائل والعرب على رسول الله، فذهبوا أول ما ذهبوا إلى قريش وذكروا قريش بأنهم انسحبوا من بدر الثانية وأن هيبتهم قد ضعفت أمام العرب والقبائل وشجعوهم على قتال رسول الله وأن العرب كلهم سيكونوا معهم ونحن معكم قوموا وقاتلوهم وسنقاتلكم معهم ولنضربه ضربة رجل واحد، فوافقت قريش على هذه الخطة وهذه المكيدة، فجهزت قريش وحلفاؤها 4 آلاف مقاتل ثم ذهبت يهود إلى سائر القبائل في جزيرة العرب قبيلة قبيلة يحرضونهم على القتال فهم لا يحاربون هم جبناء لا يقاتلون لكنهم يحرضون غيرهم ليقاتلوا نيابة عنهم فقط يوقدون نار الحروب، ثم ذهبوا إلى غطفان حلفائهم وحرضوهم على قتال رسول الله وهم يعلمون أنه رسول الله فتجمعت القبائل كلها العرب كلها تريد أن ترمي النبي بقوس واحدة، فتجمع جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل ﻷول مرة هذا العدد الكبير يتوجه إلى مدينة رسول الله للقضاء عليه وعلى أصحابه.[27]

7/ الخوف:

إن الله- عز وجل- لما يأتي ويذكر اﻷحداث و المصائب و البشائر، يذكرها بترتيب متناسق يبهر العقول، فقال تعالى:

{ولنبلوكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من اﻷموال واﻷنفس والثمرات وبشر الصابرين} [البقرة: 155]

وهنا الترتيب القرآني أخر الموت وقدم الخوف لما فيه من حكمة عظيمة غفلت عنها أذهاننا؛ فجاء الترتيب القرآني أولا في مشاعرنا وثم في حاجاتنا وثم في أهلنا، ويرجع سبب تقديم الخوف على الموت؛ ﻷنه لا يدمر فقط المشاعر بل يدمر المال واﻷنفس واﻷوطان[28] ولنقس على ذلك هزيمة الجيش المشرك في غزوة حنين؛ ففي لحظات يسيرة من شعوره بالخوف فر هاربا من الجيش المسلم، فر أكثر من 25 ألف مقاتل في عدة حسنة وفي مواقع إستراتيجية جيدة وفي حالة معنوية عالية من 12 ألف مجاهد تفرقوا هنا وهناك، يقول أحد الصحابة: فما ثبتوا لنا حلب شاة يعني: مدة قصيرة جدا، انطلقوا في كل اتجاه يفرون الرعب يمﻷ قلوبهم، تركوا أموالهم وأنعاهم ونسائهم وأولادهم، فوصف الله- عز وجل- موقفهم: {وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين} [التوبة: 26] من العذاب أن أخذوا قرار الفرار، من العذاب أن هربوا وهم اﻷكثر عددا وعدة، من العذاب أن تنازلوا عن حصاد السنين من المال واﻷنعام في لحظة واحدة هكذا، من العذاب تخليهم عن زوجاتهم وأولادهم؛ ﻷن الرعب مﻷ قلوبهم، من العذاب أن شعروا أن كل شئ يطادرهم حتى الجماد، وهذه حقيقة- عمرو بن سفيان الثقفي- كان من المشركين الذين فروا يقول: فانهزمنا، فخيل إلينا أن كل حجر وشجر فارس يطلبنا، قال: فأعجرت- أي: أسرعت- على فرسي حتى دخلت الطائف.

وهذا هو العذاب بعينه: {وعذب الذين كفروا} فر الجيش المشرك في ثلاثة اتجاهات، هرب الجميع بصورة مخزية مشينة، وهرب معهم قائدهم- مالك بن عوف- الذى دفعهم إلى هذه المهزلة العسكرية، واندفع المسلمون خلفهم هنا وهناك وطردوا المشركين في كل مكان.

ولقد بلغ عدد السبي من النساء في هذه الموقعة 6 ألف امرأة، وتجاوز عدد اﻹبل 24 ألف، وتجاوز عدد اﻷغنام 40 ألف، والفضة تزيد على 4 ألاف أوقية بمعنى حوالي 150 جرام من الفضة.

أول المعركة فر المسلمون دون قتال تقريبا، وآخر المعركة فر المشركون دون قتال تقريبا، وهذه النتائج الهائلة والغنائم العظيمة جاءت دون قتال يذكر، وإنما فر وكر من المسلمين ثم كر وفر من المشركين، هكذا تغيرت اﻷحداث في دقائق، انقلب النصر للمشركين إلى هزيمة لهم وتحولت الهزيمة للمسلمين إلى نصر لهم، والفارق عامل سيكولجي- تغير قلبي- لا يراه أحد من البشر لكن الله يراه، ف انحراف الفهم ولو للحظات أدى إلى الفرار، وعودة الفهم الصحيح في لحظات أدى إلى النصر.[29]

8/ العُجب:

إن اﻷمراض القلبية كالعُجب والكبر وحب الدنيا والحسد أمراض معدية إن ظهرت في طائفة ولم تعالج جيدا تنتشر كالوباء، فمنذ أن اتجه الجيش اﻹسلامي إلى حنين وهو متيقن أن النصر حليفه مع شعوره بالعجب الشديد بكثرة عددهم حتى قال قائل: لن نغلب اليوم من قلة فعددنا كبير، وهذا المرض القلبي الخطير قاد إلى شئ خطير آخر؛ ﻷن الثقة الزائدة بالنفس تدفع اﻹنسان إلى عدم اﻻكتراث بقوة عدوه، وعدم التأكيد على سير العملية العسكرية بالصورة التى ينبغي عليها، فظهر بعض القصور في أداء الجيش اﻹسلامي لما أعجبته كثرته بدؤوا بالتقليل من اﻻهتمام بالتفاصيل، فالمخابرات اﻹسلامية لم تتعامل مع الوضع الجديد بدقة كافية ولم تكشف الكمائن التى زرعها مالك بن عوف حول وادي حنين، وبالتالي رأينا جيش اﻹسلام يدخل في منطقة شديدة الخطورة دون دراسة كافية، وقادهم هذا العجب بالعدد إلى اﻻندفاع إلى سهل حنين دون تردد، دون أن يضع أي حماية لخلفية الجيش قبل الدخول إلى وادي حنين، ودون أن ينظر إلى الكمائن وألقى بثقله الكامل في داخل الوادي، وهذا خطأ عسكري فادح.[30]

9/ عدم التثبت من الشائعات:

إن للشائعة آثارا نفسية وحسية بالغة فبمقدورها أن تقضي على جيش كامل إن لم يواجه، وبانتشارها وسيطرتها على عقولهم قد تغير في سلوكياتهم، وأكثر أوقاتها انتشارا لحظة انعدام اليقين إذ أن الجيش حينها يكون في حالة قلق شديدة، وهذا يذكرنا بشائعة مقتله-صلى الله عليه وسلم- يوم معركة أحد لما صاح الشيطان بينهم أن محمدا قد قتل، محمدا قد قتل، وظن ابن قمئة لما قتل مصعب بن عمير أنه قتل رسول الله فصاح قتلت محمدا قتلت محمدا؛ فإذا بالنفوس تنهار وإذا بالهمم تضعف وإذا بالخور يصيبهم، فقعد بعضهم وجلس بعضهم يبكي واعتزل بعضهم أن قائدهم قد مات، فلما رأى أنس بن النضر هذا المنظر صار يقول لهم ماذا تفعلون؟ قالوا: مات رسول الله قال: وما تصنعون بالحياة من بعد رسول الله؟ فرأى سعد، قال: يا سعد ما أجلسك؟ قال: مات رسول الله يا أنس، قال: وما تصنع بالحياة بعد رسول الله؟.

10/ الخيانة:

الخيانة هي انتهاك أو خرق لعهد مفترض أو الأمانة أو الثقة التي تنتج عن الصراع النفسي في العلاقات، وغالبا ما تحدث الخيانة من قبل الجيش المهزوم عند تقدم الجيش المنصور، ونقض ما تم الاتفاق عليه مسبقا أو القواعد المفترضة بين الطرفين، وإن وجود الخيانة في جيش ما هو إلا من علامات هلاكه واضمحلاله؛ إذ يقول تبارك وتعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في اﻷرض أولئك هم الخاسرون} [البقرة: 27]

وبوجودها أيضا يعني تفشي الغش والكذب والظلم؛ إذ أنها سمة رذيلة فتجر معها كل الرذائل، وإذا تغلغلت في جيش ما؛ جرَّدته من إنسانيته، وجعلته وحشًا يهيم وراء النصر ولا يبالي بشيء آخر [31]؛ إذ أن تركيبته النفسية تكون مبنية على اﻻستحقاق المرتفع أي أنه يعطي لنفسه اﻷحقية المطلقة لفعل كل شئ بمجرد أنه يرى يستحق وإن كان لا، وقاعدته أن كل شئ مسموح له واﻵخرين غير مسموح لهم، وتلك الضلالات النرجسية والسيكوباتية تجعله مقتنعا تماما بفعله الشنيع، وإن كلفه إبادة شعب كامل لمجرد أنه يرى أنه يستحق النصر.

-----------------------

المصادر والمراجع:

[1] السيرة النبوية راغب السرجاني.

[2] https://taqrib.ir/ar/article/print/850

[3] https://www.alukah.net/sharia/0/117264/%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86/

[4] تهذيب الداء والدواء، لشمس الدين بن أبي أبكر، إعداد سلطان بن ناصر الناصر وتركي عبدالله الميمان، ص13.

[5] https://www.alukah.net/sharia/0/119232/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D9%84%D9%84%D8%B6%D8%B9%D9%81%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%88%D9%8A%D8%A7%D8%A1/

[6] السيرة النبوية أحمد بن خالد الهاجري.

[7] المصدر [1].

[8] التدريب الميداني لطلاب اﻻجتماعية، الجزء النظري، إعداد أماني كاشف.

[9] السيرة النبوية نبيل العوضي.

[10] https://www.almrsal.com/post/917278

[11] المصدر [9].

[12] https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9

[13] كتاب الحرب الناعمة، محمد حمدان، ص45

[14] المصدر [1]

[15] https://www.facebook.com/747705395323122/posts/pfbid02A8YdPq53nEeuwiSvUh3Jjppo1Qm5owXtMnqEWF1AWqZYMTPV3V3riuaUVX5Jy16el/?app=fbl

[16] المصدر [1]

[17] المصدر [15]

[18] الباحث الحديثي

[19] المصدر [1]

[20] المصدر [1]

[21] المصدر [1]

[22] المصدر [8]

[23] https://taqrib.ir/ar/article/print/850

[24]

[25] المصدر [6]

[26] المصدر [18]

[27] المصدر [9]

[28] https://youtu.be/P3pKWQ3rp70?si=SHRVq1psOCyCiU-S

[29] المصدر [1]

[30] المصدر [1]

[31] https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9% 86%D8%A9

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/203538

اقرأ أيضا