منذ اليوم الأول لبدء العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة، حاول الأهالي بإمكاناتهم المحدودة مواجهة الحصار والموت بإرادة الصمودوالمقاومة، ونقل مشهد الواقع الذي يعيشونه للعالم، علّ الضمير الدولي يستفيق لإنصاف الشعب الفلسطيني وقضيته، وشرح معاناتهم اليومية جراء القصف الصهيوني المستمر، كل منهم بحسب قدرته وتخصصه، لتصبح وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للتوثيق ، وتحديد حجم الدمار، وأعداد الشهداء، من جهة، وتدوين شهاداتهم ويومياتهم في ظل تهديد بانقطاع وشيك للإنترنت والكهرباء بشكل كامل، لا يعرفون متى يفقدهم القدرة على التواصل ببعضهم وبالخارج..
وقد رصدت "وكالة القدس للأنباء"، بعض التدوينات الخاصة التي كتبتها شرائح اجتماعية مختلفة من أبناء غزة تحت القصف.
مناشدة إنسانية.. فقدت التواصل بأطفالي
وجهت الدكتورة آلاء القطراوي، رسالة مناشدة عبر حسابها على موقع "فيسبوك"، قائلة: "لقد فقدت التواصل مع أطفالي منذ ال13 من ديسمبر (كانون الأول) وهم: يامن موسى قنديل 8 سنوات، والتوأم/ كنان موسى قنديل 6 سنوات، وأوركيد موسى قنديل 6 سنوات، وكرمل موسى قنديل 3 سنوات... إذ كانوا يعيشون مع والدهم بعد انفصالي عنه في منطقة السطر الشرقي في مدينة خانيونس، لقد دخل جيش الاحتلال إلى منزلهم واعتقلوا والدهم وجردوهم من هواتفهم المحمولة، وبقي الأطفال مع جدتهم أم والدهم، ثم لم أعرف عنهم شيئا منذ ذلك التاريخ، تواصلت مع "الصليب الأحمر" وأخبرني أن الاحتلال يرفض التنسيق معه. وتواصلت مع "الهلال الأحمر"، وهو الآخر لا يستطيع فعل شيء كون منطقتهم منطقة عسكرية مغلقة للاحتلال..
أتمنى على كل من يحمل في داخله ذرة من الإنسانية أن يكشف لي عن مصير أطفالي، منذ 44 يوماً لا أعرف عنهم أي معلومة، أرجو إيصال رسالتي هذه إلى كل من يستطيع أن يتحرك من أجل معرفة مكانهم، وأتمنى أن تصل إلى السيد فيليب لازاريني، والسيد توماس وايت، في "هيئة الأمم المتحدة" بما أنني أعمل ضمن طاقم موظفيها، أرجو من كل الصحفيين نشر وترجمة منشوري هذا"، وأضافت أن "أقسى ما في هذه الحرب، أن تفقد الأم كل أمومتها، وهي لا تستطيع حتى أن تعرف أين يوجد أطفالها، عدا عن كونها لا تستطيع حمايتهم".
المرأة في غزة.. حدث ولا حرج
أما حنين رزق السماك، فشرحت كيف تقضي المرأة يومها في غزة، قائلة: "تنام المرأة في غزة بعد صلاة العشاء مباشرة نتيجة التعب طوال النهار، والاستيقاظ من النوم الساعة الثالثة، وتبدأ اليوم في طابور الحمام لقضاء الحاجة والوضوء، لتقوم بساعة لربها طبعا حسب توفر المياه وتأخذ العملية من ساعة إلى اثنتين حسب المكان، وطبيعة النزوح،
وتبدأ بعد ذلك بالعجين بما لا يقل عن 50 رغيفاً لأقل تجمع للنازحين في المجموعة الواحدة، وتأخذ العملية ثلات ساعات، وتخبز على النيران بفرن الطينة، لترى أيديها ووجهها من شدة النيران أصبح داكناً مرهقاً، وبعدها تبدأ بالتحضير للغذاء والجانب النفسي الصعب هو التحضير للغذاء، فيمكن أن يكون اليوم معلبات، وتسمع من كل واحد من الأسرة سخطه، أو ممكن عدس وهذا أصعب، وإن تغيرت لتدخل الخضار يكون خبيزة، وفي كل المرات تسمع الرفض والتجريس كأنها هي صاحبة المسؤولية عن الحياة التي تعيشها، وهي صاحبة القرار بذلك، ويزيد الوضع صعوبة جداً جداً في مركز الإيواء ليوزع حبة واحدة من المولتو ( قطعة محشوة شوكولاطة) والآن جاء الدور لتجلي الجلي وتغسل الغسيل في جلسة على الطشت قرفصاء، ووجع الظهر والرجلين حدث ولا حرج، وتعود للوقوف أمام طابور المخزن طلباً لفوطة لطفلها او طلباً لعلاج..
هذا في مركز الإيواء، أما في المنازل التي تكتظ بالنازحين تبدأ عملية الترتيب والتنظيف والجلي التي لا تنتهي حالة صعبة إضافة إلى سماع الصراخ من الزوج ومن الابن ومن الأطفال ومن الجيران والنازحين الآخرين والمشكلات على اتفه الحاجات نتيجة الضغط وسماع أصوات القصف، والغلاء الفاحش، وانه لا يوجد أمل بالعودة غداً، وفقط تقول وتردد حسبي الله ونعم الوكيل استغفر الله لتنام بعد صلاة العشاء على أمل أن تبدأ يومها الثاني بخبر يعيد لها الأمل"، مضيفة أن "النساء تعيش حالة من القلق والتعب والاعياء، لا تجد فرصة لها حتى أن تفكر في نفسها، ويبقى عندها أمل في أن تعيش يوم طبيعي".
رغد.. الناجية من تحت الأنقاض!
أما نور عاشور، فقالت: "هذه صديقتي رغد، النّاجية من تحت الأنقاض، والنّاجية من نار الموت، قصف الاحتلال الهمجيّ منزلهم في أوّل أسبوعين من الحرب، واستشهد والدها وأخاها، وشاهدت ارتقاء بنات عمّتها اللواتي كنّ بجانبها، وبُترت ساقيّ والدتها وأختها، واحترق جسدها حتّى ذابت عنها ملابسها، وقام زوج خالتها بتغطيتها! زوج خالتها الذي استشهد بعدها.
كلّ من كان معها استشهد، ونجت هي بأعجوبة، حتّى أنها فقدت قدرتها على الحركة لفترة، وذهبت هي وعائلتها إلى المستشفى الإندونيسي في شمال قطاع غزّة، لتتعالج من حروق جسمها النّحيل، ومحاولة علاج والدتها وأختها بأبسط الإمكانيّات. وقد اقتحم الجيش "الإسرائيليّ" المستشفى بينما هي فيه، وأمرهم بأن ينقسموا إلى نساء ورجال، وفعلوا لأنّهم لا يملكون خيارًا آخرًا، فإما إطاعة أوامره أو الموت! وبعد فصل النّساء عن الرّجال جاء ممرّض من الطّابق العلويّ لم يكن قد سمع ما أمر به الضّابط، وجاء مسرعًا إلى جهة النّساء، فقام جنديّ تؤكد رغد أنّ عُمره لا يتجاوز العشرين سنة، وأطلقَ النّار عليه، حتّى سقط ينزفُ على الأرض، ولم يسمحوا حتّى لأحد بمساعدته، حتى صعدت روحه لخالقها!
وكان الجيش "الإسرائيليّ" يبحثُ عن رجل يُدعى 'أبو الأمير'، فوجدوه مُصابًا مجروحًا وعظامه مكسّرة والبلاتين الحديديّ في كلّ موضعٍ من جسده وهو على سرير المستشفى، وبعد أن وجدوه انقضّ عليه أربعة منهم يضربونه ضربًا مبرّحًا، وقفزوا على جسدِه المُنهك، وضربوه بأعقاب البنادق حتّى تدفق الدّم منه، وبعدها أخذوه إلى مكانٍ آخر، ولا يعرف عنه أحدٌ خبرًا بعدها.
تروي لي رغد والدّموع لا يتوقّف جريانها من عينيها المُتعبتين، وأقسمتْ لي أنّ هذا المشهد كان أصعب عليها من رؤية والدها أشلاء! رغد الآن في مدينة رفح، نزحت إلى الجنوب وتعيشُ في المستشفى لمحاولة تخفيف آلام والدتها وأختها، اللتين تقوم على رعايتهما لأنّهما لا تستطيعان الحركة.
لا يكادُ يصدّق الإنسان أنّ كلّ هذه المأساة حقيقة، ولا يصدّق أنّ هذه قصّة واحدة من بين الملايين".
شعب يجمعه دم واحد!
بدوره، قال يحيى الشولي من خلال بوست نشره على صفحته: "منطقتنا ما عرفتها.. وبيتنا تم تدميره بالكامل.. البيت اللي تكونت فيه كل أحلامي وذكرياتي.. واللي مستحيل يتعوض، لأنه بيذكرني بأمي وبكلامها اللي كان بيعطيني الطاقة والأمل عشان أكمل وأتحمل الحياة ومتاعبها، وجيراننا غالبيتهم بين شهيد ومفقود ومكلوم... يعني لو رجعنا هلقيت بنكون خسرنا كل شي.. بس لسة الحرب شغالة ولسة مارجعناش وواضح رح نخسر أكتر من ذكرياتنا وماضينا وأحبابنا وبيوتنا".
وكان الشولي قد ذكر في وقت سابق قصة، قال فيها: "موقف حاب أحكيه قبل ما يجي دورنا في هالحرب المسعورة، قبل يومين كنت في مستشفى شهداء الأقصى، خلصت تبرع بالدم وقعدت على جنب دايخ وتعبان، وكنت محبط جدًا من المشاهد اللي بشوفها في المستشفى، وفجأة التقيت بصديق لي يبحث عن وحدة دم لأخته في المستشفى، ألقى علي التحية، وقال لي: الدكتور طلب منه إحضار شخص ليتبرع بوحدة دم، ويستبدلها بالوحدة اللي رح ياخدها لأخته في ظل النقص الحاد في وحدات الدم بالمستشفى، والشاب ظروفه الصحية لا تسمح له بالتبرع، وللأسف لا يمكنني أن أتبرع لأني كنت متبرع منذ قليل، شعرت بالضيق لإني غير قادر على مساعدة صاحبي، فقلت له:
"تعال نمشي بين النازحين واذا لاقينا حد بنعرفه بنخليه يتبرع"، وتوقعت إنه رح نمشي كتير، ولكن اللي صار انه خلال أقل من خمس دقايق استعدوا أربعة أشخاص يتبرعوله، بينهم واحد أولاده الثلاثة مستشهدين قبلها بيوم، وواحد تاني جريح ممنوع يتبرع صار يحلف على الدكتور ياخد منه وحدة دم عشان يساعد الشاب، والدكتور يقنع فيه إنه مش مسموح"... موقف بسيط وسريع ولكن تأثيره ما فارقني ولا لحظة وأنا بفكر فيه وكأنه هاد هو المعنى الحقيقي للشعب الذي يجمعه دم واحد".