وكالة القدس للأنباء - ملاك الأموي
استكمالاً لحملات الدعم لقطاع غزة، وتنديداً بالعدوان الصهيوني الذي يتعرض له القطاع، من قبل قوات العدو، افتتح الفنان التشكيلي، عمر بدور، مؤخراً، معرضه الفني الذي يوثّق الحرب على غزة، في غاليري إطلالة اللويبدة بالعاصمة الأردنية، عمَّان، تحت عنوان "معاً لنصرة غزة"، بمشاركة "جمعية تواصل"، عرض خلاله ما يقارب 50 لوحة فنية، خصص ريعها كاملاً لدعم العائلات والأطفال في قطاع غزة.
في هذا السياق، تحدث الفنان عمر بدور، لـ"وكالة القدس للأنباء" عن هذا النشاط المميز، في هذا الظرف الإستثنائي، قائلاً: "المعرض كان نتاجاً لتفاعلات جالت في نفسي بين النصر وبين الألم.. النصر الذي كنا نبحث عنه من النكبة الأولى حتى الآن، كنا نبحث عن بصيص أمل مع هذا التقدم الهائل لهذا العدو الغاشم، والعالم يتسارع من حولنا، فكان طوفان الأقصى!"، مبيّناً أنه "بدأت أولى لوحاتي بالنصر، وكنت أعلم أن حجم الانتقام سيكون مدوياً، فأنا أعرف هذا العدو وهمجيته، الذي لا يفرّق بين طفل وعجوز وامرأة ومقاوم. فكانت مرحلة الإبادة وأصبح الألم يكبر، ولم أجد منصة لتفريغ ألمي إلا من خلال ما أتقن وهو الرسم والتصميم. فكانت الأفكار تأتي تباعاً، من طفل يبكي، ومن امرأة تصرخ مستنجدة، ومن ألم الأطباء في المستشفيات، لا يجدون ما ينقذون به طفلاً بين أيديهم فيعلنون موته".
وأضاف بدور: "من قهر الرجال ودمعتهم التي لم تمنعهم من أن يعلنوا وقوفهم مع مقاومتهم، فهذا الشعب الجبار يحق له الحياة، ويحق لنا أن نخلد بطولاتهم في أعمالنا، فكان هذا النتاج من الأعمال اليومية على مدار الحرب وحتى الآن وما زلنا نوثق"، مشيراً إلى أن "المعرض ضم 50 عملاً تنوعت بين المقاومة، الأمل، والألم، وكانت توثيقية لكل مشاهد الإجرام الغادر للمستشفيات والإعلام والصحفيين والكتاب والفنانين، حتى يوم أمس جاءني خبر استشهاد أحد أصدقائي الفنانين هناك، وقبلها فنانة أخرى شاركت معنا في معرضنا، معرض فلسطين حكاية ولون الدولي".
وعن رسالته من المعرض، قال: "أنا منذ 40 عاماً، وأنا أحمل رسالة فلسطين، منذ معرضي الأول أواخر عام 1982، بعد مذبحة صبرا وشاتيلا مباشرة، قمت بعمل معرض عن هذه المذبحة واستمرت أعمالي حتى الآن، مواكبة للقضية الفلسطينية، وأفتخر أن لي سهماً في هذا النضال. وأظن أن على الفنان العربي أن يكون له رسالة، وكل فنان يحتاج إلى رسالة لكي يوصلها بفنه، وخير رسالة نعيشها هي رسالة القضية الفلسطينية، بكل أشكال النضال، من شهداء وأسرى، وحواجز وجدار عازل، ومقاومة بالحجر والمقلاع، حتى المقاومة بالسلاح والعتاد. ونحن نساندهم بريشتنا وألواننا، حيث نظهر معاناتهم ونظهر للعالم أجمع كمية المجازر "الإسرائيلية"، حتى أصبحت إبادة كما شاهد العالم أجمع، فقد أصبح العالم مفتوحا أكثر"، مؤكداً أن "هذه هي رسالتي، وهذه هي قضيتي، حتى التحرير".
العمل على مدار الساعة
وقال بدور: إنه "منذ بداية الحرب وحتى الآن، أعمل على مدار الساعة، حتى النوم أتناول منه جرعات بسيطة، وفي مرات عديدة كنت استيقظ لأعمل عملاً رأيته في المنام أو خطر على فكري أو انتبهت إلى التلفون، فشاهدت المعاناة التي يعيشها أهلنا هناك، وعشتها معهم بكافة تفاصيلها، لهذا أنا أوثق الكثير منها من خلال أعمالي، وأتمنى على جميع الفنانين أن يكونوا سباقين لنصرة هذه القضية، التوفيق في النهاية من الله، فهو معيننا وهو من أعان أهلنا هناك، دوماً للصمود في وجه الطغيان".
الفن سلاحنا كما هي الرصاصة
وأكد الفنان بدور أن "الفن التشكيلي أصبح أسلوب من أساليب المقاومة، وأنا أستخدمه لمساندة إخوتنا في فلسطين قدر ما أستطيع، فهو سلاح كالرصاصة، وسأسرد لك حكاية تدلك على هذا الأمر، فأنت تخاطب الوعي العالمي وهو حشد لك يظهر في المواقف الصعبة.
كنا في معرض فلسطين "حكاية ولون الدولي" في البوسنة والهرسك، وكان هناك مجموعة من أحدى المدارس جاؤوا لرؤية المعرض، وكنا نتحدث معهم عن معاناة أهلنا في فلسطين، وقد ترجم لي المترجم قول الطلاب، فهم يظنون أن الاحتلال ما هو إلا شرطي في فلسطين، وهؤلاء أطفال وشباب يعملون الشغب ويرمون بالحجارة على الشرطي "الإسرائيلي"، وكلهم على نفس الفكرة، تحدثنا معهم وأخبرناهم عن حقيقة الاحتلال، وقارنا بين حالتهم وحالة فلسطين، وقد أظهر الطلاب مع مدرسيهم تفاعلاً بعد أن عرفوا هذا الأمر، وكان هناك أيضاً نائب في البرلمان، كان أصغر نائب، وكان لهم حوالي مليون متابع على تويتر، وعندما شرحنا وقلنا لهم وله ما تيسر من معلومات وحقائق، يومها لبس النائب الحطة الفلسطينية، ورفع إشارة النصر، ونشرها على تويتر مع كلام له، فكان التنبيهات على الرسائل تتراشق في كافة الاتجاهات في ذلك الوقت، لقد قمنا بثورة وعلمنا الأطفال.. هؤلاء الأطفال الذين سيكونون سنداً للقضية يوماً ما، أليست هذه مقاومة؟!
القدس قضيتي الأولى
وأوضح بدور أن "القدس هي محور الصراع بيننا وبين العدو الغاصب، وهي رمز ديني، ورغم أنني لم أر القدس في حياتي إلا أنني أشعر وكأني أمشي في شوارعها وأزقتها، وأتجول بحرية بين الدكاكين، وأشم عبقها يومياً في حياتي العادية، وأحلم بها، وهي قضيتي الأولى، ولن أتنازل عنها ما حييت"، مضيفاً: "كنت أتمنى أن أقيم معرضاً دولياً عن القدس وأتجول به في كافة أنحاء العالم، ويكون دليلاً لكل الفنانين في العالم ككل، ونشر معاناة القدس، والتهويد، ومحاولة هدم الأقصى، وإقامة هيكل سليمان المزعوم، من قبل الاحتلال الصهيوني مكانه، مشيراً إلى أن "للقدس مكانة خاصة في قلبي، جدي حببني بالقدس، وأبي أيضاً زرع في نفوسنا محبة القدس وفلسطين مع رائحة القهوة العربية الأصيلة، وعلى أنغام موسيقى المهباج".
تأثير الصورة عالمياً
وعن سؤاله حول أهمية توثيق الأحداث، قال: "ألا ترى معي أن الصورة تتحدث بكل لغات العالم؟ ألا ترى ما فعلته الصور والرسومات والفيديوهات المرئية في العالم؟.. هناك أهمية كبيرة للثقافة البصرية في هذا الصراع، فكيف إن رسمتها بشكل تعبيري لا يتعدى الحقيقة، ووضعت عليها ما تخاطب به الجمهور المغيب، أو قل الذي كان مغيباً مع بداية الأحداث، حيث كانت نسبة من يظنون أن "إسرائيل" على حق تفوق نسبة من يظنون أن الفلسطينيين على حق بكثير، ولكن مع الانفتاح على العالم ومخاطبته بلغة الصورة واللوحة والتصميم والفيديو كانت آخر إحصائية أو إستطلاع للرأي أن نسبة من يظنون أن العدو يقوم بإبادة، وأنه على غير هدى ولا سوية ما يقارب الـ 95 بالمئة والخمسة بالمئة معروف من هم ..!!".
وفي نهاية حديثه، قال: "لهذا فإننا إن بقينا وشهدنا تحرير فلسطين، سنكون قد أدينا واجبنا، وسيتطلع أولادنا إلى التاريخ، ومن ضمنه هذه الأعمال التي قمنا بها، وستكون هذه الأعمال لهم منارة يهتدون بها إلى الطريق الحق"، مؤكداً أن "الأجيال القادمة ستلعننا إن قصّرنا في تعبيد الطريق لها".